يعد حدث استرجاع إقليم وادي الذهب, الذي يخلد الشعب المغربي هذه السنة ذكراه ال31, مناسبة بارزة للتأكيد مجددا على إجماع الأمة تحت قيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس على تثبيت مكاسب الوحدة الترابية للمملكة والسيادة الوطنية, في سياق يطبعه تزايد التأييد الدولي لمشروع الحكم الذاتي, الذي اقترحه المغرب كشكل ديمقراطي راقي وحضاري, لإخراج قضية الصحراء من النفق الذي دخلت فيه لمدة تزيد عن ثلاثة عقود. وترتسم هذه الذكرى المجيدة, صفحة مشرقة في كتاب تاريخ النضال الوطني الذي خاضه المغاربة في ملحمة تحقيق الوحدة بقيادة العرش العلوي المجاهد, متوخية إبراز قيم الروح الوطنية التي تنطق بها ملاحم المغرب, دفاعا عن مقدساته الدينية والوطنية, وإذكاء شعور المواطنة والتعبئة, واستلهام هذه القيم في المسيرات الخالدة للمغرب الجديد, صيانة لوحدته, وإعلاء لصروحه في مختلف الميادين والمجالات. وباستحضار تلك الصور الرائعة التي سجلها أبناء وادي الذهب, حينما قدموا ليجددوا البيعة لجلالة المغفور له الملك الحسن الثاني في القصر الملكي العامر بالرباط, تستعيد الذاكرة الجماعية فصولا مضيئة من مسيرة بطولية, أفضت إلى استكمال الوحدة الترابية في الأقاليم الجنوبية للبلاد, بدءا باسترجاع طرفاية سنة 1958, وسيدي إيفني سنة 1969, ثم الساقية الحمراء, بفضل المسيرة الخضراء التي أبدعها الملك الراحل الحسن الثاني. ففي يوم 14 غشت 1979, وفد على الرباط عاصمة المملكة, ممثلو وعلماء وأعيان وشيوخ سائر قبائل إقليم وادي الذهب لتجديد وتأكيد بيعتهم لأمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين, معبرين عن تعلقهم بأهداب العرش العلوي المجيد, وولائهم وإخلاصهم على هدي آبائهم وأجدادهم, واصلين الماضي بالحاضر, مؤكدين تمسكهم بمغربيتهم وتشبثهم بالوحدة الترابية للمغرب, محبطين مخططات ومناورات الخصوم. وقد ألقى وفد مدينة الداخلةوإقليم وادي الذهب بين يدي جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني, طيب الله مثواه, نص البيعة, معلنين ارتباطهم الوثيق والتحامهم الدائم بوطنهم المغرب. وكانت بحق لحظة تاريخية كبرى في ملحمة الوحدة, التي حمل مشعلها بعزيمة وإيمان مبدع المسيرة الخضراء المشمول بعفو الله جلالة المغفور له الحسن الثاني, قدس الله روحه, عندما خاطب رعاياه أبناء هذه الربوع قائلا "إننا قد تلقينا منكم اليوم البيعة, وسوف نرعاها ونحتضنها كأثمن وأغلى وديعة, فمنذ اليوم بيعتنا في أعناقكم, ومنذ اليوم من واجباتنا الذود عن سلامتكم والحفاظ على أمنكم والسعي دوما إلى إسعادكم, وإننا لنشكر الله سبحانه وتعالى أغلى شكر وأغزر حمد على أن أتم نعمته علينا, فألحق الجنوب بالشمال ووصل الرحم وربط الأواصر". ومما زاد من قيمة هذا اللقاء التاريخي ودلالاته, قيام جلالته رحمة الله عليه, بتوزيع السلاح على وفود القبائل, في إشارة رمزية إلى استمرار الكفاح من أجل الدفاع عن الوحدة الترابية واستتباب الأمن والأمان بالأقاليم المسترجعة. وما تكاد تمر إلا بضعة أشهر, حتى