رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مجلس الأمن.. بلينكن يشيد بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    جرسيف .. نجاح كبير للنسخة الرابعة للألعاب الوطنية للمجندين    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    زاكورة تحتضن الدورة الثامنة لملتقى درعة للمسرح    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك        بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    روسيا تمنع دخول شحنة طماطم مغربية بسبب "أمراض فيروسية خطيرة"    نادي المغرب التطواني يقيل المدرب عزيز العامري من مهامه    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    دشنه أخنوش قبل سنة.. أكبر مرآب للسيارات في أكادير كلف 9 ملايير سنتيم لا يشتغل ومتروك للإهمال    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    "التقدم والاشتراكية": الحكومة تسعى لترسيخ التطبيع مع تضارب المصالح والفضاء الانتخابي خاضع لسلطة المال    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تثمينا لروح اتفاق الصخيرات الذي رعته المملكة قبل تسع سنوات    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    قضايا المغرب الكبير وأفريقيا: المغرب بين البناء والتقدم.. والجزائر حبيسة سياسات عدائية عقيمة    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    دورية جزائرية تدخل الأراضي الموريتانية دون إشعار السلطات ومنقبون ينددون    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    ترامب يهدد باستعادة السيطرة على قناة بنما على خلفية النفوذ الاقتصادي المتنامي للصين    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025        مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدويري كان يحبذ افتتاحيات ناقدة وعبد الحفيظ القادري اعترض على اعتقال عبد الرحيم بوعبيد
المساري اقترحني مع مصطفى اليزناسني لنعمل مراسلين لصحيفة «الشرق الأوسط»
نشر في المساء يوم 14 - 08 - 2010


الحلقة الخامسة :
عندما غادرت صحيفة «الجمهور» في 12 يونيو 2002 مطروداً، وعلى الرغم من المرارة التي كنت أشعر بها، ألحت على خاطري فكرة هذا الكتاب. كتاب يروي بالتفاصيل والوقائع،
والأهم بالوثائق، تجربة العمل رئيساً لتحرير أربع صحف يومية، خاصة أنه بدا لي الكثير مما ألقي على الناس في وقت لاحق كان مجافياً لما عشته ورأيته بعيني وسمعته بأذني في زمانه ومكانه. وضعت تصوراً ذهنياً للكتاب، واخترت له عنواناً يقول «صحافة تأكل أبناءها». خلال تلك الرحلة المهنية وجدت أن معظم الذين تعاملت معهم لا يحبون الخسارة وليسوا جاهزين لها. ولا أزعم أو أدعي بأنني أحب الخسارة، لكنني كنت دائماً جاهزاً لها. بقيت فكرة الكتاب في مكانها، وفي كل مرة كانت تشغلني عنها مشاريع أخرى، ومشاغل لا تهدأ مع الحياة وتفاصيلها، والزمن وتصاريفه.
من 12 يونيو2002 حتى 22 أبريل 2010، مرت حوالي ثمان سنوات. في ذلك اليوم وفي الخامسة مساء سألتقي بالأخ رشيد نيني، ناشر ورئيس تحرير «المساء» ورئيس مجلس إدارة المجموعة التي تصدرها. تواعدنا أن يكون اللقاء في أحد فنادق الدار البيضاء، على فنجان قهوة، لإغلاق صفحة وفتح صفحة جديدة. وأشهد الله أنه كان كريماً حيث طرح عدة اقتراحات على الطاولة، ثم اقترح إجراء حوار مطول ينشر في حلقات. وافقت من حيث المبدأ، إذ بدا لي أن كتاب «صحافة تأكل أبناءها» يمكن أن يخرج عبر هذه الصيغة المعدلة. كان الأخ رشيد نيني سخياً مرة أخرى، وهو يطلب تحديد المبلغ الذي ستدفعه الصحيفة لقاء هذه الحلقات.
اقترح من جانبه أن يجري الحوار الزميل مصطفى الفن، وأن تتم الصياغة النهائية بالتراضي. هكذا شرعنا في العمل في مكتبي الشخصي بالرباط، وتحمل الأخ مصطفى الفن عناء التنقل من الدار البيضاء إلى الرباط مرتين في الأسبوع وأحياناً أكثر، إلى أن اكتمل هذا العمل.
