سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ذو الرشاد: لم ينفع موقفي في دفع الحكومة الأمريكية إلى العدول عن إنشاء «قناة الحرة» و«إذاعة سوا» قال إن قناة «الشبكة العربية الأمريكية» هي آخر تلفزة جادة تبث بالعربية والإنجليزية من أمريكا
في جلسات حوار مطولة، هي على شكل اعترافات، تحدث الزميل محمد ذو الرشاد، وهو من أبرز الإعلاميين المغاربة، الذين وضعوا اللبنات الأولى في العمل المهني، في حقل السمعي البصري، عن معارك خاضها رفقة زملاء له آخرين، من أجل إصلاح الأوضاع داخل التلفزيون المغربي. وتطرق إلى تفاصيل ملموسة لتدخل وزارة الداخلية في توجيه التلفزيون المغربي. وقارن بين ماضي القناة في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وحاضرها. وقدم حكايات أخرى عن تجارب له في أمريكا وفي منطقة الخليج، قبل أن يعود مجددا، في اعترافاته، ليتحدث عن القناة الأولى، وهو الذي كان من نجومها، في وقت من الأوقات، يشرف على نشراتها الإخبارية ويقدمها في بعض الأحيان, ويغطي ويواكب أنشطة الملك الراحل الحسن الثاني، سواء داخل أو خارج المغرب. - الملاحظات التي قدمتَها إلى اللجنة الأمريكية لم تقنعها بالعدول عن المشروع الإعلامي ل«قناة الحرة» و«إذاعة سوا»؟ هذه الملاحظات لم تسفر عن إقناع اللجنة التي كان ضمنها السفير الأمريكي السابق في المغرب «إدوارد جيبرييل» بإعادة النظر في الفكرة. وأعتقد أن الأمر كان محسوما منذ البداية، وربما ما جمعته اللجنة من آراء كان إيجابيا وكان صوتي أنا من الأصوات القليلة التي كانت تغرد خارج السرب. وانطلق المشروع بطريقة عشوائية، حيث لم يدرس دراسة علمية حتى يستطيع منافسة القنوات العاملة في العالم العربي، وعلى رأسها الجزيرة، أو على الأقل أن يجد له زاوية يحتلها ضمن هذا المشهد الإعلامي المكتظ. ووقعت فضائح ومشاكل، وتم تغيير الإدارات والمسؤولين عدة مرات، وما يزال هذا الجهاز يبحث له عن مخرج من تلك المشاكل حتى الآن. - في تلك الفترة كنت قد غادرت صوت أمريكا؟ استمر الاتصال بيني وبين الزملاء في «صوت أمريكا». وأعرف بطريقة كافية مجمل المشاكل التي تمر منها المؤسسة حاليا. وكانت هناك محاولات لكي ألتحق بالمحطة الجديدة، وبصراحة أنا لم أستطع إقناع نفسي بالمشاركة في هذا المشروع. وحصل في أحد الاتصالات أن طرحت أفكاري في إعادة النظر في المشروع برمته، وإعادة بناء هوية القناة من جديد، وتغيير طريقة العمل والبرامج وطريقة تقديم الأخبار، لكن هذه المقترحات ربما لا تتماشى مع تصورات القائمين على المشروع. - وأين اتجهت في تلك الفترة؟ وقتها كنت أعمل في الخليج. وهذه الاتصالات التي تحدثت عنها كانت بعد أن غادرت قناة أبو ظبي. أما إذا عدنا إلى فترة عملي بصوت أمريكا، فإنني في نفس الوقت كنت أعمل في الشبكة العربية الأمريكية، وهي أول وآخر مشروع جاد لقناة إذاعية وتلفزية تبث بالعربية والإنجليزية من داخل أمريكا وتغطي التراب الأمريكي والدول المجاورة. وكانت علاقتي بهذه المحطة قد بدأت منذ بدايتها. وكنت أقدم ما أستطيع أن أقدمه كمتعاون خارج أوقات عملي في صوت أمريكا. وكان هناك عدد من العاملين في الإذاعة أيضا يتعاملون مع تلك القناة، وحدث أنه بعد الاجتياح العراقي للكويت، كانت الشبكة العربية الأمريكية أول محطة في العالم أعلنت الخبر، وأصبحت بعد ذلك محجا للكثير من الصحفيين الأمريكيين الذين استغربوا كيف استطاعت محطة مغمورة تحقيق ذلك السبق الهائل، فاكتسبت بذلك شهرة لا بأس بها داخل أمريكا. - وماذا كانت طبيعة هذه القناة؟ بالنسبة للإعلام العربي، كان هنالك فراغ كبير في أمريكا. وكان المرحوم محمد البدراوي، وهو رجل أعمال سعودي قد جاء من لندن بفكرة إنشاء هذا المشروع. واستطاع ساعتها أن يحصل على دعم مالي من السفارة السعودية في واشنطن. وبدأ في إقامة هذا المشروع, واستقطب إعلاميين من «البي بي سي» كما تعاون مع صحفيين في إذاعة صوت أمريكا لإطلاق مشروعه الإذاعي، وبعد سنة أطلق مشروع المحطة التلفزيونية. في أمريكا كانت هناك محاولات إعلامية عربية لكنها كانت محاولات ذات طابع محلي صرف. ونجح هذا المشروع، حتى إنه كان يبث عبر القمر الصناعي وذلك إلى جانب « الكابل» داخل أمريكا. لكن صاحب المشروع عانى كثيرا في سبيل الوصول إلى بث برامج القناة على الكابل، لأنه كان من الصعب إقناع الشركات المتخصصة بأهمية إدراج هذه القناة ضمن الباقة التي تقدمها للمشاهدين الأمريكيين. وقد مكنت هذه الطريقة تلك القناة في النهاية من الوصول إلى الجاليات العربية في عدد من المناطق الأمريكية. - لكن هذا المشروع لم يستمر؟ أعتقد أن صاحب القناة الذي كان ذا توجه استثماري محض وكان مدعوما أيضا من السفارة السعودية، كان يتمتع أيضا بقدر كبير من الذكاء، وكان يتعامل مع الموضوع بطريقة احترافية. كان يعي التوجه المحافظ للجاليات العربية، وكانت تلك القناة تعكس كل توجهات الجالية العربية الإسلامية، بمشاربها المختلفة والأقطار العربية التي جاءت منها. ولكن لسوء حظ هذا المشروع أنه بعد وقت قصير من انطلاقه، تم اجتياح الكويت من قبل العراق. وتلك كانت الطامة الكبرى. - كيف؟ انقسم العرب والمسلمون في أمريكا إلى طائفتين. الأولى مع الغزو والثانية ضده. وكان ذلك ينعكس على برامج الإذاعة. وحدث شرخ داخل المجتمع العربي. فكنت تجد برامج منحازة تماما للحكومة الأمريكية، ومناهضة لصدام حسين، وبرامج أخرى مناهضة للسياسة الأمريكية ومساندة لصدام حسين.. وكانت تلك البرامج تبث في أوقات الذروة. وكانت تلك، بالمناسبة، أول مرة أسمع فيها صوت الزميل محمد العلمي، وكنت شديد الإعجاب بطريقة تعاطيه مع ملف أزمة الخليج. وجاء التلفزيون ليحاول رأب الصدع، وكان هناك انفتاح كبير وغير مسبوق في البرامج الحوارية. وفي 1994، أي أربع سنوات بعد انطلاق المشروع، بدأت السفارة السعودية تحس بأن الأمور أخذت تنفلت من يديها، خصوصا في البرامج التي كانت أحيانا تتناول السياسة الداخلية السعودية في فترة كانت تتعرض فيها لانتقادات مرتبطة بملفات حقوق الإنسان. فقد استضاف حافظ الميرازي، في برنامجه مثلا، لمرة أو مرتين، عبد الله المسعري، وهو من المعارضين للحكم في السعودية، وكنت استضفت أيضا أحد ممثلي منظمة العفو الدولية للتعليق على الموضوع رغم أني طلبت من السفارة السعودية أن يكون لها متحدث في البرنامج، فلم ترسل إلي أحدا من مبعوثيها، وهناك بدأ التفكير في التعاطي مع الموضوع بفرض الرقابة على القناة التلفزيونية والإذاعة معا. بعد ذلك فوت صاحب المحطة مشروعه لمؤسسة «الإم بي سي» فأصبحنا فجأة تابعين لهذه القناة في لندن، وتغير التوجه بصورة مطلقة، وبدأنا نحس أن هناك من يراقب توجه المحطة من بعيد ويحاول فرض الرقابة علينا.