الكتب قوة لا يقهرها تعاقب الأزمنة ورفض الأنظمة، ولا اختلاف اللغات وتصارع الانتماءات.. هناك كتب كتبها أصحابها كمذكرات وتحولت إلى ملهمة للثورات، وكتب كانت مصدر شقاء أصحابها في حياتهم، لتصبح هي نفسها مصدر مجدهم وخلودهم.. وأخرى نشرت تنفيذا لوصية الوفاة وأضحت بعد نشرها شهادة ميلاد.. ونحن عندما نختار قراءة ثلاثين منها، فليس لأنها «الأفضل» أو لأنها «الأحسن».. بل لأنها الأكثر تأثيرا في تاريخ البشرية، فمن الدين والفقه، مرورا بالسياسة والاستراتيجية..وصولا إلى العلم والاقتصاد...احتفظت هذه الكتب دوما بوقع عظيم ومستمر في الحضارة والإنسان. أثناء وجوده في سجن لاندسبرغ، أملى هتلر معظم المجلد الأول من كتابه «كفاحي» (بالألمانية: Mein Kampf) -كان عنوانه الأصلي «أربع سنوات ونصف من الكفاح ضد الأكاذيب والغباء والجبن»- على نائبه رودولف هس، وأهدى هذا الكتاب الذي تضمن سيرته الذاتية وعرضا لمذهبه الإيديولوجي إلى عضو الجمعية السرية المعروفة باسم Thule Society، ديتريش إيكارت. تم نشر هذا الكتاب في مجلدين خلال عامي 1925 و1926، وبيعت منه حوالي 240 ألف نسخة ما بين عامي 1925 و1934. ومع نهاية الحرب العالمية الثانية، أصبح كل ألماني، مَهْما كان سنه أو رتبته، يملك نسخة من الكتاب، وتم إقراره في المدارس في مختلف المستويات... في فصل سماه «مفتاح الاشتراكية»، اعتبر هتلر «الاشتراكية الديمقراطية» عقيدة خطيرة وهدامة وربط بينها وبين اليهود، حيث يقول: «أدركت مع الأيام أن أهداف الحركة الاشتراكية الديمقراطية هي أهداف اليهود، كشعب، واليهودية، كدين، والصهيونية، كحركة سياسية قومية».. ويضيف: «عجبت لماذا لا يوجد حزب يتبع أساليب العنف والإرهاب لقطع الطريق عليهم».. وكان هتلر يقصد بهذا الحاجةَ إلى حزب جديد، وهو ما كان له، أي الحزب النازي. وفي هذا الفصل، تكلم هتلر كثيرا عن أصل كراهيته لليهود، محاولا إقناع قرائه بصحة عواطف الكراهية التي يكنُّها لهم، فقد حاول إظهار أنه لا يكرههم إلا لأنهم يستحقون ذلك، وفي ذلك يقول: «في صغري، كنت أعتقد أن يهود بلادي مواطنون، حتى إنني وبخت صديقا لإهانته أحد التلامذة اليهود... وبظهور الحركة الصهيونية وملاحظتي تكتُّلَ اليهود في حي واحد في فيينا، وانقسام اليهود بين مناصرين للحركة ومعادين لها.. اكتشفت أن انقسامهم هذا هو من باب التمويه وتأكدت من أن انقسامهم مصطنَع وأنهم يلعبون لعبتهم في النمسا والعالم كله».. نلاحظ كيف اقتنع هتلر بكون اليهود هم أعداء أمته، ليتحولوا إلى عدوه الأول، بعد توليه زعامة ألمانيا. وفي الفصل ال15، والذي يحمل اسم «القوي قوي بنفسه»، نجده يقسم الشعب الألماني إلى ثلاث طبقات: طبقة سماها «فئة النخبة ذات الميولات الوطنية المتطرفة، وتتحلى بالترفع والإخلاص والشجاعة ونكران الذات»، وفئة تضم «حثالة البشر وتضم الغاوين والأنانيين والخونة».. والفئة الأخيرة هي «فئة تترفع عن مساوئ الفئة الثانية ولكنها لا تتمتع بفضائل الفئة الأولى».. ويعلق «فإذا وصلت أمة إلى الرقي فبفضل الفئة الأولى».. هذه هي ملاحم أعضاء حزبه النازي، الوطنيون المتطرفون.. وأفكار كثيرة ومواقف متعددة يحاول فيها هتلر أن يقدم نفسه على أنه الخادم المخلص والمؤمن بالأمة الألمانية، وأحيانا يقدم