في هذه الحلقات لم أركن إلى ما تستطيع الذاكرة أن تستدعيه، وإنما إلى أوراق مكتوبة في أوانها، تستعيد الوقائع كما جرت وبتفاصيلها. وأقول مجدداً إن مشكلتي مع بعض الناس ومشكلة بعض الناس معي أنني لا أعتمد على الذاكرة. لم أرغب أن يكون هذا الكتاب نوعاً من كتابة «مذكرات» مع أني عشت الوقائع، إذ حرصت قدر الإمكان أن تكون هناك مسافة بين الوقائع والحياد المطلوب في روايتها. الثابت أنه عندما يقترب صحافي من عملية صنع الأخبار، يصبح ليس شاهداً على وقائعها، وإنما يتحول في بعض الأحيان إلى طرف في صنعها. لم أقصد أن أكتب عن «حق» أو «باطل». وفي اعتقادي، عندما نكون على حق، لا يستوجب ذلك أن يكون رأينا مكتوباً أو صوتنا مرتفعاً. بقيت مسألة. يجب أن ينظر إلى هذه الحلقات باعتبارها مواضيع لملمها خيط ذاكرة متشعب مثل غصن استناداً إلى وثائق مكتوبة وصور موجودة وصوت مسجل.
طلحة جبريل
(صحافي سوداني مقيم في المغرب)
[email protected]
كيف أصبحت وضعيتك داخل جريدة «العلم» بعد مقالك حول المنشقين السوفيات؟
- اندمجت في عملي الجديد في قسم الأخبار. كنت أحرر القصاصات الإخبارية وأحيانا أترجم بعض المواضيع. ويبدو أنه مع مرور الوقت بدأت قدراتي المهنية تثير الانتباه. أصبحت أكتب بين الفينة والأخرى مواد تنشر في الصفحة الأولى دون توقيع. كان نشر مادة في الصفحة الأولى في «العلم» يعد حدثا لأي محرر. لم يكن الأمر متاحاً للجميع في تلك الفترة، ولا يحدث إلا نادراً. وفي وقت لاحق ستنشر مواد باسمي في الصفحة الأولى. هكذا سارت الأمور قبل أن يبادر الأستاذ محمد العربي المساري، الذي كان وقتها رئيسا للتحرير، إلى تكليفي بإعداد صفحة «آفاق دولية»، وهي صفحة لا علاقة لها بالأخبار الدولية، بل تنشر تحليلات وتقارير مطولة ومواد مترجمة. كنت أكتب فيها عموداً اخترت له عنوان «لافت للانتباه».
أضحى اسمي يعرف شيئا فشيئا، إلى أن جاء يوم كتبت فيه بعض الخواطر وسلمتها إلى عبد الجبار السحيمي، وفوجئت به ينشرها ضمن زواية «مذكرات العلم» في الصفحة الأخيرة، وهو أمر أيضا لم يحدث من قبل، لأن تلك الزواية كانت تكتب فيها أسماء كبيرة. أصبحت كتاباتي تثير الانتباه. أكثر من هذا، شكلت كتابة «مذكرات العلم» نقطة تحول في مساري المهني، حظيت مع مرور الوقت بثقة المسؤولين في «العلم»، وخاصة الأستاذ المساري، الذي توثقت علاقاتي به. أصبحت أكلف أحيانا بتغطية أنشطة وجولات بعض الوزراء الاستقلاليين، خاصة محمد الدويري، وزير التجهيز والأشغال، وعز الدين العراقي، وزير التربية والتعليم، وعبد الحفيظ القادري، وزير الشبيبة والرياضة.
ما زلت أتذكر أني أول مرة اقتربت فيها من الملك محمد السادس، ولي العهد الأمير سيدي محمد آنذاك، كانت عندما كلفت بتغطية زيارته لمعسكر الكشافة في منطقة المعمورة في ضواحي سلا. وكان قد رافقه في تلك الزيارة عبد الحفيظ القادري، وزير الشبيبة والرياضة أيامئذٍ. أما محمد بوستة، فقد استفدت من علاقاتي التي تعززت معه عندما عملت مراسلاً لصحيفة «الشرق الأوسط».
مع مرور الوقت، صار لي موقع داخل هيئة تحرير «العلم». وبعد فترة وجيزة تلقيت خبراً ساراً تمثل في زيادة راتبي من 1300 درهم إلى 2500 درهم. تلك الزيادة شملت رواتب المحررين الأساسيين، كان من بينهم محجوب الصفريوي وعمر نجيب وميمون الأزماني ومحمد بنيس ومصطفى السباعي وعبد الحق الزروالي. كان ذلك يشكل «ثورة» في «العلم» أطلق عليها «تصحيح الأجور»، وهي خطوة كان يقف وراءها العربي المساري.
