توقيت سيئ أن تتزامن زيارة رئيس الحكومة الإسبانية للمغرب مع الذكرى السادسة لأزمة جزيرة ليلى، التي شكلت أخطر أزمة في تاريخ البلدين منذ استقلال المغرب عن الاحتلال الإسباني. لزباتيرو أن يقول إن ذلك حدث في عهد أثنار السياسي اليميني الذي لم يكن يحتفظ بشيء من الود للمغرب، لكن، مع ذلك، يبقى أثنار وسياساته جزءا من ذاكرة الدولة الإسبانية بغض النظر عن تعاقب الحكومات. نضع هذه الحادثة بين قوسين ونطرح لائحة المطالب التي يجب أن يسمعها جارنا الإسباني في وجدة. أولى هذه النقط أن إسبانيا مطالبة بترك الموضوعات التاريخية الخلافية بين البلدين في «ثلاجة» دبلوماسية، إلى حين أن يقرر البلدان أن الظروف مواتية لبحثها، وفي مقدمة هذه القضايا احتلال إسبانيا لمدينتي سبتة ومليلية والجزر المجاورة. إذا لم تكن إسبانيا مستعدة الآن لبحث هذا الموضوع، فعلى الأقل لابد أن تتوقف عن وضع الملح في الجرح، وأن تخرج «احتلال المدينتين»، الذي لا يشرف إسبانياالجديدة بين الأمم، من دائرة الصراع السياسي بين الحزبين الرئيسيين في إسبانيا، لأن زيارة ملك إسبانيا وقبله رئيس حكومته للمدينتين يجرح كبرياء المملكة ويحرج الملك محمد السادس أمام الرأي العام. وإذا رفضت إسبانيا هذا الحل المؤقت، فعليها أن تتحمل مسؤولية إثارة العاطفة الوطنية، وما يمكن أن يترتب عن ذلك من بروز تيارات وحركات معتدلة ومتطرفة قد تلجأ إلى كل وسيلة لتحرير أرض مستعمرة، يصعب في المغرب كما خارجه لومها على أي عمل يرمي إلى تحرير أرضها. على زباتيرو أن يسمع من المسؤولين المغاربة كلاما صريحا عن رفض المغرب اختصار علاقته مع إسبانيا في مجرد شرطي يحرس الضفة الجنوبية من البحر المتوسط من فلول القادمين من إفريقيا نحو الهجرة إلى أوربا، أو مجرد مياه لاصطياد السمك، أو مجرد مخبر يتجسس على الخلايا النائمة والمستيقظة للقاعدة وغير القاعدة، أو مجرد دركي يطارد شاحنات وقوارب المخدرات وتجارة البشر... كل هذه الموضوعات مهمة، والمغرب يتفهم هواجس الجار الأوربي تجاه الإرهاب والمخدرات والهجرة السرية، لكن هذه القضايا وغيرها يجب أن توضع ضمن تصور استراتيجي لشراكة شاملة، تستحضر حاجة المغرب إلى المساعدة الاقتصادية، وإلى فتح أسواق جديدة لمنتوجاته، واستقبال يده العاملة وطلبته الراغبين في إكمال دراستهم، والكف عن اعتبار المغرب عدوا مع وقف التنفيذ في المخيلة الإسبانية الإعلامية والسياسية. الجغرافيا قدر لا مفر منه، ولهذا على الجيران أن «يخترعوا» أفضل السبل للتعايش مع بعضهم البعض. ثالثا: لابد أن يعرف الإسبان أن المغرب يعتبر قضية الصحراء اليوم من أكبر مشاكل البلد، وأن مشروع الحكم الذاتي المقترح «قفزة في الهواء» لا يعرف أحد ماذا سيكون بعدها، وأن هذا المشروع المقترح من المغرب يحتاج إلى مساندة إقليمية ودولية لينجح، وأن الجيران إذا لم يستطيعوا لعب دور إيجابي في هذا الملف، فعلى الأقل لا يجب أن يلعبوا دورا سلبيا. بدوره زباتيرو سيحمل مطالب بلاده وهواجسها إلى وجدة، ويجب على المغاربة أن يسمعوها جيدا وأن يناقشوها معه. وأتصور أن أول الهواجس هو مستقبل الاستقرار في المملكة أمام تراجع «الإصلاحات الديمقراطية»، واتساع «الفراغ» في الحياة السياسية المغربية، مما يهدد بمفاجآت وأخطار ليست في صالح المغرب ولا إسبانيا الارتهان إليها. على المغرب أن يتعلم من تجربة الانتقال الديمقراطي في إسبانيا والتي كان مفتاحاها الرئيسيان اللذان حلا عقدة نظام فرانكو هما: ملكية تنظم السير دون أن تتدخل مباشرة في حركة النقل، ثم اعتماد نظام الجهات الأقدر على حل المشاكل ومراعاة الخصوصيات وتخفيف الضغط على المركز...