سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مفتاح: «كنت ألاكم في الحلقة مقابل 50 فرنكا فكُسِر أنفي في إحدى المرات وتسلمت 20 ريالا كتعويض»!.. كان «الكوبْ» و«الشورطْ الكْبير» يدلان على أننا أبناء الكاريان..
بين الأزقة الفقيرة لدرب الحي المحمدي تنبعث الذكريات الفنية التي أرخت للزمن الغيواني الأصيل، بين حي الكدية والسعادة، عاشت مواهب تعشق أن تعلن الانتماء إلى هذا الحي الشعبي. بين براريك كاريان سانطرال، تعايشت أحلام المقاومة في إعلان مغرب جديد انطلق من الحي المحمدي. من هنا مر بوجميع، باطما، عمر السيد، محمد مفتاح، عائشة ساجد، العربي الزاولي، الغزواني، خليفة، بوؤسا، عشيق... كل أعلن عن عشقه الخاص للحي، وهذه شهادات لأناس أحبهم المغاربة عبروا عن بعض حبهم للحي المحمدي... في الطفولة مأساة وشغب وأحداث في الحي المحمدي، يقول عنها محمد مفتاح، في نبش لذكريات هذا الحي الفقير: «أتذكر أشخاصا في أواخر الستينيات، اشتغلوا على فن الحلقة، وأتذكر من «الحْلايقية» ولد قْرّد، خليفة وبِّيجيخ.. كان هذا الأخير ينشط الحلقة بمقابَلات في الملاكمة في ساحة «سوق الكلب»، مقابل 2 فرانك من كل واحد يتابع الحلقة، ومن أجل المشاركة تعطي 5 فرانك وتُمنَح للرابح 50 فرنكا، ويكون القفاز (الليكة) مملوءة ب«الخنشي»، وأتذكر أن «بِّيجيخ» كان يحصد فرنكات من مشاركتي، بحكم أن هيأتي كانت قوية مقارنة مع بعض المشاركين.. وفي إحدى المرات، بدأت المقابلة ولم أدرِ كيف تلقيت ضربة قوية و«رأيت بسببها النجوم» وسقطت أرضاً، ولما رأى بِّيجيخْ الدم، فزع للغاية، لأن أنفي كُسِر، ولهذا قام بإعطائي «صوصيص» و20 ريالا.. في الغد، انتفخ وجهي وبدأت أشعر بالصداع وبقيتْ آثار الدم في أنفي.. عمدت إلى إخفاء الأمر عن العائلة: كنت أدخل المنزل ليلا وأغادره في الصباح الباكر، كي لا يلاحظ أحد معالم الضرب»... ويواصل محمد مفتاح النبش في ذكريات شقاوة الطفولة بالقول: «كان البحر من الأشياء التي أعشقها، على الرغم من رفض العائلة فكرة ذهابي إليه، وكان البحر المفضل هو عكاشة (لْعواكشْ) وكنا نقفز إلى «بلاجْ لوسيور» كي نسبح.. في أحد الأيام، ذهبنا للعوم في «مْريزيكة»، ويجب التوضيح بأن أبناء «الكاريان» كان «ممنوعا» عليهم العوم في هذا الفضاء.. لهذا كان الأطفال الآخرون يرمون بعضهم في الموج ليصل الطفل أو الشاب إلى المسرح البلدي (Municipale) عوما.. وغالبا من يكتشف المسؤول عن المسبح أننا أبناء «الكاريان»، لأن الطفل يبقى غاطسا في الماء، لكن رأسه يدل من خلال «الكوبْ» على أنه ابن «الكاريان».. من جهة أخرى، فقد كان «شورطْ العوم نازل بزّافْ» بشكل مختلف عن لباس العوم المعروف... وأتذكر أنه قبل أن أخوض التجربة، وضعت المحفظة والكتب والملابس جانبا وبعدها بدأت في العوم، وحينما انتهيت وجدت أن أطفالا من حي «كوبا» في المدينة القديمة سرقوا حاجياتي وذهبوا، ولهذا بقيت عاريا تماما.. وتخيلت المسافة الطويلة بين المسبح والحي المحمدي وبدأت أفكر في الطريق التي سأسلكها، لأنني كنت عاريا تماما، وأتذكر أن أبناء المدينة القديمة أشبعوني ضربا، وكلما مررت قرب رجل إلا وقال: «سيرْ الله يمسخكْ، الله يقل عَراضك».. بعدها هربت إلى البحر وسلكت الطريق البحرية (من السكة إلى حي مولاي الشريف) للوصول إلى