كيف كانت أجور الصحافيين في «لوبينيون» الناطقة بالفرنسية إذا قورنت بأجوركم في جريدة «العلم»؟
- على الرغم من أن الصحيفتين يصدرهما الحزب نفسه، فإن رواتب المحررين في «لوبنيون» كانت مرتفعة مقارنة بأجور المحررين في«العلم». كانت الحجة، التي يبرر بها المسؤولون هذا الأمر هو أن «لوبنيون» تستقطب حجما أكبر من الإشهار، وبالتالي كانت مداخيلها أفضل من «العلم». كان المحررون في «العلم» يشعرون بالغبن إزاء هذا الوضع.
طلب منك العربي المساري يوما أن تجري اختبارا لحسن عبد الخالق، السفير الحالي بالأردن، حول مؤهلاته المهنية في مجال الصحافة. ما هي وقائع هذه القصة؟
-أصبح لدي وضع متقدم في قسم الأخبار، وفي المواضيع التي لها علاقة بكل ماهو دولي في الصحيفة، ثم أصبحت أكلف بالإشراف على الصفحة الأولى في عطلة نهاية الاسبوع. ذات يوم طلب مني المساري إجراء اختبار تحريري لأحد الشبان، على أساس أن يعمل في قسم الأخبار. أتذكر أني سلمته مجموعة قصاصات حول الوضع في تشاد. كان ذلك البلد الإفريقي يعرف حرباً أهلية طاحنة. فبدا لي فعلا أنه شاب موهوب له تكوين جيد. وسأعرف في وقت لاحق أن اسمه حسن عبد الخالق. وبالفعل قرر المساري ضمه إلى هيئة التحرير.
كان من الذين يترددون على الصحيفة كذلك محمد الوفا، سفير المغرب حالياً في البرازيل. كان آنذاك أستاذا مساعداً في كلية الحقوق، وكان يأتي إلى الصحيفة ببعض البيانات. كان توفيق احجيرة يأتي كذلك رفقة والده عبد الرحمن احجيرة مفتش حزب الاستقلال في وجدة، وهو من المناضلين الكبار، إذ سبق أن صدر ضده حكم بالإعدام مرتين في فترة الحماية. وأعتقد أن توفيق حجيرة كان آنذاك إما عضواً في الشبيبة المدرسية أو الشبيبة الاستقلالية. ربطتني علاقة طيبة مع عبد الرحمن احجيرة، وفي أكثر من مرة كنت في وجدة، حرصت على زيارته في منزله وأكرم وفادتي.
هل تعرضت بعض مقالاتك في «العلم» للرقابة؟
- لم يحدث ذلك على الإطلاق. كنت أكتب مواضيع تهم الشأن الخارجي، ولم أكن معنياً بالقضايا التي لها علاقة بالوضع الداخلي للبلاد. باستثناء مرة واحدة عندما كتبت موضوعاً عن قضية «تيمور الشرقية»، التي ستنفصل عن أندونيسيا بعد ذلك بسنوات. كانت هناك حساسية تجاه هذا الموضوع لأنه يماثل إلى حد ما قضية الصحراء. وبعد نشر ذلك الموضوع تعرضت لتوبيخ شديد من طرف المساري. ولم أكن اعرف أن هناك ربطاً بين «تيمور الشرقية» و«الصحراء».
عملي في «العلم» لم يتجاوز سنتين، أي من 1978 إلى آواخر 1980، وبالتالي فإن «الزلات» كانت محدودة.
خلال تلك الفترة انضمت إلى«العلم» بعض الأسماء الصحافية، أذكر من بينها مصطفى اليزناسني وعبد القادر شبيه، الذي سبق أن عمل من قبل في «العلم» قبل أن ينتقل إلى صحيفة «الميثاق الوطني» ليعود إلى «العلم» من جديد. أعتقد أن تلك المدة كانت حافلة، على الرغم من قصرها، وشكلت دفعة قوية لمساري المهني. أتذكر أن مؤسسة ألمانية اقترحت تدريب صحافيين ضمن برنامج لتأهيل محررين شباب من دول العالم الثالث، وكنت حينها قد أنهيت دراستي الجامعية، فرشحتني الصحيفة للسفر إلى فرانكفورت من أجل الاستفادة من هذا التدريب والحصول على درجة فوق جامعية، لأنهم اشترطوا أن يكون المحرر حاصلا على شهادة جامعية ويتقن الإنجليزية. هذا الترشيح يبين إلى أي حد حظيت بالتقدير.