يتحقق اللقاء مجددا بين مبدع المسيرة الخضراء وأبناء إقليم وادي الذهب, الذي حل به في زيارة رسمية بمناسبة احتفالات عيد العرش المجيد, حيث تجددت أواصر العروة الوثقى ومظاهر الارتباط القوي بين العرش العلوي المنيف وأبناء هذه الربوع من تراب المملكة, هذا الارتباط الذي أحبط كل مناورات خصوم الوحدة الترابية للمملكة وأعدائها, فسار المغرب في طريق الارتقاء بأقاليمه الجنوبية وإدماجها في المجهود الوطني للتنمية الشاملة والمستدامة, مدافعا عن وحدته ومبرزا للعالم أجمع مشروعية حقوقه وإجماع الشعب المغربي على صيانتها والذود عنها بالغالي والنفيس. وقد واصل باني المغرب الجديد صاحب الجلالة الملك محمد السادس حمل مشعل الدفاع عن وحدة التراب الوطني, موليا جلالته عنايته القصوى للأقاليم المسترجعة, ورعايته الشاملة لأبنائها وتعزيز الأواصر والتعبئة الوطنية لمواجهة كل مؤامرات خصوم الوحدة الترابية, مجسدا حكمة المغرب وتبصره وإرادته في صيانة حقوقه الراسخة. وهكذا أكد جلالته في خطاب العرش يوم 30 يوليوز 2010 أن "ترسيخ مكانة المغرب, وإشعاعه الجهوي والدولي, يقتضي تعميق التكامل بين السياستين الداخلية والخارجية, ومواصلة انتهاج دبلوماسية فعالة, لتمتين انفتاح بلادنا على محيطها, خدمة لمصالحها العليا". وأضاف جلالته "وإذ نعتبر الاندماج المغاربي تطلعا شعبيا عميقا, وضرورة استراتيجية وأمنية ملحة, وحتمية اقتصادية, يفرضها عصر التكتلات, فإننا حريصون على مواصلة التشاور والتنسيق, لتعميق علاقاتنا الثنائية مع الدول المغاربية الشقيقة. وذلك في انتظار أن تتخلى الجزائر, عن معاكسة منطق التاريخ والجغرافيا والمشروعية, بشأن قضية الصحراء المغربية, وعن التمادي في مناوراتها اليائسة, لنسف الدينامية, التي أطلقتها مبادرتنا للحكم الذاتي لأقاليمنا الجنوبية". وقال جلالة الملك إن "هذه المبادرة المقدامة التي تظل مقترحا واقعيا, يتسم بروح الابتكار والتوافق, لإيجاد حل نهائي لهذا النزاع الإقليمي, في نطاق منظمة الأممالمتحدة, مؤكدين استعداد المغرب, لمواصلة دعم جهود المنظمة الأممية, وأمينها العام, ومبعوثه الشخصي", مؤكدا أن "المغرب سيظل مدافعا عن سيادته, ووحدته الوطنية والترابية, ولن يفرط في شبر من صحرائه". وإذا كانت هذه المحطة التاريخية, في جوانب منها, ذكرى استحضار لروابط البيعة المتجذرة والمتجددة للعرش العلوي المجيد, فهي أيضا مناسبة للوقوف على أوراش البناء والنماء التي حظي بها إقليم وادي الذهب خصوصا, وجهة وادي الذهب الكويرة عموما, واستشراف آفاق المستقبل لمزيد من التنمية الاقتصادية والاجتماعية, وتثبيت الحقوق التاريخية في اتجاه تكريس وترسيخ الوحدة. ومنذ استرجاعه, عرف إقليم وادي الذهب الذي كرسه التقسيم الإداري الأخير كجهة اقتصادية, مسيرة تنموية شملت مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية, ساهمت في إنجازها مختلف القطاعات والمؤسسات العمومية والمجالس المنتخبة والفاعلين المحليين, وفق مقاربة ترتكز على تدعيم البنيات والتجهيزات الأساسية وتنمية الأنشطة المنتجة.