لم تكن فاطمة أضراب أو «مدام مساعد»، الاسم الذي عرفت به في أوساط رجال الأعمال في مدينة أكادير وفي كل بقاع العالم وبين أرباب معامل تصبير وتصدير السمك، (لم تكن) تتوقع في يوم من الأيام أن ينتهي بها الأمر إلى تهمة سرقة بضعة علب من الأسقمري الموجه للتصدير.. كمية لم يستطع موجه التهمة أن يحدد حجمها، فكانت نهاية 30 سنة من العمل في مجال تصبير وتصدير الأسماك. حكاية امرأة تنقلت بين عواصم العالم لتنقل إليهم السردين المغربي، وبعد أن أشرفت على العديد البحوث الجامعية في مجال التصبير والتصدير، إذا بها تنتهي إلى مخافر الشرطة بتهمة السرقة التي برأتها منها المحكمة مرتين... مجد بالعملة الصعبة كانت البداية في سنة 1980، عندما تولت «مدام مساعد» مسؤولية إدارة شركة معروفة في أكادير، متخصصة في تصبير وتصدير السمك إلى كل بقاع العالم. بعد سنوات من التفاني في العمل، استطاعت خلالها أن تكسب ثقة رب المعمل فأصبحت تشرف على جميع العمليات داخل المعمل وأصبحت تربطها علاقات متميزة بزبناء في كل قارات العالم، تشهد على ذلك بعض الوثائق التي ما تزال تحتفظ بها والتي تكشف أنها رفعت رقم معاملات الشركة من مبلغ 73 مليون درهم من العملة الصعبة سنة 2005 إلى أن بلغ 135 مليون درهم سنة 2008، في وحدة صناعية متوسطة الحجم. أرقام تؤكد ما تتحسر عليه «مدام مساعد» عندما تسترجع السيناريو الذي تقول إنه أُعِدَّ لها من أجل تنحيتها من إدارة الشركة، بعد أن ظهر مسيِّرون جدد من عائلته على الساحة وأصبح تواجدها وإمساكها بزمام الأمور يضايقهم، مما دفعهم إلى التفكير في إزاحتها من الطريق...
شكاية ضد مجهول..
تنبهت «مدام مساعد» إلى وجود بعض العلب من السردين الموجهة إلى التصدير يتم بيعها في الأسواق الداخلية، بعد أن تم إخبارها من لدُن بعض زبناء السوق المحلي عبر الهاتف، بعد أن أخبرتهم في وقت سابق بأن هذا النوع من السمك موجه إلى التصدير وليس إلى التسويق الداخلي، فكانت تخبر المسيرين الجدد داخل الشركة بأن هذه البضاعة تباع في الأسواق الداخلية، بشكل مستمر كلما تقلت أي أخبار في الموضوع. مرت أسابيع عديدة بعد ذلك. تقدم المسيرون الجدد للشركة بشكاية ضد مجهول بشأن السرقة إلى وكيل الملك في المحكمة الابتدائية في أكادير، أشاروا فيها إلى أنهم فوجئوا باختفاء كميات من الأسماك المصبَّرة، بالرغم من إحكام إقفال أبواب المستودع وأن السرقة المشار إليها تحدث يوميا. واستطردت الشكاية في سرد تفاصيل القضية: «..