رغم أن مهمة الصحافة المغربية منذ بداياتها كانت وما تزال هي تسجيل الحدث وتدوينه، من خلال الإخبار به، إلا أن تاريخ هذه الصحافة ظل دون تدوين، ما عدا محاولات قليلة جدا ومحدودة ومتفرقة حصلت قبل أكثر من عقدين من الزمن. في هذه الحلقات نحاول أن نستعيد تاريخ الصحافة المغربية من خلال نماذج من الصحف التي صدرت بالمغرب منذ بداية القرن العشرين إلى اليوم، والأدوار السياسية والاجتماعية التي لعبتها، على اعتبار أن كتابة تاريخ الصحافة المغربية هي إعادة كتابة لتاريخ المغرب، وأن هذه الصحف اليوم تشكل وثائق مهمة تساعدنا على قراءة تاريخنا الحديث. صدرت هذه الجريدة في الخمسينيات بعد حصول المغرب على الاستقلال، وكان يديرها مصطفى أحمد العلوي ويرأس تحريرها محمد المريني. وقد أرادت الجريدة أن تكون لسان الدولة الجديد بعد زوال الاستعمار، وأن تعبر عن العهد الجديد الذي دخله المغرب، لذا يمكن اعتبارها أول جريدة مغربية إخبارية ما بعد الاستقلال، إذ كان تعريفها على أنها «جريدة مسائية إخبارية سياسية». ونلاحظ أن الجريدة كانت تتبنى القضية الجزائرية بشكل تام، إذ كانت أخبار المقاومة والحياة السياسية في القطر الجزائري تنشر أولا بأول على الصفحات الأولى للجريدة. وعندما قررت فرنسا تنظيم انتخابات في الجزائر عام 1958 كتبت الجريدة افتتاحية بعنوان «أسطورة الانتخابات المصطنعة تمنى في الجزائر بفشل ذريع»، قالت فيها:«ومما يلاحظ في هذا الصدد أن هذه الانتخابات لم يقاطعها الجزائريون فقط بل قاطعها حتى أعضاء الجالية الفرنسية على اختلاف نزعاتهم السياسية، وقد كان من المتوقع أن يوجه الجنرال دوغول خطابا في هذا الموضوع إلى الجنرال سالان غير أن أعضاء الحكومة الفرنسية رأوا عدم جدوى هذا المسعى المحكوم عليه سلفا بالإخفاق. ومن المعلوم أن هذه المقاطعة تختلف أسبابها لدى الفريقين، حيث إن إخواننا الجزائريين اتخذوا هذا الموقف بمحض الواجب الوطني الذي يفرض عليهم ألا ينخدعوا لانتخابات مزورة يقصد منها تركيز السيطرة الاستعمارية تحت شعار ديمقراطية مصطنعة وإخاء مزيف». وبنفس العدد كتبت الجريدة بتوقيع «أبو فراس «مقالات تحت عنوان» ممثل... الله»، منتقدة قرار الجنرال دوغول بتنظيم الانتخابات في الجزائر، قالت فيه: «أصبح الجنرال دوغول في وضع يثير في خصومه قبل أصدقائه الكثير من الإشفاق والرثاء، وإذا لم تسعفه نشأته العسكرية بجرأة القائد الاستراتيجي الحصيف يتبين أن الانسحاب المنظم أجدى وأكرم من الاندفاع الأهوج»، مضيفة:«فقد اطمأن الجنرال الرئيس في ما يبدو إلى دعاوى تشكيلته، وأيقن بأن مسرحية الانتخابات التشريعية ستصيب في الجزائر من مظاهر النجاح حظا أوفر مما أصابت مسرحية الاستفتاء الدستوري». وفي العدد رقم 488 بتاريخ 3 نوفمبر 1958 بمناسبة ذكرى الثورة الجزائرية نشرت الجريدة في الصفحة الأولى خبرا بعنوان «جلالة الملك يؤكد حق الشعب الجزائري في الحرية والاستقلال» ورسالة الملك محمد الخامس إلى رئيس الحكومة الجزائرية فرحات عباس. وعندما قدم عبد الرحيم بوعبيد استقالته من حكومة أحمد بلافريج الأولى في نوفمبر 1958 انتقدت الجريدة الاستقالة واعتبرت أنها ليست هي الحل، بل رأت أن الحل يكمن في مواجهة المشكلات الحقيقية داخل الحكومة. وفي مقال آخر بتاريخ 27 نوفمبر 1958 كتبت افتتاحية بعنوان«أزمة» قالت فيها:«تجتاز الوزارة المغربية مرحلة دقيقة في حياتها، فقد لبست حلة الأزمة، وأصبحت باستقالة السيد عبد الرحيم بوعبيد أمام أزمة حقيقية سواء كان ذلك في صالح المغرب أو في غير صالحه، لأن الآراء تضاربت وتشاكلت واستعصى التغلب على المشاكل بطريق التراضي والتفاهم فيما يبدو، وأصبح لا يحلها إلا بناء هيكلة جديد للوزارة»، وتثير الافتتاحية قضية المشاورات السياسية التي انطلقت بعد تلك الأزمة، قائلة: «إن الاستشارات التي بدأت الآن مع شخصية الزعيم علال الفاسي وغيره ما هي إلا إحدى الحلول الموصلة إلى تلافي الوقوف على آخر مرحلة من مراحل العقدة». ولدى اندلاع أحداث الريف عام 1958 نجد أن جريدة «العهد الجديد» خصصت صفحاتها الأولى لتتبع تطورات تلك الأحداث والتعاطي الرسمي معها، وفي العدد 496 بتاريخ 12 نوفمبر 1958 تنقل الجريدة تفاصيل اللقاء الذي تم بالقصر الملكي بين ممثلي مختلف القبائل الريفية والملك محمد الخامس تحت عنوان عريض:«لا يمكن أن تتم المطالبة بالحقوق ورفع المظالم بالخروج عن طاعة أولي الأمر وخلق الاضطراب المضر بالبلاد والمهدد لاستقلالها»، وجاء في الخبر:«كان أهم حادث في الميدان الداخلي يوم أمس هو قدوم وفود القبائل الريفية إلى الرباط ومثولهم بين يدي صاحب الجلالة الملك المعظم بعد أن استقتبلهم الرئيس أحمد بلافريج. وكان الوفد يتركب من ستين شخصا تقريبا يمثلون كافة قبائل الريف. وقد شرح رؤساء الوفد إلى السيد أحمد بلافريج رئيس الحكومة ووزير الخارجية المصاعب الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهونها».