الوضع السياسي بالمغرب «مقلق»، والمغرب يعيش «تراجعا» ديمقراطيا وإخفاقات كبيرة وهو على مشارف «السكتة الدماغية» والاحتقان الاجتماعي ينذر بالخطر، هذه هي أهم الجمل التي ترددت لأكثر من مرة في مداخلات جامعيين تناولوا الكلمة في لقاء نظمته جريدة «المعلومة» الجهوية مساء أول أمس السبت بأحد فنادق فاس، خصص لمناقشة «مستقبل الديمقراطية بالمغرب»، وذلك بمناسبة مرور سنة على إصدار هذه الجريدة المحلية. ودعا محمد الساسي الملكية إلى القبول بالتنازل عن الامتيازات من أنواع مختلفة ومتعددة، وقال إن عليها أن تضحي «تضحية تاريخية» لتكريس الديمقراطية بالمغرب. واعتبر الساسي أن هذه التضحية لا بد لها من سياق تاريخي، وهذا السياق، يضيف الساسي، لا بد أن يندرج في إطار مبدأ العرض والطلب، وقال: «لا يمكن أن يكون هناك عرض دون طلب». امحمد لقماني، مدير جريدة «المعلومة» قال في كلمة افتتاح أشغال هذا اللقاء إن المغرب يعيش حالة الاستثناء الديمقراطي منذ حوالي نصف قرن، ووصف المبادرات الإصلاحية بالعبثية وقال إن الاقتصاد المغربي اقتصاد احتكاري يطغى عليه طابع الريع، أما المجتمع فهو يعيش احتجاجا شبه دائم، والدولة فشلت في تدبير الملفات الاجتماعية. ومن جهته، ذهب حسن طارق، الأستاذ الجامعي بسطات، إلى أن هناك أزمة وتراجعا وقلقا عاما يساور المواطنين، وقال إن المرحلة التي بدأت في سنة 1998، والتي سميت من قبل البعض بمرحلة التناوب التوافقي، قد وضعت بين قوسين وانتهت بأحلامها وأوهامها، لتحل محلها مرحلة التراجعات، وأضاف أن انتخابات 7 شتنبر الأخيرة والتي عرفت نسبة مشاركة ضعيفة بينت بأن المغاربة لم يثقوا في وجود مسلسل ديمقراطي وتغيير. وانتقد طارق الطريقة التي شكلت بها الحكومة الحالية، قائلا إن اختلالاتها أخطر بكثير مما وقع في حكومة إدريس جطو، معتبرا بأن الأحزاب انتهكت كرامتها وتعرضت لاختراق كبير، في إشارة إلى استوزار شخصيات مقربة من الدولة باسمها بالرغم من عدم انتمائها إليها. وسجل طارق وجود حملة على السياسة وعلى الأحزاب السياسية، متسائلا عن أهمية الانتخابات إذا لم تكن تراعى نتائجها في تشكيل الحكومة، وهي نفس الفكرة التي وقف عندها الجامعي منار السليمي، عندما اعتبر أن الانتخابات لا تؤثر في المشهد السياسي نظرا لكون الحكومة لا علاقة لها بنتائج الانتخابات. وقال إن المشهد السياسي بالمغرب غير عادي في غياب قواعد تضبطه، وأشار السليمي إلى وجود فراغ سياسي، مسجلا بأن الأحزاب لم تعد تؤطر الشارع، وقال إن المغرب الآن مقسم إلى قسمين، مغرب سماه «مغرب الفرجة»، وآخر هو مغرب الاحتجاج». وقال إن الحقل السياسي أصبح في واد والنزوعات الاجتماعية في واد آخر. ودافع البرلماني والجامعي محمد لعرج عن مكتسبات الديمقراطية في المغرب، معتبرا أن هناك مجموعة من التطورات إلى جانب بعض التراجعات على المستوى السياسي، وأضاف أن مغرب التسعينات ليس هو المغرب الحالي، وانتقد ما سماه النخبة المثقفة التي قال عنها إنها غالبا ما تنظر إلى الأشياء من فوق ومعالجتها للوضع لا تتماشى مع الواقع. وفي السياق ذاته، اعتبر محمد الساسي أن المغرب لا يعيش الدكتاتورية، وإنما هامشا ديمقراطيا، وقال إن الدولة تريد أن تجعل هذا الهامش هو الديمقراطية، في حين أن إرادة القوى الديمقراطية هي أن تحول هذا الهامش إلى ديمقراطية. وذهب إلى أن التناوب التوافقي لم يمكن من تحويل الهامش الديمقراطي إلى ديمقراطية، معتبرا أن هذه المرحلة قد انتهت، و«كأننا سنبدأ من الصفر». وقال إن هذا الرجوع إلى الوراء من قبل القوى الديمقراطية يتم بأسلحة مفتقدة، و«أهم سلاح هو سلاح المصداقية، وهذا افتقدناه»، يقول الساسي. وسار في نفس الاتجاه الأستاذ الجامعي عبد العالي حامي الدين، مسجلا أنه لا يمكن تحقيق الديمقراطية عن طريق ما يسمى ب«الطفرة». وقال إن الديمقراطية هي سيرورة ثقافية واجتماعية وسياسية يجب أن يساهم فيها الجميع، «وهي غير قابلة للاستيراد، ومنسوبها داخل المجتمع يحتاج إلى استنباتها». وانتقد حامي الدين الوضع الحالي، واصفا إياه بالنموذج السلطوي الذي تُحْتَكر فيه السلطة وجانب أساسي من الثروة، وقال إن النموذج الحالي يحرص على المؤسسات، لكنها مؤسسات فارغة من حيث المضمون.