وبعد زيارة تفقدية خلف بناية المعمل، فوجئ المدير العام بوجود آثار لعجلات سيارة، الأمر الذي أثار اندهاشه، خصوصا أن المساحة التي توجد خلف المعمل غير مبنية وعبارة عن ساحة فارغة ولا يمر عبرها أي طريق». وأضاف المدير العام في شكايته أن «أحد المارة بعد أن رآه بعين المكان، صرح له بأنه في صبيحة كل يوم، في حدود وقت الفجر، يرى سيارة تدخل المكان وأن صاحب هذه السيارة يعمد إلى أخذ علب من السردين، بعد أن يقوم بنزع الغطاء القصديري الذي يغطي سطح المخزن».. وذكرت الشكاية أن «عابر السبيل هذا كان يعاين هذه العملية منذ مدة وكان يظن أن الفاعل يقوم بهذه العملية بإذن من أصحاب المعمل». غير أن الشكاية لم تحدد، ولو بشكل تقريبي، الكمية التي تمت سرقتها، بينما أشارت إلى أن السرقة تقع في مخزن واحد وليس في بقية المخازن التي تتجاوز ثلاثة. ليلة القبض على اللص المفترَض.. في نفس اليوم الذي أخبرت فيه «مدام مساعد» ربَّ المعمل باختفاء السلع من مخازن الشركة، أصدر هذا الأخير أوامره إلى بقية المسؤولين من أجل التحري في هذا الأمر. وفي مساء اليوم ذاته، تم استقدام شخص مقيَّد إلى أحد الكراسي ويلبس جلبابا وتم تقديمه داخل الشركة على أنه اللص المفترَض الذي كان يسرق الشركة وتم تقديمه للشرطة من أجل التحقيق معه.. لم يكن الأمر يتعلق بشخص غريب عن الشركة، بل كان السائق الشخصي لرب المعمل في وقت سابق، وظن الجميع أن الأمر قد انتهى عند هذا الحد، وقامت «مدام مساعد» بتهنئة الجميع على القبض على اللص، بمن فيهم المدير العام للمعمل، الذي ظن بدوره أن حكاية السرقة التي يتعرض لها معمله قد انتهت إلى الأبد، لكن اللص قام باتهام شخصين آخرين بالتورط معه، بالإضافة إلى «مدام مساعد»، ليبدأ فصل آخر من التشويق في قصة هذه السيدة...
فصول مثيرة من التحقيق كشفت محاضر الشرطة القضائية، بعد التحقيق مع المتهم الرئيسي، أنه اعترف بالمنسوب إليه وصرح بتورط مستخدَمَيْن آخرين، بالإضافة إلى مديرة التسويق في الشركة. غير أن المستخدَمين المذكورين نفيا مزاعم المتهم الرئيسي، أثناء مواجهتهما معه، خلال مرحلة البحث التمهيدي. كما تم اعتقال «مدام مساعد» وقضت ليلة في مخفر الشرطة، بعد التحقيق معها، بشكل لم تكن تتوقعه، في حين لم يكلف المدير نفسَه عناءَ تفقد أحوالها، لتقضي الليلة مع المشبوهين والمجرمين... الأمر الذي انتهى بالنيابة العامة إلى حفظ الملف، بعد أن ثبت لديها عدم صحة الاتهام، في حين ثبت الفعلُ الإجرامي على المتَّهم الرئيسي، بشكل فردي، من خلال الحكم القضائي الصادر عن المحكمة الابتدائية في أكادير، بتاريخ 14 /12 /2009 في الملف الجنحي التلبسي عدد 1289/2009، القاضي بإدانته والذي تم تأييده من طرف محكمة الاستئناف في أكادير، بمقتضى قرارها رقم 2227، الصادر بتاريخ 09 /02 /2010، في الملف 119 /2010. وصدر الحكم في المرحلة الابتدائية بعشرة أشهر حبسا نافذا تم تخفيضها، في المرحلة الاستئنافية، إلى ستة أشهر.
إعفاء من المهام بالفرنسية وتوقيف بالإنجليزية... راسل المسؤولون في الشركة المعنية بالأمر عبر مراسلتين باللغة الفرنسية تقولان إن «مدام مساعد» تم إعفاؤها من مهمة إدارة التصدير داخل الشركة وتم إشهار ذلك في جريدة «لومتان»، كما راسلوا الزبناء والممونين برسالة باللغة الإنجليزية تفيد بأنه تمت مغادرة الطاقم المسير للشركة. بداية رحلة العذاب تم تحويل «مدام مساعد» من مكتبها إلى قاعة كانت معَدّة أصلا كمختبر، وقام العون القضائي بمعاينة وجود بعض التجهيزات التي تستعمل للتحليلات المخبرية، وعاين انقطاع الماء في الصنبور الوحيد المتواجد في ذلك المكان المهمَل، كما لاحظ وجود مجموعة من أدوات التنظيف (جْفّاف، شطابات..) فالأمر إذن لا يتعلق بمكتب لممارسة مهام الإدارة، بل بمكان مهجور فيه طاولة بلاستيكية متهالكة ولا توجد به أي وثائق أو ملفات يمكن الاشتغال عليها.. كما أن الممر إلى المكان مرتفع بحوالي 80 سنتيمترا بدون درج. في هذا المكان، تم حشر مديرة التسويق في المعمل، بعد أن تم تجريدها من مفاتيح كل شيء ومن هواتفها ومن كل ما يخص الشركة وحتى الحاسوب الشخصي تم العبث بمحتوياته، بل إن العقوبة وصلت إلى سيارتها التي منعها الحارس من ركنها في مرآب الشركة، بل فرض عليها أن تركنها في الخارج...
الإمعان في تعذيب أفراد الأسرة.. لم تقف معاناة «سيدة السردين المصبَّر» -كما يحلو للبعض مناداتها- عند هذا الحد، بل إن بعضهم قام ببعث رسائلَ عبر البريد الإلكتروني إلى ابنتيها اللتين تتابعان دراستهما في الخارج تخبرهما بأن والدتهما متورطة في قضية سرقة وبأنه تم إيداعها السجن، الأمر الذي خلق حالة ارتباك لدى أفراد أسرتها وزاد من معاناتها، وتتساءل «مدام مساعد» عن الدوافع التي كانت وراء مراسلة ابنتيها في شأن لم يكن صحيحا، سوى أن هناك رغبة في الإمعان في تعذيبها وتعذيب أفراد أسرتها معها وإلحاق أكبر قدر من الضرر بها.
شكاية بالوشاية الكاذبة بعد صدور الحكم بالبراءة على «مدام مساعد»، تم إيداع اللص السجن، وبعد سلسلة من المعاناة، تم تقديم شكاية ثانية ضدها، بنفس التهمة، وعلى أساس أنها «العقل المدبِّر» لكل السرقات التي تَعرّض لها المعمل، محاولة رأت فيها «مدام مساعد» أنها خطوة أخيرة من طرف إدارة الشركة، من أجل إبعادها ودفعها إلى تقديم استقالتها والتنازل عن حقوقها. محاولات ظلت معها «مدام مساعد» متحمِّلة ومحتسبة ومؤمنة بعدالة قضيتها إلى أن تم، للمرة الثانية، الحكم ببراءتها وحفظ الملف، بعد أن تمت إهانتها وتشويه سمعتها في صفوف رجال الأعمال الذين لم يصدقوا ما حدث. قامت «مدام مساعد»، بعد ذلك، برفع دعوى قضائية ضد اللص، بتهمة الوشاية الكاذبة، قبل خروجه من السجن، والذي غادر سجنَ تارودانت في بداية شهر يونيو الماضي، بعد أن قضى عقوبة حبسية مدتها ستة أشهر نافذة. معركة انتزاع الحقوق ورد الاعتبار بعد أن تم إغلاق أبواب المعمل في وجهها، وبعد أن تم نقل مكان المعمل وعاين مفوض قضائي عدم وجود محل لممارسة عملها، أكد وجود طرد تعسفي في حقها، مما حذا ب«مدام مساعد» إلى رفع دعوى قضائية من أجل الحصول على حقوقها والتعويضات عن سنوات العمل، بعد رفض المسؤولين داخل الشركة الاستجابة لدعوة مندوبية الشغل في أكادير، وتطالب بفتح تحقيق في الموضوع، لمعرفة الأسباب الحقيقية لهذا السيناريو الذي أصاب سمعتَها في مقتل...