سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ذو الرشاد : الصحفية أطوار بهجت اتصلت بي أياما قبل مقتلها تطلب مني مساعدتها على مغادرة بغداد قال إنها أصرت على تغطية أحد الانفجارات بمنطقة «سامراء» رغم الهشاشة الأمنية
في جلسات حوار مطولة، هي على شكل اعترافات، تحدث الزميل محمد ذو الرشاد، وهو من أبرز الإعلاميين المغاربة، الذين وضعوا اللبنات الأولى في العمل المهني، في حقل السمعي البصري، عن معارك خاضها رفقة زملاء له آخرين، من أجل إصلاح الأوضاع داخل التلفزيون المغربي. وتطرق إلى تفاصيل ملموسة لتدخل وزارة الداخلية في توجيه التلفزيون المغربي. وقارن بين ماضي القناة في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وحاضرها. وقدم حكايات أخرى عن تجارب له في أمريكا وفي منطقة الخليج، قبل أن يعود مجددا، في اعترافاته، ليتحدث عن القناة الأولى، وهو الذي كان من نجومها، في وقت من الأوقات، يشرف على نشراتها الإخبارية ويقدمها في بعض الأحيان, ويغطي ويواكب أنشطة الملك الراحل الحسن الثاني، سواء داخل أو خارج المغرب. - بماذا فسرت سلوك مسؤول الفندق الذي غير رأيه بمجرد أن رأى حقيبة الأموال؟ أولا، جزء من الكلام الذي قاله الرجل كان صحيحا، وهو أن معظم الغرف بالفندق كانت محجوزة، ولكنه استطاع أن يتخلص من العديد من ساكنة «شيراتون» بطريقة أو بأخرى. ثانيا عرفت أن هذا الرجل كان يريد نصيبه في الموضوع، وهكذا كان. وكل التسهيلات التي يمكن أن تخطر ببالك وضعت رهن إشارتنا، كل العراقيل أزيحت، وكانت هناك «سطيحة» كبيرة جدا لم يفكر أحد في استعمالها، وضعت أيضا رهن إشارتنا. وبها تم نصب الديكورات الخاصة بثلاثة استوديوهات للبث المباشر. لكن الفندق برمته لا يحمل إلا الاسم. كانت الأتربة منتشرة في كل مكان، ولا وجود للماء، لا للشرب ولا للاغتسال، لا شيء بتاتا، ولا مطعم ولا مقصف. لكن كنا محاطين بقدر من الحراسة، وهذا هو الأهم، لأننا كنا قد جئنا بكل معداتنا اللازمة للعمل والنقل المباشر. وفي مدينة لا أثر فيها للحياة، كان علينا جلب الحدادين والنجارين من بيوتهم لبناء الديكورات. فكانت قناة أبو ظبي القناة الوحيدة من بين قنوات العالم، التي استطاعت أن تبث برامج حوارية مباشرة من بغداد، شارك فيها عراقيون وأمريكيون ومحللون من مختلف البلدان، فضلا عن التقارير الإخبارية ونشرات الأخبار. لقد كان حقا إنجازا فوق العادة يحسب لقناة أبو ظبي. كان لا بد أيضا في مدينة تقبع في الظلام، أن نستقطب عددا من المنتجين المحليين الذين يعرفون أين تقيم الشخصيات المختلفة، ويستطيعون التجوال في أنحاء بغداد، ويقترحون ويصورون تقارير لتزويد نشرات الأخبار، حيث لم تكن هناك أي مصادر للأخبار في مدينة معتمة تماما. ومن بين الذين استقبلتهم كانت الإعلامية والأديبة «أطوار بهجت»، التي كانت تريد أن تنضم إلينا كمراسلة. بعدما اختبرتها قلت لها إنها تحتاج إلى بعض الوقت من أجل التدريب، لتصبح مراسلة للقناة بعد ذلك. وكانت إنسانة خلوقة وكثيرة الحرص على العمل. وبقيت معنا طوال تلك الفترة إلى جانب الزملاء، وكانت من أكثر المنتجين تنقيبا عن الأخبار، ومن أكثرهم معرفة بما يجري في الساحة العراقية. وأنت تعرف ما حدث لها بعدما اختطفت وتم اغتيالها مع فريقها في مطلع 2006، وكانت ساعتها قد انتقلت من الجزيرة لتصبح مراسلة لقناة العربية. قبل اغتيالها بأيام، وكنت ساعتها قد انتقلت إلى القاهرة، اتصلت بي، وكانت مرتعبة، وقالت لي إنها لم تعد قادرة على البقاء في بغداد. وطلبت مني أن أتدخل لدى بعض الأصدقاء لمساعدتها على ترك بغداد، وهو ما فعلت، لكن بعد ذلك بقليل، جاء خبر مقتل هذه الإعلامية البارزة، وكانت بمثابة صدمة كبيرة بالنسبة إلي شخصيا وللعديد من الزملاء الإعلاميين الذين تعرفوا عليها عن قرب. - وماذا تعرف عن ملابسات اغتيالها؟ ما أعرفه هو أنها كانت مصرة على تغطية أحد الانفجارات في منطقة سامراء، مسقط رأسها. وكان ساعتها الموضوع الأمني في بغداد قد تدهور جدا، ونصحها زملاؤها بعدم الذهاب لتغطية الانفجار، فقالت لهم: «هذا عملي ويجب أن أذهب»، وذهبت إلى سامراء رفقة فريق تصوير، وهناك اعترض طريقها مسلحون كانوا على متن سيارة صغيرة، وأمروها بالصعود إلى جانبهم، وأخذوها إلى مكان غير بعيد، وأدخلوها إلى أحد المنازل، وبدم بارد أطلقوا عليها الرصاص. وما أعرفه هو أنه تم فيما بعد إلقاء القبض على المجرمين واعترفوا بفعلتهم، وقد كانت خسارة كبيرة بالنسبة للإعلام العربي في العراق. - طرحت عليك سؤالا حول تألق القناة في حرب العراق وانهيارها المفاجئ كقناة إخبارية ماذا حصل بالضبط؟ بعد الفترة التي أمضيتها في بغداد وعودتي إلى أبو ظبي، ورغم أن الأحداث كانت مستمرة، كان لا بد أن أخلد للراحة بعض الوقت. ذهبت إلى واشنطن، في إجازة لمدة شهر، وكلفت بإعداد دراسة لإحداث قناة إخبارية، أو بالأحرى لإطلاق ثلاث قنوات لتلفزيون أبو ظبي، بينها قناة إخبارية محضة. - معنى هذا أن فكرة الاستمرار في الحفاظ على قناة أبو ظبي الإخبارية لم تكن مطروحة؟ الفكرة كانت هي أن نقوم بإطلاق قناة إخبارية تقوم على أساس النجاحات التي حققتها قناة أبو ظبي إخباريا، وقمت بإعداد تلك الدراسة، ولكن بعد عودتي إلى أبو ظبي، وجدت أن الأمور تغيرت، فبدأ يتضح لي أن هناك توجها آخر مغايرا لفكرة إطلاق قناة إخبارية، وهو ما كان سببا في تقديم استقالتي من القناة. وهذا ما كان. - هل هذا التوجه مرتبط بضغوطات خارجية أم أن مسؤولين بالإمارات لمسوا عدم جدوى منافسة قنوات عربية أخرى كبرى في الخليج؟ رغم أنه كتب الكثير حول هذا الموضوع، من قبيل وجود ضغوطات من طرف أمريكا، ليس فقط على قناة أبو ظبي وحدها ولكن على الجزيرة والعربية وغير ذلك، لتحجيم تغطيتها للأحداث المرتبطة بما له علاقة بمصالح الولاياتالمتحدةالأمريكية بالمنطقة، ومن قبيل أنه كان هناك خلاف على مستويات عليا داخل الدولة، لكن إيماني الشخصي بما حدث هو أنه طبيعة عمل أي عمل إعلامي حر من مستوى الجزيرة مثلا أو قناة أبو ظبي في ذلك الوقت، فلا بد أن تحدث بعض المشاكل. وأعتقد أن دولة الإمارات، ومنذ الوهلة الأولى التي رسم فيها مؤسس الدولة الشيخ زايد رحمه الله سياسات الاتحاد، وهي دولة ليس لها مشاكل مع أي من الدول العربية، دولة معروفة باعتدالها ومعروفة بعروبتها وبقوميتها ودعوتها إلى نبذ الخلافات، وهي أول دولة حققت اتحادا ناجحا في العالم العربي، لم تكن مستعدة لمشروع قناة قد تكون سببا في خلق متاعب لا طائل من ورائها مع دول صديقة أو شقيقة. هذه قناعتي الشخصية. وعندما تركت قناة أبو ظبي لم أكن كما يقول الإخوة المصريون «زعلان»، لكني تركت القناة بكل حب وود. وما أزال أكن لذلك المكان الكثير من التقدير.