رغم أن مهمة الصحافة المغربية منذ بداياتها كانت وما تزال هي تسجيل الحدث وتدوينه، من خلال الإخبار به، إلا أن تاريخ هذه الصحافة ظل دون تدوين، ما عدا محاولات قليلة جدا ومحدودة ومتفرقة حصلت قبل أكثر من عقدين من الزمن. في هذه الحلقات نحاول أن نستعيد تاريخ الصحافة المغربية من خلال نماذج من الصحف التي صدرت بالمغرب منذ بداية القرن العشرين إلى اليوم، والأدوار السياسية والاجتماعية التي لعبتها، على اعتبار أن كتابة تاريخ الصحافة المغربية هي إعادة كتابة لتاريخ المغرب، وأن هذه الصحف اليوم تشكل وثائق مهمة تساعدنا على قراءة تاريخنا الحديث. صدرت هذه الجريدة في عام 1939 بمدينة سلا، من طرف سعيد حجي، الذي نشأ في أسرة علمية وسياسية، وتشرب مبادئ الحركة الوطنية وأصبح أحد الفاعلين الرئيسيين فيها وقاد مجموعة من المبادرات لخدمة الصحافة والثقافة في المغرب، قبل أن يتوفى شابا في الثلاثين من عمره. بدأت رحلة سعيد حجي مع الصحافة في وقت مبكر من حياته وهو في العقد الثاني من عمره، عندما تفتق وعيه الوطني، فبادر مع مجموعة من أصدقائه إلى تأسيس جمعية «الوداد» التي عرفت نفسها بأنها «عبارة عن جماعة من الشباب المغربي، أخذ على نفسه الاستقامة الدينية والأدبية، وتخلق بالدين الإسلامي، وحفظ كيانه الوطني وعمل لنصرة الحق، ونشر الدين والفضيلة والعلم، ووقف حياته لخدمة بلاده»، وأصدر جريدة خطية بنفس الاسم كان يشرف على تحريرها، قبل أن يغادر المغرب للدراسة في الشرق حيث قضى أربع سنوات. ولدى عودته إلى المغرب أسس مطبعة باسم «مطبعة المغرب» وتمكن من إصدار جريدة «المغرب» التي كانت تصدر ثلاث مرات في الأسبوع، قبل أن تتحول إلى جريدة يومية عندما انتقلت إلى الرباط، وأصبح حجي يملك مطبعة جديدة هي «الأمنية» التي كان مقرها بشارع المامونية بالعاصمة. وكانت الجريدة تهتم أيضا بنشر الكتب المتسلسلة ذات الطابع التاريخي المرتبط بالمغرب مساهمة في التوعية، منها «الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب ومدينة فاس «لابن أبي زرع و «المعجب في تلخيص أخبار المغرب» لعبد الواحد المراكشي، كما كانت تضم ملحقا ثقافيا أسبوعيا كان يساهم فيه عدد من الأدباء والكتاب المغاربة. وكانت «المغرب» جزءا من مشروع طموح كان يؤسس له سعيد حجي، فقد كان يريد تأسيس»دار المغرب» لأنه كان معجبا بتجربة «دار الهلال» المصرية التي كانت تصدر عنها مجلة «الهلال» الشهيرة، وذلك لكي تقوم بدور مؤسسة الصحافة والنشر الوطنية في نشر الجرائد والمجلات وسلاسل الكتب في مختلف الحقول والفنون. تبنت «المغرب» الدعوة إلى إسلام ديمقراطي «يجب أن يساند الديمقراطيات»، لذلك كانت تقف إلى جانب الحلفاء في مواجهة بلدان المحور خلال الحرب العالمية الثانية، كما كتب سعيد حجي في العدد 429 ليوم 13 يونيو 1940، وفي ماي من سنة 1940 نشر افتتاحية بجريدته فيها بعد نظر سياسي تشرح بأنه على المدى الطويل سيكون الانتصار لفائدة الحلفاء لكونهم أكثر غنى من قوى المحور, وبأن الاتحاد السوفياتي لا يمكنه سوى أن ينقلب على الألمان. وكانت الصحف المغربية في ذلك الوقت تتعمد في بعض الأحيان مدح بلدان المحور نكاية في فرنسا من باب التكتيك من أجل دفع باريس إلى تطبيق الإصلاحات التي كان الوطنيون يطالبون بها في المغرب. خلال الحرب العالمية الثانية كانت الجريدة تتابع الأخبار الميدانية أولا بأول، إذ كانت الصفحة الأولى مخصصة لوقائع الحرب، كما كانت تكتب افتتاحيات بعنوان «تدابير الحرب» تتطرق فيها إلى الإجراءات التي كان المغرب يقدم عليها بهدف الحيلولة دون التأثيرات السلبية على المغاربة، مثل الافتتاحية الصادرة يوم 20 سبتمبر 1939 بعنوان «تحديد الأسعار» حول الإشاعات المتعلقة بغلاء الأسعار نتيجة الحرب وتوقيف المواصلات البحرية والبرية. وتحت عنوان «لقد قال المغرب كلمته» قالت الجريدة يوم 6 سبتمبر 1939 «قال المغرب كلمته فأعلن متبوعه الأعظم لرعاياه في جميع الأنحاء أن المغرب بجانب فرنسا التي أخذت اليوم أهبتها للدفاع عن شرفها وشرفنا وعن مجدها ومجدنا وعن مستقبلها ومستقبلنا جميعا»، وأضاف سعيد حجي في الافتتاحية قائلا:«إن كل شيء الآن يجب أن يتجه لنصرة المصلحة العليا للأمتين المغربية والفرنسية ويحفظ كيان بلادنا المهدد بشتى الأخطار. ذلك الشعور وهو الذي يقود أبناء المغرب المخلصين إلى العلم في جو من التعاون النزيه والثقة المتبادلة لأداء واجب مقدس نحو الوطن».