العربي المساري هو الذي رشحك للاشتغال في جريدة «الشرق الأوسط»، رغم أنك كنت حينها صحافيا في «العلم». ما هي هذه القصة؟
-هذا صحيح. لكن دعني أتحدث قبل الخوض في تفاصيل عملي مع «الشرق الاوسط» عن أوضاع الصحافة العربية في تلك الفترة. منذ منتصف السبعينات، وبسبب ظروف الحرب الأهلية في لبنان، والتضييق على حرية التعبير في الدول العربية، انتقل صحفيون عرب إلى أوربا، خاصة لندن و باريس. وأطلق المقتدرون منهم مشاريع صحفية ستعرف لاحقا باسم «الصحافة العربية المهاجرة». في آواخر السبعينات اعتبرت هذه الصحف ظاهرة ملفتة، بعد أن بدأت تزاحم الصحف المحلية في الدول، التي كانت تسمح بدخولها، خاصة في ظل تراجع وهج الصحافة اللبنانية والمصرية .
كان المغرب من الدول العربية القليلة التي فتحت أبوابها لهذه الصحافة. لذا أضحت أكشاك الصحف في المدن المغربية تعج بالصحافة العربية المهاجرة، وأقبل القارئ المغربي بحماس على تلك الصحف، التي نافست للمرة الأولى صحافة فرنسية حظيت دائما بالاهتمام من طرف النخبة المهيمنة على القرار السياسي والاقتصادي في المغرب، حيث ظلت تلك الصحافة فترة طويلة مصدراً تعودت النخب المغربية المفرنسة أن تستقي منه أخبار المنطقة، لأسباب لها علاقة بالظروف التاريخية لمنطقة المغرب العربي .
بادلت الصحافة العربية المهاجرة القارئ المغربي اهتماماً باهتمام، لذلك سارعت على ضوء تصاعد أرقام مبيعاتها إلى إيفاد مراسلين لتغطية الأحداث المغربية، وراح هذا الاهتمام ينمو ويتزايد بعد أن صار المغرب يلعب دورا فاعلا في قضايا المشرق العربي، وأضحى قبلة للقمم العربية الصعبة .
ولم تكتف الصحافة العربية المهاجرة بإيفاد مراسلين بين الفينة والأخرى لتغطية الأحداث المغربية، بل شرع بعضها في اعتماد مراسلين دائمين في الرباط، تحفزها في ذلك أجواء الحرية التي يعرفها المغرب مقارنة بدول عربية أخرى. حظيت الصحافة العربية المهاجرة بالاهتمام في قاعات تحرير الصحف المغربية، لأسباب مهنية ولأنها لفتت الانتباه إلى أساليب جديدة على المستوى التحريري، كما أنها في بعض الأحيان كانت مصدراً لأخبار يتعذر على الصحافة المحلية الحصول عليها.
كان المحررون في الصحف المغربية ينظرون بشيء من الغيرة إلى زملائهم في الصحف المهاجرة، الذين توفرت لهم إمكانيات عمل كبيرة. وعلى الرغم من ذلك لم يفتر حماسهم في إنتاج صحافي متميز، رغم تواضع الإمكانيات.
كان الأستاذ المساري يطلب مني، من حين لآخر، تطعيم مواد صفحة «آفاق دولية» باقتباس ما يكون مفيداً لقارئ مغربي، ربما لا يستطيع شراء الصحف والمجلات العربية المهاجرة، أو ربما لا تصل إليه، خاصة إذا كان يقطن في مناطق نائية. رحت أطلع بانتظام على تلك الصحف والمجلات.
ذات يوم، كنت رفقة المساري نتأمل عناوين المطبوعات أمام كشك الصحف، الذي يوجد قبالة مكاتب «العلم» في شارع علال بن عبد الله في الرباط، وأشار إلى صحيفة خضراء، كانت قد بدأت تصدر منذ بضعة أشهر من لندن، واستفسرني عما إذا كنت اطلعت عليها، منوهاً بالجهد التحريري المبذول في صياغة أخبارها، والواقع أني لم أكن اطلعت عليها. بعد ذلك دأبت على اقتناء «الشرق الأوسط» ووجدت فيها تميزاً غير معتاد في الصحافة العربية. كانت في تلك الفترة أقرب ما تكون إلى صحيفة تصدر من دار نشر غربية، إذ لاحظت حرصها الشديد على دقة الأخبار مع صياغة جيدة وعناوين رشيقة متميزة.
