في الوقت الذي غادرت لجان التفتيش الخاصة، الموفدة من وزارة الداخلية، طنجة وهي محمّلة بملفات ثقيلة في مجال البناء العشوائي، توقعت مصادر مُطَّلعة أن تبدأ قريبا عمليات حصد رؤوس لمسؤولين ومنتخَبين لهم علاقة مباشرة أو غير مباشرة بهذه الخروقات. وقالت مصادر مطلعة إن عتابا قويا وصل من وزارة الداخلية إلى مسؤولين في طنجة، وهو ما دفع إلى عقد اجتماعات للتحذير من مغبة التورط في ملفات البناء العشوائي، وأضافت المصادر أنه يُحتمَل الاستماع لاحقا إلى عمدة طنجة السابق، دحمان الدرهم، الذي جرت أغلب هذه الخروقات في عهده، والذي كان يمنح تفويضات واسعة جدا لنوابه من أجل التوقيع على مختلف أنواع الرخص، خصوصا الرخص المتعلقة بالعقار. كما أشارت نفس المصادر إلى أن الكاتب العام السابق لولاية طنجة، محمد الصفريوي، قد يكون مفيدا للإدلاء بمعلومات حول استفحال البناء العشوائي في عهده. وكان الكاتب العام تم تغييره قبل بضعة أشهر، حيث ألحق بمصالح وزارة الداخلية، في الوقت الذي كان يتوقع ترقيته إلى درجة عامل... وكانت لجان التفتيش المكلَّفة بملفات العقار زارت طنجة مرتين، قبل بضعة أسابيع، وعاينت حالات وصفتها مصادر مطلعة ب«الفظيعة»، وتوجد تلك الخروقات حاليا بين أيدي من يهمهم الأمر في وزارة الداخلية. وكان عامل عمالة فحص -أنجرة قد عقد، من أمس، اجتماعا ضم مسؤولين أمنيين ومنتخَبين، إضافة إلى مسؤولين عن قطاع التعمير في نفس الإقليم، وبحضور وكيل الملك وعدد من أطر وزارة العدل، من أجل مناقشة موضوع البناء العشوائي والمشاكل الأمنية والاجتماعية التي تترتب عنها في هذه العمالة التي تعرف استفحالا كبيرا للبناء العشوائي. وفي الوقت الذي لم يتسنَّ الاطلاع على فحوى هذا اللقاء، فإن مصادر مطلعة أكدت ل«المساء» أن هذا اللقاء يأتي في سياق الدورية المشترَكة بين وزارة الداخلية ووزارتي العدل والتعمير، التي تحث على التنسيق بين الوزارات الثلاث من أجل القضاء على البناء العشوائي ومعاقبة كل المتورطين فيه. ولم تستبعد نفس المصادر أن يكون هذا اللقاء بمثابة «تحضير نفسي» للمنتخَبين وأعوان السلطة لاحتمالات عزلهم قريبا، بسبب تورط عدد منهم في ملفات البناء العشوائي الذي بدأ يزحف أيضا إلى مناطق مختلفة من عمالة فحص -أنجرة. وفي الوقت الذي اجتمع عامل إقليم فحص -أنجرة بالمسؤولين الأمنيين والمنتخَبين للتحذير من مغبة التورط في معضلة البناء العشوائي، فإن سلطات ولاية طنجة ما زالت لم تحرك ساكنا، رغم تقارير لجان التفتيش التي عاينت عددا من المشاريع السكنية التي تشوبها خروقات تقنية وأخرى شُيِّدت بدون رخص، إضافة إلى عشرات الحالات حول عمارات أضيفت إليها طوابق إضافية دون احترام القانون، وعشرات المناطق الخاصة بالفيلات التي تحولت إلى عمارات، ومناطق أخرى كانت مخصَّصة للمدارس أو لإقامة مناطق خضراء، والتي تحولت إلى تجزئات سكنية. وكان من المرتقَب أن يبادر والي طنجة إلى جمع المنتخَبين والمسؤولين الأمنيين والقياد وأعوان السلطة وجميع المتدخلين في مجال التعمير، لدق ناقوس الخطر حول البناء العشوائي، الذي أصبح يشكل 54.5 في المائة من مناطق المدينة، حسب ما أكده وزير السكنى والتعمير والتنمية المجالية، توفيق احجيرة، خلال جوابه على سؤال حول موضوع البناء العشوائي في مدينة طنجة في إحدى جلسات البرلمان. وتقول مصادر من داخل المجلس الجماعي إن البناء العشوائي في طنجة أصبح يتطلب تدخلا صارما من السلطات المحلية وكذلك تدخلا حازما من طرف الإدارة المركزية، لأن الوضع صار يتفاقم بشكل رهيب، حيث إن هكتارات شاسعة امتلأت بالمساكن العشوائية، خصوصا في منطقة «بني مكادة»، إلى جانب مناطق في مقاطعة طنجة -المدينة، كأحياء «الرهراه» و«مسنانة»، وهي مناطق وصفها عمدة المدينة ب«مناطق الأموات»، بعد زيارة قام بها إلى عين المكان، مؤخرا، حيث وقف على حجم المعاناة الإنسانية والاجتماعية في هذه الأحياء.