الحي، وبعد فترة معاناة طويلة، منحتني امرأة غطاء (طْلميط)، ومررت وسط سوق مكتظ، وأتذكر من بين من كانوا ينشطون فيها الحاج فوقار، الذي كان يبيع الكتب القديمة للاستعانة على الدراسة.. في تلك الفترة، أوصل البعض لوالدي نبأ كوني أتجول عاريا في الشارع، فخرج -رحمه الله- ينتظرني، وحينما لمحته خفت من الاقتراب منه.. انتظرتُ إلى أن دخل إلى المنزل، فاقتربت من الباب وطرقته، وحينما خرج لإدخالي، هربتُ، خوفا من عقابه. حاول طمأنتي لكنني كنت متيقنا من أنه سيضربني.. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن أبواب «الكارياناتْ» تكون دائما مفتوحة، ولهذا ارتباط بوضع الحي، إذ كان الأمر يتيح للفدائيين أن يدخلوا إلى أي «بْرّاكة» مفتوحة ويخرجوا من الباب الخلفي... بقيت في ذلك الوضع مدة من الزمن، وفجأة جاء أحد أبناء الجيران من الخلف وأحكم قبضته علي وأدخلني إلى المنزل، وهناك واجهت مصيرا عنيفا، إذ تعرضت لضرب الوالد المبرح، لأنني هربت من المدرسة، سُرِقتْ مني الملابس والكتب والمحفظة، فضلا على أنني جئت الحي عاريا»!... تحدث محمد مفتاح عن ألم موت الوالدة (جميعة المسكينية) وتحدث عن شقاوة الطفولة وعن الفقر وحرمان الطفولة، وتحدث عن مسار آخر في حياته بالقول: «ما ميَّز مرحلة دراستي هو أن مسؤولي المدرسة شجعوني على التنشيط، ففي نهاية السنة كان المعلم يختار بعض التلاميذ ليجسِّدوا أدوارا مستوحاة من دروس «التلاوة»، وهنا لا بد من الاعتراف بأن قصص التلاوة كانت مهمة ولها رمزية كبيرة.. في تلك المرحلة، عرفت أن شيئا يجذبني إلى التمثيل والتنشيط.. وفي تلك الفترة، نشط الحزب الاستقلال من خلال الدائرة 13 للكشفية، وتعرفت آنذاك (في سنوات 1961، 1962 و1963) على عائشة ساجد، أحمد الروداني، بوشعيب الخياري، محمد الخياري، وعلي السوسي.. وبدأت الكشفية تنظم رحلات إلى العديد من المناطق، من بينها «الواد المالح» و«الكاسْكادْ»، الذي كان «كاسْكاد» حقيقيا في ذلك التاريخ.. وأتذكر أن مياه «الكاسكاد» كانت نقية للغاية، وكانت الخضرة تملأ الفضاء.. كنا نأكل الطماطم، «الكرعة» وكل ما نصادفه... وأتذكر أنني كنت مع بعض أصدقاء الشباب ندخل شركة «بني عمار» للخمور، وكنا ندخل «الساريج» المخصص ل«الروج» دون أن نشرب.. كان التركيز على السفريات و«التخيامْ» واكتشاف معنى الحياة، إلا أنه في سنة 1965 ستعرف حياتي انعطافة مهمة»... انعطافة يقول عنها محمد مفتاح: «في سنة 1965، هاجمنا بعض المنتمين إلى «أصحاب الجبهة»، وأتذكر أنني كنت أتمرن مع علي شوقي -شافاه الله- هذا الرجل هو من علمني الحروف الهجائية في التمثيل وأدين له بالفضل الكبير، وهو أستاذي في التمثيل بنفس القدر التي علمني به الأستاذ الطيب الصديقي... في تلك الفترة، كانت تنشط جمعية «موريطانيا» في الدائرة ال13، وبعد الاعتداء تخلينا عن فرقة «موريطانيا» وقاطعنا الدائرة.. بالتزامن مع ذلك، نشطت جميعة «الهلال الذهبي»، التي أسسها الطريقي، وهو من أسس في ما بعد فريق الرشاد البرنوصي، وضمت الفرقة كلا من الدمراوي، حميد الزوغي، المدني، عزيز الفاضلي، عبد الخالق (بَّا خالق)، كما ظهرت في الحي جمعية «رواد الخشبة»، التي ضمت كلا من بوجميع، العربي باطما، عمر السيد، بومغرة... وفي تلك الفترة، بدأت محطة أخرى في حياتي»... يتبع