نفسه باعتباره المتفهمَ والضحية لكل المؤامرات، وأحيانا المتسامح المناضل الذي لا تهمُّه المناصب ولا المال... النازية: انتهت كدولة واستمرت كفكرة.. كان هتلر يقول دائما إن حرب روسيا هي حربه، فبحلول منتصف شهر شتنبر من عام 1941، نشب أول خلاف بين هتلر وقيادة الجيش تسبب في انهزام ألمانيا أمام الجيش الأحمر الروسي، إذ اجتمع مجلس حرب الجيش الألماني لتقييم الوضع في الجبهة الروسية، ونظرا إلى ما حققه الجيش الألماني، اقترحت القيادة تركيز هجومها على موسكو، خصوصا وأن الجيش الأحمر الروسي مبعثر ومنهار وعاجز عن تجميع قواته، وسيسبب سقوط عاصمة روسيا في يد الجيوش الألمانية انهيارا كاملا لمعنويات الشعب الروسي، لكن هتلر رأى غير ذلك، فحسب رأيه يجب توجيه القوات الألمانية إلى احتلال منطقة «دونباس» الصناعية. انتهى الخلاف باعتماد خطة هتلر، مما سمح للجيش الأحمر الروسي بتجميع قواته في العاصمة الروسية موسكو. أما بالنسبة إلى الجيش الألماني، فقد كان الوضع مأساويا، لأن هتلر ظن أنه سيقضي على الجيوش الروسية، قبل حلول فصل الشتاء، فلم يوفر لجيشه ملابس شتاء تلائم الشتاء الروسي البارد، مما تسبب في وفاة عدد كبير من الجنود بردا.. بالإضافة إلى ذلك، كانت الجبهة الروسية أكبر جبهةِ حرب في تاريخ العالم، حيث كانت تمتد على مسافة 6 آلاف كلم، انطلاقا من مدينة لينينغراد شمالا، وصولا إلى مشارف القوقاز جنوبا، كما نجح الروس في إحراق كل آبار البترول في أوكرانيا وجورجيا، قبل أن يحتلها الجيش الألماني، مما سبب نقصا فادحا في الوقود وصل إلى 60 في المائة. وبدخول الولاياتالمتحدةالأمريكية الحربَ إلى جانب الحلفاء، صار من المستحيل على الجيش الألماني تحقيق نصر نهائي على ثلاث دول تفوقه جيوشها، عددا وعدة. بعد هزيمة الجيش الألماني في معركة موسكو، قام أدولف هتلر بعزل القائد العام ورئيس أركان القوات البرية الألمانية، متهما إياهما بالتقصير والضعف وعدم تطبيق قراراته، وأعلن نفسه قائدا عاما للقوات البرية، مما حرم الجيش الألماني من قائدين عسكريين ذوي كفاءة عالية جدا. بمجرد استلامه القيادةَ العامة للقوات البرية، قرر هتلر توجيه كل قواته نحو الجبهة الروسية، مما زاد من ضعف باقي الجبهات التي يقاتل فيها الألمان. وقد تسبب هذا القرار، لاحقا، في انهيار جيش إفريقيا وسقوط 300.000 جندي ألماني في الأسر، ناهيك عن استسلام المارشال الألماني فون باولوس على مشارف ستالينغراد، في 2 فبراير 1943. كما سقط 120.000 جندي ألماني في الأسر، بينما قتل 180.000 جندي آخرين خلال هذه المعركة... إنها بعض لحظات بداية نهاية الدولة النازية، فقد انتهى المطاف بقادة الحزب النازي إلى الانتحار، مثل رئيسهم أدولف هتلر، وتم تأسيس محكمة في مدينة نورمبرغ، في جنوب وسط ألمانيا، عرفت ب«محكمة نورمبرغ» واستمرت لمدة سنوات لمحاكمة قيادات النازية المتورطين في جرائم ضد الإنسانية وحوكموا محاكمة شكك الكثيرون في نزاهتها ونفذ حكم الإعدام، شنقا، في حق عدد كبير منهم، مثل وليم فرنك وألفون فيريونبرغ وتم تصوير جثثهم بعد عملية الإعدام، وهم عراة.. وكانت عملية الإعدام شنقاً في حق القادة النازيين صباح 21 دجنبر 1946. بعد سقوط الحكم النازي، ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية، عام 1945، أُعلن عن كون الحزب النازي حزباً غير قانوني في ألمانيا، ويمنع استعمال رموزه ونشر أفكاره، ومع ذلك ما يزال كتاب «كفاحي» يشكل اليوم «الكتاب المقدَّس» ل«النازيين الجدد»، الذين اكتسبوا في السنوات الأخيرة شعبية وتوسعا جماهيريا، ليصبح الكتاب ليس فقط بالنسبة إلى لألمان بل حتى بالنسبة إلى تنظيمات هولندية، سويسرية، دنماركية وفرنسية، كتابا للدفاع عما يعتقدون أنه «عرق نقي»!...