في تلك الآونة كان العالم العربي مشدوهاً بصدمة زيارة الرئيس المصري أنور السادات للقدس، لذلك ستسري تكهنات قوية مفادها أن صحيفة «الشرق الأوسط» هي صحيفة المرحلة الجديدة. مرحلة ما قبل وما بعد كامب ديفيد. ولعل ما عزز هذه الشائعة أن تناول الصحيفة لأخبار العالم العربي كان يتسم بحياد غير معتاد في الصحافة العربية. لم تقف علاقتي مع «الشرق الأوسط» عند حدود الاطلاع واختيار مقتطفات منها لنشرها في صفحة «آفاق دولية»، بل سرعان ما سيتطور الأمر إلى العمل معها مراسلا من الرباط.
في تلك الفترة من السبعينات كان المغرب غارقاً في رمال نزاع الصحراء، فأراد المساري أن ينقل وجهة نظر المغرب في هذا الموضوع للقارئ العربي، فقرر كتابة مقالات لصحيفة «الشرق الأوسط»، فنشرت تلك المقالات في صفحة الرأي. ولم تمض سوى بضعة أيام حتى تلقى المساري رسالة من جهاد الخازن، رئيس تحرير «الشرق الأوسط» آنذاك، يطلب فيها ترشيح اثنين من محرري «العلم» لمراسلة «الشرق الأوسط» من الرباط. أبلغني المساري بالاقتراح، وقال إنه قرر ترشيحي والزميل مصطفى اليزناسني لهذه المهمة، لكن اليزناسني لأسباب تتعلق به لم يتحمس للأمر، لذلك بدأت العمل مراسلا مع «الشرق الأوسط» حتى دون أن أعرف ما هي الشروط التي سأعمل بموجبها. بدأت عملي مع «الشرق الأوسط» من مكاتب «العلم». كان ذلك في ديسمبر عام 1979. كنت أرسل الأخبار بالهاتف من هاتف «العلم»، إذ لم يكن لدي هاتف في المنزل. كان الحصول على خط هاتفي أمراً يتطلب وساطات. وأتذكر أن الأخ محمد نافع، رئيس تحرير «الأنباء» التي كانت تصدرها وزارة الإعلام آنذاك، توسط لي بعد سنوات لدى امحند العنصر، وزير البريد آنذاك، لأحصل على خط هاتفي، وقد زرت العنصر مع نافع في مكتبه من أجل ذلك.
وجدت مشقة شديدة في إرسال أخباري لأن إملاء خبر أو تقرير على الزملاء في لندن، لمدة نصف ساعة بالهاتف أحياناً، كان أمرا مزعجاً. كان النظام المتبع آنذاك هو أن أطلب من إدارة البريد المغربية الرقم في لندن على أن تحتسب المكالمة على الصحيفة، وهو ما كان يسمى بالإنجليزية . Collect call
كنت أنتظر أحيانا أكثر من ثلاث ساعات، ويحدث أن تتم المكالمة، لكن لا أجد محرراً في لندن على استعداد ليكتب المادة. كان يحدث أحياناً أن موظف الهاتف في لندن يقبل المكالمة، لكن يتضح لاحقاً أنها سجلت على «العلم»، وبسبب ذلك كنت أتعرض للمساءلة، على اعتبار أني أجري مكالمات هاتفية دولية على حساب «العلم».
كانت البداية صعبة للغاية، وفي كثير من الأحيان كنت أتحمل نفقات إضافية من تنقل وتدبير صور للمواضيع. تحملت كل ذلك. وفوق ذلك كله كانت هناك مشكلة الراتب، الذي لم ينتظم إلا بعد مضي أشهر، كما لم يكن راتباً مغرياً. بدأت العمل مع «الشرق الاوسط» براتب قدره 220 جنيهاً إسترلينيا، أي حوالي 1540 درهماً بسعر صرف الإسترليني في تلك الآونة. تلك كانت ظروف البداية مع «الشرق الأوسط» .
