دخل «الفقيهان»، إلى محلّ تجاري ضخم عبارة عن بازار لبيع جميع منتوجات الصناعة التقليدية واستفسرا المستخدمين عن صاحبه، الذي كان داخل مكتب زجاجي منهمكا في عمل ما يبدو من خلال حركاته واستخدام آلة حاسبة أنه كان بصدد إنجاز عمليات حسابية مهمة، وكان أحيانا يقوم ليفتح صندوقا حديديا خلفه ويرتب فيه حزمات من الأوراق المالية. دقّ أحد الشبان المستخدمين باب المكتب ثم فتحه بلطف بعد أن أذن له سيده، وهمس بصوت خافت «شخصان يرغبان في لقائك ويبدو عليهما الهيبة والوقار...». أومأ صاحب البازار بالإيجاب ودعاهما إلى الدخول بعد أن أحكم إغلاق الصندوق الحديدي ووضع دفتر الحسابات في درج المكتب. بادر «الفقيهان» صاحب المحل بتحية إسلامية وقدما نفسيهما وموضوع زيارتهما «السلام عليك ورحمة الله وبركاته يا أخي سعيد م، وأسعدك الله برزق وهبه الله لك ولزوجتك الصالحة هناء ولأطفالك الأربعة، سمير وسميحة ونبيل وجوهرة...». لم يستوعب سعيد كيف تمكن هذان الشخصان من معرفة كلّ هذه المعلومات عنه وعن أسرته وزوجته، ومن أي مصدر حصلا عليها، قبل أن تزداد حيرته وتتحول إلى صدمة لن يستفيق منها مباشرة بعد إخباره بالنبأ العظيم. «نحن فقيهان اختصاصنا استخراج الكنوز وقدمنا من سوس من أجل هدف واحد لا غير حددته الكتابات ونتائج البحث بعد الاستنزال، وتوظيف علم الكنوز ومساءلة «الدمياطي»، وتبين أن ضيعتك الموجودة بطريق صفرو تضم في جوفها ما لا يقدر بقيمة. هدفنا واحد لا ثاني له هو إخراج هذا الكنز الذي يقدر بالملايير، وحددت الكتب نصيبنا في مبلغ زهيد تحتاجه مستلزمات ومتطلبات الطقوس والمواد الأساسية فقط، التي من الضروري استقدامها من سوس». انتصب سعيد أمام مخاطبيه بعد قيامهما من مكانيهما وعزما على مغادرة المكان وتحجرت عيناه وفغر فمه وعجز عن الكلام ولم يستطع ردّ تحية الوداع على الفقيهين اللذين ناولاه ورقة عليها تاريخ وساعة الموعد بأحد الأضرحة بمدينة فاس العتيقة. قضى سعيد ليلة بيضاء يغمره إحساس بالخوف والقلق لم يدر مصدرهما، لكنه احتفظ بالسر، وترك ذلك للقدر الذي ابتسم له، متأكدا أن ما حصل له حظ وسعد، بحكم أن فقهاء سوس مشهورون وحدهم باكتشاف الكنوز وتحديد أمكنتها واستخراجها، واستنزالهم دلهم عليه بالاسم والحرف والعنوان والمكان، وإلا كيف تمكنوا من ذلك؟ وصل سعيد إلى المكان المعلوم ساعة قبل صاحبيه اللذين قدما مرفوقين بخمسة آخرين ودخل الجميع في حديث هادئ اصطبغ بعلم لم يسمعه من قبل تخللته آيات حول الجن وقراءات مبهمة قبل أن يستخرج كبيرهم كتابا متآكلا صفحاته تحتوى على جداول وشبكات داخل مربعاتها حروف وأرقام...«هؤلاء مساعدون لنا فهم «زوهريون» ووحدهم من يملكون المفتاح لفتح تلك الكنوز وعليه وجب استحضار المواد اللازمة للطقوس من سوس قدر ثمنها ب90 مليون سنتيم....». لم يتوان سعيد عن توفير المبلغ نقدا في اليوم الموالي ودون مناقشة. هيأ مستخرجو الكنوز خوابي أودعوها بالمزرعة في مشهد غريب وطقوس لم يشهدها سعيد من قبل تميزت باللف والدوران وقفزات حول مكان وبخور متصاعد دخانه إلى الأعلى وقراءات مبهمة ونداءات على أسماء غريبة. حفروا حفرة في المكان المحدد ودفنوا فيها الخوابي السبع فارغة على أساس أن يصعد الجن بالكنوز ويملؤون بها الخوابي، ثم طلبوا من سعيد تسليمهم مبلغ 30 مليون سنتيم ثمن المفاتيح السبعة، فما كان منه إلا أن سلمهم ثلاثة شيكات بالمبلغ المطلوب واختفوا بعد ذلك عن الأنظار دون أن يتمكنوا من صرفها... بعد عودته إلى مكان الخوابي قام بفتحها فلم يعثر في قعرها سوى على فراغ قاتل كاد يتسبب له في سكتة قلبية، فيهرع إلى مصالح الشرطة القضاية بمركز الأمن بفاس وسجل شكاية ضد المحتالين «مستخرجي الكنوز» الذين أوهموه بأنهم عثروا على اسمه في الكتب السحرية الهاروتية والماروتية ولم يفكر أبدا أنهم استقوا المعلومات من أحد مستخدميه وأحد معارفه بعد أن ادعوا أنهم قدموا من أوروبا وهم بصدد البحث عن تاجر نزيه وصادق يتعاملون معه. تمكن الضحية بعد سنة كاملة من اقتفاء أثر المحتالين ومعرفة مكانهم بتاوريرت، فتقدم بشكاية في الموضوع للشرطة القضائية، التي ألقت القبض على متهمين اثنين ذوي سوابق عدلية في النصب والاحتيال. وبعد أن اعترفا بالمنسوب إليهما تم العثور بحوزتهما على الشيكات الثلاثة وتمت إحالتهما على العدالة، فيما ألقي القبض على الخمسة الآخرين بعد أيام من ذلك.