أدولف هتلر في سطور بمغيب شمس ال20 أبريل 1889، وضعت كلارا هتلر وليدها أدولف، الذي سيغير وجه الكرة الأرضية عندما يشتد عوده. كان أبوه ألويس موظفَ جمارك بسيطاً، وكان لأدولف 5 أشقاء وشقيقات ولم تكتب الحياة من بين الستة إلا لأدولف وشقيقته «بولا». كان أدولف متعلقا بوالدته وشديدَ الخلاف مع أبيه، مع العلم بأنه ذكر في كتابه «كفاحي» أنه كان يكن الاحترام لوالده الذي كان يعارض بشدة انخراط ولده أدولف في مدرسة الفنون الجميلة، إذ كان أبوه يتمنى لأدولف أن يصبح موظفَ قطاع عام. تمتع أدولف بالذكاء في صباه إلا أنه كان مزاجي الطبع، وقد تأثر كثيرا بالمحاضرات التي كان يلقيها البروفسور ليبولد بوتش، المعادية للسامية والممجدة للقومية الألمانية. في يناير 1903، مات أبوه ولحقته والدته في دجنبر 1907 فأضحى أدولف، ابن ال18 ربيعا بلا معيل، فقرر الرحيل إلى فيينا أملا في أن يصبح رساما.. عكف على رسم المناظر الطبيعية والبيوت، مقابل أجر يسير، وكانت الحكومة تصرف له راتبا، لكونه صغير السن وبلا معيل. تم رفضه من قِبل مدرسة فيينا للفنون الجميلة، مرتين، وتوقفت إعانته المالية من الحكومة.. في فيينا، تأثر أدولف كثيرا بالفكر المعادي للسامية، نتيجة تواجد اليهود بكثرة في تلك المدينة وتنامي الحقد والكراهية تجاههم. وقد دون أدولف في «كفاحي» مقدار مقته وامتعاضه من التواجد اليهودي ومن اليهود، بشكل عام. في شتنبر 1919، التحق هتلر ب»حزب العمال الألمان الوطني»، وفي مذكرة كتبها لرئيسه في الحزب يقول: «يجب أن نقضي على الحقوق المتاحة لليهود، بصورة قانونية، مما سيؤدي إلى إزالتهم من حولنا بلا رجعة»... وفي عام 1920، تم تسريح هتلر من الجيش وتفرغ للعمل الحزبي، بصورة تامة، إلى أن تزعم الحزب وغير اسمه إلى «حزب العمال الألمان الاشتراكي الوطني» أو «النازي» بصورة مختصرة. واتخذ الحزب الصليب المعقوف شعارا له وتبنى التحية الرومانية التي تتمثل في مد الذراع إلى الأمام . بدءا من عام 1924، بدأ الحزب يكتسب جماهيرية واسعة وتكونت خلايا حزبية نازية في الجنوب، ثم توحدت مع المركز في ميونخ، وكان هتلر يحلم بإقامة الدولة العنصرية القائمة على أساس سيادة الجنس الآري وتفوقه. فاز الحزب النازي في انتخابات 12 دجنبر 1929 ودخل البرلمان الألماني، وكان عدد أعضائه 276 من أصل 387 نائبا، وبذلك قويت شوكة الحزب وازداد نفوذه في الدولة الألمانية.. وبتبوء هتلر أعلى المراتب السياسية في ألمانيا بلا دعم شعبي عارم، عمل الرجل على كسب الود الشعبي الألماني، من خلال وسائل الإعلام، تارة، ومن خلال البوليس السري «غيستابو» ومعسكرات الإبادة والتهجير القسري. وبموت رئيس الدولة (هيندينبرغ) في 2 غشت 1934، دمج هتلر مهامه السياسية كمستشار لألمانيا ورئيس دولة.