قبل أن نتحدث عن تفاصيل تجربتك في جريدة «الشرق الأوسط»، لِنبقَ في «العلم». ما هي الأسماء الاستقلالية التي كان لها نفوذ على ما ينشر في الجريدة؟
-كان هناك بالطبع محمد بوستة، باعتباره الأمين العام لحزب الاستقلال، ومحمد الدويري، الذي كان وقتها وزيرا للتجهيز والأشغال العمومية والرجل الثاني في الحزب. كان الدويري يتصل بين الفينة والأخرى لمعرفة مضمون بعض الافتتاحيات. كما كان الدويري يأتي إلى مقر الصحيفة، خاصة في نهاية الأسبوع، ويبقى فترات، تطول أو تقصر، مع عبد الكريم غلاب في مكتبه في الصحيفة، وعادة ما أكون موجوداً، وقد تعززت علاقتي الشخصية مع الدويري أكثر حين بدأت أسجل بعض مذكراته، وأتذكر أن محمد العربي المساري ومحمد فرج الدكالي، سفير المغرب في القاهرة كانا يحضران الجلسات الأولى في منزله بحي السويسي. كان الدويري يتدخل أحياناً لحذف بعض الفقرات من افتتاحية «العلم» أو إضافة أخرى، حسب وضعية العلاقة مع الملك الراحل الحسن الثاني، وهي علاقة كانت تمر في بعض الفترات بحالات صعود وهبوط مع حزب الاستقلال، ولهذا عندما تكون العلاقة جيدة مع الملك، تكون الافتتاحية هادئة، وعندما تكون هناك أمور تشوب هذه العلاقة كانت لهجة افتتاحية «العلم» تتسم بالحدة. كان الدويري يردد دائما بأن «الديمقراطية لا يمكن أن تنجح في المغرب دون توافق بين المؤسسة الملكية وأحزاب الحركة الوطنية». كان يروق للدويري أن تكون افتتاحيات «العلم» شديدة اللهجة في انتقاد الأوضاع بالبلاد عكس قياديين استقلاليين آخرين.
وماذا عن امحمد بوستة؟
- كان سي بوستة يأتي كثيراً إلى «العلم»، وكان يطلب أحياناً إبراز بعض الأخبار. ومن القياديين الذين كانوا يترددون على مقر الصحيفة كذلك عبد الحفيظ القادري وأبوبكر القادري والهاشمي الفيلالي وعبدالحق التازي.
وكيف كانت علاقة عباس الفاسي بالجريدة في تلك الفترة؟
- لم يكن عباس الفاسي في ذلك الوقت من القياديين البارزين. شخصياً لم يسبق لي أن رأيته في مقر الصحيفة.
هل صحيح أن الدويري طلب منك يوما ما ألا تغطي نشاطا قام به الوزير عز الدين العراقي؟
- نعم، هذه واقعة صحيحة. أتذكر في هذا السياق أني ذهبت، بطلب من عبد الكريم غلاب، مع عز الدين العراقي إلى القنيطرة، وكان آنذاك وزيرا للتعليم، من أجل تغطية نشاط حزبي، وبعد ذلك ببضعة أيام كلفت من طرف غلاب أيضا بمرافقة عز الدين العراقي لتغطية نشاط آخر في مدينة أخرى لم أعد أتذكرها، ففوجئت بالدويري يتصل بي ويطلب مني ألا أذهب مع الوزير العراقي وألا أهتم بأخباره. لم أفهم لماذا كان الدويري ضد نشر أخبار عز الدين العراقي في «العلم» إلا في عام 1983 عندما قرر وزراء حزب الاستقلال الخروج من الحكومة احتجاجا على «تزوير» الانتخابات، فيما فضل عز الدين العراقي أن يظل وزيرا في الحكومة رافضا الانسحاب منها، ثم ما لبث أن قدم استقالته من اللجنة التنفيذية للحزب ليصبح في ما بعد وزيرا أول. مرت سنوات والتقيت بالدويري، وكنت وقتها مراسل «الشرق الأوسط»، فاستفسرته عن هذه الواقعة، وفهمت أنه كان يعرف أن عز الدين العراقي أصبح يقترب أكثر من القصر، وأنه حتماً سيتخلى عن حزب الاستقلال. وظلت هذه الواقعة في النطاق الذي أشرت إليه ولم أتحدث عنها مع أي شخص في الصحيفة.
