لا شيء يخبرك بالوصول إلى قرية «مير اللفت» غير الحاجز الأمني الذي أقامه الدرك الملكي عند مدخلها، ومنظر مجموعة من الشباب الذين يلوحون بمفاتيح بعض الغرف والبيوت المعروضة للكراء في وجه زوار القرية، التي تبدو كبنت بريئة اختارت وضع قدميها في مياه المحيط الأطلسي ورأسها عند مرتفعات مقدمة الأطلس الصغير، قرية أخذت من البحر رطوبته ومن الجبل نقاءه ومن الصحراء جفافها، فكانت بذلك خلطة سحرية لعشاق الهدوء على الشواطئ الجنوبية للمملكة، فالعديد ممن زاروها من الأجانب سقطوا منذ اليوم الأول في غرامها، فأصبحوا مقيمين بعد أن جاؤوا عابرين، تلكم قصة قرية اسمها «مير اللفت». اللواء الأزرق يرفرف على شاطئ «مير اللفت» الجميل مازال العلم الأزرق يرفرف للسنة الثالثة على التوالي، والتساؤل الذي يطرح نفسه على كل زائر لهذه القرية هو كيف استطاع شاطئها الفوز باللواء الأزرق في الوقت الذي ما تزال الأزبال المنزلية متراكمة في جل أزقتها؟ وكيف عجز المجلس القروي عن تدبير بضعة أطنان من الأزبال التي لا تتجاوز كونها نفايات منزلية، لأن القرية ما زالت تستعمل أسلوبا بدائيا في نقل النفايات عن طريق العربات المجرورة بالدواب، كما تعاني من غياب مكان لإفراغ «مطامير» المياه العادمة واحتكار تفريغها من طرف أشخاص بأسلوب بدائي( الجرار) مع أداء أثمان مرتفعة، الأمر الذي أثار مخاوف السكان بخصوص تأثير ذلك على الصحة والبيئة خاصة حي «تييرت» ودوار تبلكوكت من جراء التأثيرات السلبية للمطرح الذي تنبعث منه روائح كريهة كانت سببا في احتجاجات متواصلة لسكان هذا الدوار. أزبال القرية والروائح السياسية من الأمور التي تثير الزائر إلى «مير اللفت» منظر الأزبال المتراكمة في العديد من طرقاتها الضيقة وعندما تساءلنا عن أسباب هذه الظاهرة تطلعنا العديد من التصريحات على أن هناك خلافا بين الرئيس وجمعيات المجتمع المدني وبعض السكان الذين أقدموا في يوم من الأيام على رمي أزبال البيوت أمام مقر الجماعة، احتجاجا على الرئيس، واتهموه حينها بعدم القيام بالواجب فيما يخص توفير الإمكانيات اللازمة، لكن الرئيس يقول من جانبه إن الإشكال الحقيقي يكمن في الجدل الذي أثير حول المطرح الجماعي والاحتجاجات التي عرقلت جهود النظافة بالقرية، مؤكدا في الآن نفسه أن هناك مشروعا لتهيئة هذا المطرح بالشكل الذي يمكنه من استئناف العمل به في أحسن الظروف. وطالب السكان، في الشكايات التي وجهوها إلى عامل الإقليم، برفع الضرر الناتج عن «الروائح الكريهة والملوثة المنبعثة من المطرح الجماعي المتواجد بالقرب من دوارنا»، وأضافوا في الشكاية الموقعة باسم رئيس جمعية تبلكوكت للتنمية والتعاون، وتحمل 29 توقيعا - حصلت «المساء» على نسخ منها-، أن المطرح المذكور «يتسبب في اختناق ساكنة الدوار وخصوصا من الأطفال والشيوخ والنساء، كما يهدد بحدوث كارثة بيئية وشيكة». ونتيجة لتجاهل الشكايات الشفوية والكتابية للمتضررين، فقد عمدت بعض نساء المنطقة، في الأيام الماضية، إلى إرغام أصحاب العربات على التوجه إلى مقر الجماعة القروية، ورمي الأزبال أمام بوابتها الرئيسية، بهدف لفت الأنظار وتحسيس المسؤولين المحليين والإقليميين بضرورة التدخل العاجل والوفاء بالوعود المعسولة التي قطعوها على أنفسهم منذ مدة طويلة، والقاضية بتحويل المطرح المذكور إلى منطقة مناسبة للجميع، وكانت نساء منطقة «تبلكوكت» قد اعترضن، في السنة الماضية، سبيل عامل إقليمتيزنيت (قبل تقسيم العمالة) أثناء توجهه للاحتفال بالذكرى الأربعين لتحرير مدينة سيدي إفني، فوعدهن آنذاك بالجلوس إلى طاولة الحوار، وبحث سبل المعالجة الميدانية للإشكال، لكن الحوار المذكور لم يسفر عن أية نتيجة مرضية للمتضررين بسبب غياب البدائل المناسبة لإقامة مطرح جماعي يستجيب لحاجيات الجماعة المتنامية. تحويل المطرح غير وارد وتعليقا على وضعية الأزبال المتراكمة بقرية ميراللفت، أكد أحمد بواكو، رئيس الجماعة، أن قرار تحويل المطرح الجماعي الحالي «غير وارد بالنسبة لنا كجماعة على الإطلاق»، وأضاف، في لقاء مع «المساء»، أن «الدورة الاستثنائية للمجلس الجماعي أقرت الإبقاء على نفس المطرح الحالي، على اعتبار أن الموقع الحالي تمت تزكيته من طرف هيئات متخصصة في البيئة، التي أكدت أن الموقع المذكور يعتبر أحسن موقع يتواجد حاليا بالمنطقة»، واستطرد قائلا بأن «مشكل الأزبال تم تسييسه إلى أبعد الحدود، والجماعة لا تتوفر على اعتمادات مالية كافية لشراء الشاحنات، لذلك، علينا أن نكون حذرين في التعامل مع هذا الموقف الطارئ بالمنطقة». وبخصوص اعتماد جماعة ميراللفت، ذات الصيت العالمي، على عربات بدائية لنقل نفايات المنطقة، أوضح المسؤول الجماعي أن «تجربة العربات استحسنتها عدة منظمات عالمية»، ومشيرا إلى أن الجماعة عقدت شراكات مع جامعة محمد الخامس وجامعة ابن زهر والحوض المائي لسوس ماسة درعة بهدف القيام بالدراسات اللازمة حول المطرح الجماعي، ونحن – يضيف المتحدث- بصدد انتظار نتائج الدراسات، ومصادقة كافة الفرقاء الاجتماعيين على مقرراتها، كما لا زلنا ننتظر المصادقة على المشاريع المقدمة في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، بهدف تسوير المطرح الحالي واقتناء شاحنة جماعية لنقل النفايات. وجهة سياحية فقيرة لم تشفع الشهرة العالمية لهذه القرية الوديعة في جلب بعض المشاريع إليها من أجل إخراجها من حالة الإهمال الذي جعلها لا تزال وجهة سياحية بإمكانيات فقيرة جدا، وظروف غير مشجعة للسياحة الداخلية والخارجية بسبب ما يراه بعض الفاعلين الجمعويين الذين التقتهم «المساء» قلة في المرافق السياحية التي بإمكانها جذب السياح، خاصة الأجانب منهم، فضلا عن غياب أماكن الترفيه بمواصفات الجودة المطلوبة، كما أن الأثمنة المرتفعة لكراء بعض الشقق تحول دون جلب السياح المغاربة الذين غالبا ما تستهويهم المنطقة بهوائها الآسوري النقي، إلا أن غلاء أثمنة الكراء تجعلهم يغيرون الوجهة ويكتفون في غالب الأحيان بقضاء سحابة يومهم في المنطقة والمغادرة مساء. كانت هذه العبارة هي خلاصة حديثنا مع قائد الدرك الملكي بقرية مير اللفت الذي أكد أن القرية لا توجد بها مشاكل أمنية، فأهلها مسالمون وليس فيها كثير من الدخلاء الذين يتوقع أن يكونوا مصدرا للقلاقل، مشددا على أن الوضع مسيطر عليه، وعندما ألححنا عليه في السؤال حول أهم الحوادث التي تقع بالمنطقة أجاب بأنه من حين لآخر يتم ضبط بعض الأشخاص المعدودين على رؤوس الأصابع المرتبطين بالمخدرات إما استهلاكا أو ترويجا. القرية تنمو في كل اتجاه أجمع بعض الفاعلين الجمعويين ممن التقت بهم «المساء» على أن هناك مشاكل على مستوى التعمير ولمحوا إلى بعض الفضائح التي تم تسجيلها في هذا الصدد والتي لم يقدموا عليها أي دليل لأنها لا تزال طي الكتمان، رغم أنها أصبحت حديث الخاص والعام داخل الإقليم وخارجه. فالقرية تفتقر إلى تصميم التهيئة، كما تفتقر إلى استراتيجية واضحة المعالم في مجال التعمير، خاصة وأن القرية تروج نفسها على أنها وجهة سياحية عالمية. فضلا عن غياب رخص البناء والتي تحوم حولها العديد من الشبهات التي يتداولها سكان القرية والمتعلقة بالبيروقراطية الإدارية المعمول بها عادة في توزيع الشواهد الإدارية ورخص البناء. كما أشارت بعض المصادر إلى أن هناك احتلالات للملك البحري، خاصة ما يتعلق بودادية «إمي نتركا». طبيب واحد لأزيد من سبعة آلاف نسمة المركز الصحي الوحيد بالمنطقة يعاني من نقص كبير في الموارد البشرية، حيث لا يتوفر حاليا إلا على طبيب واحد فقط لما يزيد على سبعة آلاف نسمة، وأربعة آلاف نسمة إضافية خلال فترة الصيف، التي تعرف إقبالا منقطع النظير على المنطقة، فيما يصل عدد الحالات التي يتم فحصها في اليوم الواحد إلى 50 حالة في الحالات العادية، دون احتساب الفحوصات والحالات المستعجلة التي يتم فحصها خلال الليل، ولم تجد الأصوات الداعية إلى تعيين طبيب آخر بالمستوصف القروي آذانا صاغية لدى وزارة الصحة التي ترفض لحد الآن الاستجابة لهذا المطلب الملح بالمنطقة، رغم الإعلان عن وجود منصب طبي شاغر بالمنطقة المعروفة بتنامي حاجياتها الصحية المختلفة.