لم يُكتَب لأرشيفها المليء بالإنجازات والبطولات أن يجد له مكانا فيوق رفوف وزارة الشباب والرياضة وداخل الأندية الرياضية والجامعات الملكية الرياضية التي مثلتها في فترة كانت المبدعات من النساء على رؤوس الأصابع... لم يُكتَب لزهرة العلوي اليزيدي، الأرملة التي استضافها محمد الخامس كرياضية واستضافها محمد السادس كفاعلة جمعوية، أن تنال من التقدير والاحترام الذي يناسب عطاءها الرياضي في فترة الطفولة والشباب، ونضالها الجمعوي وهي على مشارف عقدها الثامن... الأرملة الحديدية التي طُويت صفحاتُ ماضيها المجيد وأصبحت عجوزا تقاوم الدهر من أجل أن تضمن لأبنائها اليتامى فرصَ الشغل، ومن أجل أن تُمكِّنَهم من أبسط حاجيات الدنيا (دفء أسرة صغيرة في منزل صغير)... رفضت المغادرة الطوعية من العمل الجمعوي النسائي، وكلما شاخت، زاد شموخُها وحبُّها للمبادرة والتنقيب عن كل ما يسعد المرأة ويقوي بنيانها ووضعها المادي والمعنوي. بصمت في شبابها في سجل التاريخ المغربي، إنجازات عديدة ظلت حبيسة مكتبتها، تلجأ إليها متى كلَّتْ من أعمالها التطوعية وجلسات أبنائها الخمسة، لتغازلها، بلطف، وتسترجع معها »زهرة» الأمس البعيد التي أينعت مع فجر الاستقلال وعودة الملك المرحوم محمد الخامس من منفاه. لم تكن زهرة العلوي اليزيدي -أو كما يعرفها الجميع- «مدام العطاوي»، بالسيدة التي تنقش أنشطتها على دفتر مفتوح، بل كانت كتومة في كل تحركاتها، حبيسة إبداعاتها ومبادراتها التي لا تنتظر من ورائها أجرا أو مقابلا (تعمل الخير وترميه في البحر). راكمت الفاعلة الجمعوية والمُنشِّطة لعدة تعاونيات نسائية في الإقليم بطولات وأمجادا تفوق بكثير ما تحاول نقشه في أيامها الأخيرة من تضحيات ومبادرات إنسانية واجتماعية. كشفت »مدام العطاوي» عن شواهد ودبلومات تعود إلى خمسينيات وستينيات القرن الماضي في عدة رياضات جماعية وفردية، فقد كانت بطلة بامتياز. وتكفي الإشارة إلى أن اليزيدي هي أول بطلة مغربية في رياضة التزحلق على الجليد في تاريخ المغرب، وأول -وربما آخر- بطلة دخلت الرتبة الأولى، متقدمة على المشاركين الذكور سنة 1961م، كما أنها أول مدربة لرياضة ألعاب القوى، حصلت على شهادة التدريب من الجامعة الملكية المغربية لألعاب القوى سنة 1966. قالت اليزيدي، وهي تعود بالذاكرة إلى أيام البناء والتشييد التي بدأت ببزوغ فجر الاستقلال: «جرى سنة 1956 م اختيار خمس فتيات بارزات في مجالات رياضية مختلفة، بعد انتقاء شمل عدة مؤسسات ثانوية، وكنت من بينهن، وأنا ابنة 16 ربيعا حينها، أحسنَ عداءة في مسافة 1000 متر و80 مترا، إضافة إلى براعتي في رياضات مختلفة، ألعاب القوى ورياضة كرة السلة والمسايفة والسباحة.. خضع فوجُنا الذي يعتبر الأول منذ فجر الاستقلال لتداريبَ مكثفة داخل المركز الرياضي (بيل فيي) في الرباط، حيث حظينا بزيارة شرفية للملك المرحوم محمد الخامس، الذي أعطانا شحنة قوية لولوج عالم التدريب من بابه الواسع، وتعويض الأطر التي غادرت المغرب بعد الاستقلال»... تقول زهرة العلوي اليزيدي إنها رأت النور في مدينة فاس. كانت تتابع دراستها في ثانوية «أم البنين» في المدينة العلمية، وحصلت على شهادة (بْروفي) السلك الأول، وأُرْغِمت على مقاطعة الدراسة وولوج عالم الشغل بعد نهاية الاستعمار، نظرا إلى انعدام الأطر العاملة في عدة مجالات، بعد انسحاب الأطر الأجنبية. وتابعت اليزيدي: «لم تكن الفتيات ينتظرن إدماجهن في عالم الشغل، بل اعتبرنها فرصة للتكوين وصقل المواهب، لكن المسؤولين في المركز نصحونا بولوج مجال العمل في التدريب، لتغطية الفراغ الذي تركته الأطر الفرنسية، وتَوظّفْن ابتداء من السنة الموالية، سنة 1957م، حيث بدأن تدريجيا في تعويض كل الأطر الفرنسية التي بدأت في الانسحاب. عملت اليزيدي في عدة أنشطة وحملات تهم عدة مجالات اجتماعية ورياضية في مختلف المدن المغربية (طريق الوحدة، حملة الانبعاث... تأطير عدة أنواع من الرياضات، تسلق الجبال...). مارست السباحة والمسايفة وعملت مدربة ضمن فريق الرجاء البيضاوي لألعاب القوى، وضمن فريق الوداد البيضاوي، فرع كرة السلة. عملت ضمن أطر الشبيبة والرياضة، منذ أزيد من أربعين سنة، كما اشتغلت، لسنوات عديدة، أستاذة لمادة التربية البدنية في إعدادية زياد في مدينة ابن سليمان. تسلقت المراتب بمرور السنوات، إلى أن أنهت مسيرتَها العملية بدرجة مفتشة في الرياضة. اتسمت مسيرتها بإخلاصها لعملها ومبادراتها التطوعية، غادرت العمل الرسمي بعد إحالتها على التقاعد، فتفرغت للعمل الجمعوي النسائي الذي ظلت تزاوله، لعقود، خلت ومازالت وفية له.. اشتغلت رفقة العديد من النساء في مجالات التنمية النسوية، أنشأت داخل الجمعيات النسائية التي عملت تحت لوائها، وآخرها جمعية نساء في أفق 2010، عدة تعاونيات صغيرة لتربية النحل والأرانب والصناعة التقليدية والطبخ والحلاقة.. ولقيت مشاريع الجمعية دعما ومساندة كبيرين من طرف السلطات المحلية ومؤسسة محمد الخامس للتضامن، وانتعشت شغيلتها اللواتي هن في معظمهن نساء قرويات لا دخل لهن. استقرت بمدينة ابن سليمان سنة 1975 وعملت، قبل ذلك، في مدن الدارالبيضاء (10 سنوات) وطنجة (5 سنوات) والراشيدية (4 سنوات)، حيث كانت كثيرة التنقل، بسبب وضع زوجها الذي كان يعمل مندوبا في الشبيبة والرياضة.