مع اقتراب شهر رمضان، يعود إلى الواجهة النقاشُ التلفزيُّ القديم /الجديد حول «الاختيارات» البرامجية للتلفزيون العمومي، خلال هذا الشهر، وما يتّصل بها من نقاشات جانبية مرتبطة بعملية الانتقاء وبانتظارات الجمهور و«لعبة» الإشهار.. خلال السنوات القليلة الماضية، لم تنْجُ الاختيارات الرمضانية للقناتين من سهام النقد، الذي وصل إلى حد المطالبة بمقاطعة مشاهدة التلفزيون، ولو لساعة واحدة في اليوم، كما دعت إلى ذلك، مؤخرا، الجمعيةُ المغربية لحقوق المُشاهد. وفي كل مرة، كان التلفزيون يحاول، «خلسة»، الرد على هذه الانتقادات، بطريقة أو بأخرى، وغالبا ب«أخرى»، متجنبا عقد ندوات صحافية، لتبرير اختياراته. فإلى أي درجة ستتم هذه السنة الاستفادة من «دروس» الماضي؟!... في رمضان 2010، يلاحظ الإبقاء، نسبيا، على نفس التوجه البرامجي والمتمثل في المراهنة -من جديد- على الفكاهة في «البرايم تايم». قراءة لا يتفق معها نوفل الرغاي، المدير المركزي للاستراتيجية والماركوتينغ والتواصل في الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، والذي يقول: «إن برامج «البرايم تايم» لرمضان محكومة بضرورة توفير منتوج تلفزي يجمع كل العائلة، لأنه في هذا الشهر تتحول الفرجة إلى فرجة جماعية. وبما أن الجمهور المغربي ليس على هوية نمطية واحدة، فإننا حاولنا هذه السنة -ما أمكن- أن نقدم منتوجا تلفزيونيا مشترَكا بين كل أفراد الأسرة، على اختلاف أعمارهم وأجناسهم، من جهة، وبين كل أنواع الأسر على اختلاف انتماءاتها السوسيو ثقافية، ومن جهة ثانية، يجمع بين المواقف الطريقة والمضامين الهادفة، بعيدا عن الفكاهة المبتذَلة، وفي نفس الوقت عن الضحك النخبوي».. وأضاف الرغاي أنه «ليست كل البرامج التي ستُبثّ خلال «البرايم تايم»، أي قبل وبعد الإفطار، فكاهية بالضرورة، بل منها ما هو استثمار للموروث الثقافي المغربي، مثل «جحا يا جحا» و«الحْرّازْ» و«دار الورثة»، وعياً منا بأن الفكاهة الصرفة التي لا تبنى على القواسم المشترَكة للجمهور المغربي، وهي موروثه الثقافي والحضاري، لا يمكن أن تحقق الإجماعَ لدى كل أصناف هدا الجمهور»... وبخصوص طريقة انتقاء الأعمال المبرمَجة واحتمال أن تكون مجرد ترضية خواطر لبعض المنتجين، أكد الرغاي أن هذه السلسلات كانت «نتيجة إجراء عملي مؤسساتي داخل القناة وليس مجرد تقييم ذاتي انطباعي. وفي هذا الإطار، يتابع الرغاي: «اشتغلنا مع مكتب دراسات متخصص في استطلاع الآراء لتقييم كل البرامج المرشَّحة، من كل الجوانب الفنية والتقنية، اعتمادا على عيِّنات ممثِّلة للجمهور المغربي، فوقع الاختيار على الأجود.. وليس ما لم يتم اختياره عملا سيئا بالضرورة، بل فقط لا يتلاءم وتقييمَ السنوات الماضية، من جهة، والانتظارات التي عبَّر عنها المُشاهِد من خلال دراسات ميدانية قمنا بها، من جهة ثانية». من جهة أخرى، فرمضان هذه السنة يأتي في ظرفية تتّسِم بالأزمة التي يعرفها سوق الإشهار والتي أثرت على المداخيل الإشهارية للقنوات التلفزية، وبالتالي يسود التخوف من احتمال إصابة المُشاهد ب«تخمة» فرجوية على مستوى الوصلات الإشهارية، بغية تدارك نقص المداخيل خلال الشهور الماضية، على اعتبار أن رمضان يشكل لحظة إشهارية استثنائية. مبدئيا، القناتان مرتبطتان بدفتر تحملات صاغته الحكومة وصادقت عليه «الهاكا»، ينص على ألا يتجاوز إجمالي المدة الزمنية المخصَّصة للوصلات الإشهارية 18 دقيقة في الساعة الواحدة، خلال شهر رمضان، وهي «الكوطا» التي يقول عنها الرغاي «إن القناة الأولى كانت دائما تحترمها، بناء على التقارير التي تنجزها «الهاكا»، إذ لم يُسجَّل أي تجاوز على هذا المستوى، باستثناء سنة 2007، التي سجلت تجاوزا للكوطا المحدَّدة ببضعة ثوان، ثم لا يجب أن ننسى أن القناة الأولى هي قناة عمومية لا تشتغل بمنطق خصوصي صرف. كما أن منطق الإشهار مؤطَّر بضوابطَ تدخل في إطار احترام الجمهور، إذ إننا لا نعمَد، مثلا، إلى قطع برنامج معين بوصلات إشهارية كثيرة بينها فواصل زمنية قصيرة، كما تفعل بعض القنوات العربية، بل نعمل على تجميع الإشهار في وصلات من ست دقائق تُجنِّب الجمهور هذا التقطيع المتتالي والمتكرر للبرنامج الواحد بفواصل إشهارية متعددة»...