هل علمت يوما ما أن بعض المقالات المنشورة في «العلم» أغضبت الراحل الحسن الثاني؟
ليست لدي معلومات في هذا الشأن. لا أستطيع أن أزعم أو أدعي شيئا في هذا المجال.
هل كان الاستقلاليون يتحفظون في حضورك أثناء الحديث عن شؤون حزبهم داخل الجريدة؟
-أستطيع القول أني كنت أحظى بثقة القياديين الاستقلاليين. كان امحمد بوستة، الأمين العام للحزب، يثق فيّ كثيراً بسبب واقعة سأتحدث عنها لاحقا. أسجل للاستقلاليين في تلك الفترة أنه كانت لهم رؤية منفتحة في التعامل مع غير المنتمين لحزبهم، إذ لم يكن يعبرون عن أي ضيق أو انزعاج، على الرغم من أني لا أنتمي لحزبهم لسبب بسيط لأني لست مغربيا. كانوا يعتبرون وجود سوداني في صحيفتهم مؤشرا على انفتاحهم.
ألم تلاحظ، وأنت محرر في «العلم»، أن هناك تيارات تخترق القياديين الاستقلاليين؟
- يصعب أن نتحدث عن وجود تيارات داخل حزب الاستقلال بالمعنى المتعارف عليه وسط الأحزاب الأخرى، لكن كان واضحاً وجود بعض التباعد، في بعض الأحيان، بين امحمد بوستة وامحمد الدويري، ولا أدري سبب ذلك التباعد، الذي كان يدار بطريقة ناعمة، لكن المؤكد أن الدويري كانت له طموحات في خلافة بوستة على قيادة الحزب. كان الدويري يرتاح إلى عبد الكريم غلاب، وسمعت ذلك منه مباشرة، أما العربي المساري فكان يحظى بثقة امحمد بوستة، في حين كان عبد الحفيظ القادري له نفوذ داخل الحزب قبل أن يقرر الاعتكاف في منزله.
على ذكر عبد الحفيظ القادري، لماذا قدم استقالته من الحزب غاضبا على قيادته؟
- كان عبد الحفيظ القادري تكنوقراطيا، وكانت له سمعة طيبة داخل وخارج الحزب. كانت آراؤه وأفكاره تحظى بتقدير من طرف أعضاء الحزب. هكذا بدت لي الأمور وقتها. ويسجل للقادري أنه كان الوزير الاستقلالي الوحيد الذي أعترض على إعتقال
الزعيم الاتحادي عبد الرحيم بوعبيد في سبتمبر عام 1981 ومحاكمته وسجنه في ميسور، عندما أصدر الاتحاد الاشتراكي بيانه الشهير، الذي يدعو إلى استفتاء الشعب المغربي حول قبول أو رفض فكرة الاستفتاء في الصحراء.
وماذا كان رأي عبد الحفيظ القادري في قضية اعتقال عبد الرحيم بوعبيد؟
- لم يتقبل القادري أن يعتقل عبد الرحيم بوعبيد، لأن الأمر، في نظره، لا يتعلق بشخص عادي وإنما بزعيم وطني شارك في معركة استقلال المغرب. وسمعت بنفسي القادري يقول باستياء شديد: «اللهم إن هذا منكر». والرواية التي سمعتها وقتها من أحد أعضاء ديوانه في وزارة الشبيبة والرياضة أن الملك الحسن الثاني عقد اجتماعاً للوزراء، وأبلغهم بالبيان الذي أصدره الاتحاد الاشتراكي حول موضوع الاستفتاء، وقال إنه قرر اعتقال بوعبيد ومحاكمته، وطلب منهم رأيهم.
كان الوحيد الذي اعترض على اعتقال بوعبيد هو عبد الحفيظ القادري. وفي اليوم الذي حدثت فيه تلك الواقعة، عاد القادري إلى مقر الوزارة، وهو مقر المحكمة الإدارية حالياً، وأبلغ أعضاء ديوانه بأن يستعدوا لمغادرة الوزارة، وقال لهم إن الملك الحسن الثاني لن يتركه في الحكومة، وهو ما حدث بالفعل مع أول تعديل حكومي تم في نوفمبر 1981، حيث ترك القادري موقعه وعين بدلاً عنه عبد الواحد بلقزيز وزيراً للإعلام والشبيبة والرياضة، ثم تولى القادري فترة قصيرة منصب سفير المغرب في مدريد، وتوارى بعد ذلك في الظل حتى يوم الناس هذا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.