رغم أن مهمة الصحافة المغربية منذ بداياتها كانت وما تزال هي تسجيل الحدث وتدوينه، من خلال الإخبار به، إلا أن تاريخ هذه الصحافة ظل دون تدوين، ما عدا محاولات قليلة جدا ومحدودة ومتفرقة حصلت قبل أكثر من عقدين من الزمن. في هذه الحلقات نحاول أن نستعيد تاريخ الصحافة المغربية من خلال نماذج من الصحف التي صدرت بالمغرب منذ بداية القرن العشرين إلى اليوم، والأدوار السياسية والاجتماعية التي لعبتها، على اعتبار أن كتابة تاريخ الصحافة المغربية هي إعادة كتابة لتاريخ المغرب، وأن هذه الصحف اليوم تشكل وثائق مهمة تساعدنا على قراءة تاريخنا الحديث. تعتبر جريدة «لا فيجي ماروكان»(الرقيب المغربي) أول جريدة ناطقة بالفرنسية تصدر بمدينة الدارالبيضاء في بداية القرن العشرين، وهي واحدة من الصحف التي كانت تابعة للمجموعة الشهيرة بمجموعة «ماس»، نسبة إلى الفرنسي بيير ماس الذي كان رجل أعمال فرنسي اختار الاستقرار في المغرب مدعوما من الحكومة الفرنسية، ولقيت مشاريعه الصحافية بعد ذلك دعما قويا من الإقامة العامة وقصر الإليزي. أنشئت الجريدة عام 1908 من طرف الصحافي الفرنسي كريستيان هويل، الذي جاء إلى المغرب قبل ذلك بعام واحد كمراسل صحفي لجريدة «لوماتان» التي كانت تصدر من باريس، وكان هويل يتقن اللغة العربية واستطاع أن يتقرب من السلطان عبد الحفيظ، كما استطاع أن يكون وسيطا بينه وبين الجنرال داماد، قائد القوات الفرنسية بالمغرب في منطقة الشاوية. ظهر العدد الأول من الجريدة في 24 نوفمبر 1908، متخذة نفس الاسم لجريدة كانت تصدر من قبل في الجزائر تحت إشراف هويل نفسه، وهي «لافيجي ألجيريان»، وكانت تصدر في البداية ثلاث مرات في الأسبوع كيومية مسائية، وتعرف نفسها على أنها«جريدة الدارالبيضاء التي أنشئت من أجل الدفاع عن المصالح الفرنسية بالمغرب وتوسيعها». ونظرا للأزمة المالية التي سقطت فيها الجريدة في العام التالي، اضطر هويل إلى إدخال شريك آخر هو الصحافي الفرنسي جورج ميرسي، الذي أصبح مدير الجريدة، لكن ظهرت خلافات بين الاثنين دفعت هويل إلى مغادرة الجريدة وإنشاء جريدة أخرى اسمها«الحركة المغربية»، لتدخل الجريدتان في منافسة حادة بينهما، لكن السلطات الفرنسية كانت تحاول التضييق نسبيا على بعض الصحف الفرنسية الصادرة بالمغرب، خشية الانتقادات التي كانت هذه الصحف توجهها للسياسة الفرنسية في المغرب والجزائر، أو تسلل عناصر شيوعية إلى هيئات هذه الجرائد لفضح السياسات الاستعمارية الفرنسية، وهو ما كانت تتعرض له «لافيجي ماروكان»التي كانت تستقبل كل يوم عناصر محسوبة على الإقامة العامة لمراقبة ما يكتب فيها، ولم تتوقف تلك الرقابة إلا في عام 1925 بعد نجاح مخطط القضاء على حركة محمد بن عبد الكريم الخطابي نتيجة التعاون العسكري الفرنسي الإسباني. اختصت جريدة«لا فيجي» في متابعة الأخبار التي تهم السياسة الفرنسية تجاه المغرب والجزائر، والتحركات الأوروبية للدول المنافسة للسياسة الفرنسية في المنطقة، خاصة ألمانيا، وخدمة المعمرين الفرنسيين الذين كانوا يسعون إلى الاستيلاء على أجود الأراضي الفلاحية بالمغرب، لكنها عارضت توقيع اتفاقية الحماية في 30 مارس عام 1912، معتبرة أن فرنسا كان عليها أن تضم إليها المغرب بكل بساطة مثلما فعلت مع الجزائر، دون الحاجة إلى توقيع اتفاقية. وبالرغم من ذلك حظيت الجريدة، إلى جانب الجرائد الفرنسية الأخرى بالمغرب، بدعم سخي من الإقامة العامة في مواجهة الصحف الوطنية التي كانت تصدر في تلك الفترة مثل «الطاعون» و«الفجر» و«الجهاد»، وظهر دعم هذه الصحف وتمييزها بإطار خاص مع ظهير عام 1914، الذي تزامن مع اندلاع الحرب العالمية الأولى وفرض الإقامة الفرنسية لحالة الحصار على المغرب بدعوى الحيلولة دون تأثيرتداعيات تلك الحرب على الصعيد الداخلي، لكن هذه المعاملة التفضيلية لم تكن شيكا على بياض، فقد تعرض بعض الصحافيين للترحيل من المغرب، من بينهم هويل نفسه إلى جانب صحافيين فرنسيين اثنين أبحرت بهم سفينة فرنسية يوم 19 نوفمبر 1919 بأمر من الإقامة العامة في المغرب، وذلك في إطار الصراع الذي كان يخوضه الجنرال ليوطي ضد من كان يسميهم «المعمرون الفاسدون». وقد تعاقب على «لافيجي» العديد من المسؤولين والمقاولين الصحافيين إلى أن تمكن بيير ماس من شرائها في بداية العشرينيات لضمها إلى مجموعته الإعلامية الضخمة، التي كانت أول مجموعة إعلامية تظهر في المغرب تستثمر في صحف الأخبار والرياضة والموضة، وتنال حظوة الإقامة العامة الفرنسية.