على الرغم من كثرة المهرجانات والمناسبات الثقافية التي تشرف عليها الجهات الرسمية أو تدعمها، فإننا نادرا ما نسمع عن تكريم لأهل الثقافة في هذه المناسبات، وحتى حين يحصل ذلك يكون بطريقة مهينة ومن دون أية قيمة، لكون صيغة التكريم المعمول بها في الغالب لا تخرج عن إعادة كلام نمطي وتوزيع شواهد التكريم ومنها صورة تذكارية، وهذا لا يعني أي شيء غير إضافة جرح آخر إلى ذاكرة الجراح التي يراكمها أي مرتبط حقيقي بمجالات الثقافة والفن بالمغرب، خاصة ذلك الذي يصر على التذكير بفجائع المغلوبين، ويرفض الإذعان للمنتصرين بالقهر في هذا الوطن. وما يستدعي حديث التكريم اليوم هو إطلاق اسم الكاتب المغربي الراحل إدريس الشرايبي على أحد الشوارع بمدينة فرنسية مؤخرا، وهذه بادرة جد طيبة تقول الكثير من الاعتراف بقيمة الرجل، وكم كان جميلا أن يحصل مثل هذا والكثير منه عندنا أيضا، لأن التكريم الرمزي هو من احتياجات الواقع الثقافي المغربي إضافة إلى التكريم المادي الغائب بامتياز. وهناك أيضا مبادرة أخرى حصلت في المغرب أواخر شهر يونيو، وتتعلق بإطلاق اسم المخرج السينمائي المغربي مصطفى الدرقاوي على أحد شوارع مدينة مارتيل. والجميل في هذه المبادرة أنها تمت من داخل مهرجان سينمائي فني يشرف عليه النادي السينمائي بهذه المدينة، وهذا أمر طبيعي لأن الاعتراف من صميم ثقافة الأندية السينمائية، ولأن المخرج الدرقاوي أعطى الكثير للسينما المغربية، ويعد من بين قلة قليلة من السينمائيين الذين زاوجوا بين العمل الاحترافي السينمائي وبين الاهتمام الواسع بالثقافة وأسئلتها، وهذا ما ورطه بشكل جميل وقاس في تجربة جد خاصة عنوانها العريض «سينما المؤلف لخدمة التمايز الإبداعي في السينما المغربية»، من ثمارها البارزة «عنوان مؤقت» و«أحداث بدون دلالة» و«أيام شهرزاد الجميلة»... إلخ. طبعا، مصطفى الدرقاوي سيبحث له عن أنفاس أخرى لاحقا بعيدا عن خصوصيات المرحلة الأولى، إلا أن الأساسي هو أنه بصم المشروع السينمائي الوطني بصيغة غير مكررة ولا يمكنها أن تتكرر، لهذا كانت هذه الصيغة من التكريم التفاتة جميلة له وللسينما المغربية، لكن ما نتساءل عنه هو مبررات التغييب التام لأسماء راكدة أعطت للثقافة والفن بالمغرب الشيء الكثير، ولم تنشغل المؤسسة الرسمية بتكريمها رمزيا بإطلاق أسمائها على شوارعنا وساحاتنا وبناياتنا وأحيائنا بالمدن المغربية، وهذا ما يخالف قاعدة بلدان الاعتراف، حيث مجالها موقع بحضور أسماء وتماثيل مبدعيها اعترافا لهم وللثقافة وللوطن الذي أنجبهم. لا شيء من هذا عندنا، فالكثير من الأسماء تقبع منسية في الوجود المغربي، وأكثر من هذا نجد ما لا يحصى من الأسماء التي أعطت بلا حدود للوطن والناس، ورحلت دون أن تفكر أي جهة في تكريمها، من ذلك الغرباوي والشرقاوي وصلادي في التشكيل، والركاب والكتاني ومزيان في السينما، وشكري وخير الدين والصفريوي والشرايبي في الرواية، وراجع والكنوني والطوبي وحوماري في الشعر، وحوري وتيمد ومسكين والكغاط في المسرح... إلخ. لقد همشت المؤسسة الرسمية دوما الثقافة والمثقف، لكون هذه الفئة ترفض غالبا الخضوع لوصاياها بعدم الانشغال بأوجاع الناس وبؤس الوجود المغربي، كما ترفض الإذعان لمطلبها برفض النقد والمقاومة، وحين يأتي الموت يكون ذلك مناسبا للنسيان النهائي لمن يرحل، إلا أن هذا ضد المعاني الجميلة للوطن التي من بينها إقرار حق المثقف والفنان والثقافة في التكريم المادي والرمزي، استجابة لرغبة الوطن وليس لمن يتحكم فيه.