سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
إبراهيم عويس للمساء : «لم نفعل شيئا كعرب من أجل مواجهة اللوبي الصهيوني في أمريكا» الأستاذ في الجامعات الأمريكية قال إنه لا يفهم كيف تم احتلال الجولان..
إبراهيم عويس أستاذ الاقتصاد السياسي الدولي, قام بالتدريس في جامعات أمريكية شهيرة مثل هارفارد وجورج تاون سنوات طويلة وصدر له أكثر من خمسين كتابا في الاقتصاد والسياسة، كما عمل سفيرا لمصر في الولاياتالمتحدة أيام حكم الرئيس السادات سنة 1977. منذ سنوات طويلة، كان عويس من الضيوف المميزين لموسم أصيلة الثقافي الدولي، وهو يشكل خزانا معرفيا وتاريخيا كبيرا، سواء فيما يتعلق بنظرياته الاقتصادية المميزة، حيث كان أول من استخدم مصطلح «البترودولار»، من حيث اطلاعه الواسع على تفاصيل المجتمع الأمريكي وأسرار تفوقه، كما أنه من المدافعين الشرسين عن القضايا العربية والإسلامية في الولاياتالمتحدةالأمريكية. «المساء» التقت إبراهيم عويس في أصيلة، وتحدث عن نظرة الأمريكيين إلى العرب والمسلمين، ووجهة نظره حول احتلال الجولان، وأسرار قوة اللوبي الصهيوني في الولايات متحدة، وتلامذته المميزين في الجامعات الأمريكية، وأشياء أخرى. - كنت من أوائل الطلاب العرب الذين درسوا في الولاياتالمتحدةالأمريكية. كيف وجدت المجتمع الأمريكي؟ لم يكن المجتمع الأمريكي يعرف الشيء الكثير عنا كأمة عربية وإسلامية. لقد حاولت باستمرار، بالمنطق والأرقام والحقائق، فضح الأكذوبة الصهيونية الكبرى التي استطاعت أن تستحوذ على أكبر قوة في العالم وهي أمريكا وتسيرها كما تشاء. لقد انبريت للدفاع عن قضايانا في هذا المضمار، وأنا فخور بما أقدمه، وإن كان ذلك قطرة من محيط، لكن هذه القطرة يمكن أن يكون لها تأثير. - لقد هاجرت إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية قبل أزيد من 50 عاما لإتمام دراستك، كيف كان حال المجتمع الأمريكي آنذاك؟ عندما حصلت على البكالوريوس سنة 1952، أي قبيل ثورة جمال عبد الناصر بحوالي شهر ونصف، عملت كاقتصادي وتقلدت عددا من المناصب حتى وصلت إلى درجة مدير عام إدارة تنفيذ المشروعات بوزارة الصناعة، حيث أوكل إلي التقييم الاقتصادي لكل مشروع يقدم للحكومة حتى يحصل على الضوء الأخضر. وفي نفس الوقت، أي في الخمسينيات، استدعيت كضابط احتياطي في الجولان سنة 1958. - على ذكر الجولان، وبما أنك عملت بها، كيف يبدو لك الاحتلال الإسرائيلي لهذه المنطقة؟ لا يمكن أن أتخيل أن هذه الجولان يمكن أن تؤخذ بالقوة، لأنها عبارة عن مرتفع صعب التضاريس، وخنادقها عالية جدا، وفيها المدافع منتصبة للدفاع عنها، ولا يمكن تسلق هذا الجبل العالي، والتاريخ وحده سيبين كيف ولماذا تم أخذ الجولان. ولأنني عملت في هذه المنطقة، فلا يمكن أن أتخيل أبدا أنها يمكن أن تؤخذ بالقوة. - إذن، ما طبيعة الاحتلال الإسرائيلي للجولان. هل في الأمر سر؟ هناك افتراضات كثيرة من بينها افتراض أنها سلمت من أجل تجنب هجوم أكبر. - لكنها سلمت من طرف من؟ من طرف أصحاب الأرض، إنها منطقة لا يمكن أن تؤخذ عسكريا، ولا بد أن يكون هناك سبب أو أسباب أخرى، والتاريخ سيكشف عن ذلك، وأنا لا أريد أن أتكلم من دون حقائق، وللتاريخ أن يبين حقائقه. - كيف قررت ترك مصر والتوجه نحو الولاياتالمتحدةالأمريكية؟ تركت مصر في 20 فبراير سنة 1960، ووصلت الولاياتالمتحدةالأمريكية في سفينة عابرة للمحيطات بعد حوالي 20 يوما من الإبحار، وذهبت إلى جامعة «ميناسوتا» في مينيابوليس، لنيل الدكتوراه في الاقتصاد، ثم طلبوا مني أن أدرس في نفس الجامعة. وأذكر أنه جاء في شتنبر 1961 إلى جامعة «ميناسوتا» طالب مغربي اسمه محمد بنعيسى، قادما من ثانوية في مصر، بعد أن حصل على منحة للدراسة في الولاياتالمتحدةالأمريكية. ومنذ ذلك الوقت ارتبطنا بصداقة أزلية لا تزال مستمرة حتى اليوم. - في تلك الفترة كان وجود العرب والمسلمين في الولاياتالمتحدةالأمريكية قليلا. كيف تعامل معكم المجتمع الأمريكي، أي كيف اكتشفتموه وكيف اكتشفكم؟ المجتمع الأمريكي مجتمع مفتوح، ويختلف عن المجتمع الإنجليزي المغلق، أو المجتمع الياباني أو الألماني، وهما أكثر انغلاقا. المجتمع الأمريكي مفتوح للجميع، لكني وجدت جهلا غير معقول إزاء الإسلام والعرب. فوسائل الإعلام العربية لم توجه الاهتمام إلى هذا المجتمع الكبير، لذلك فإن المؤسسات الصهيونية وجدت الساحة فارغة وأصبحت تؤثر كثيرا في المجتمع الأمريكي. لقد وجد الإعلام الصهيوني المرمى فارغا لذلك فهو يسجل فيه ما شاء من أهداف. - ما السر وراء قوة اللوبي الصهيوني في الولاياتالمتحدةالأمريكية، هل هو الإعلام فقط أم أن هناك مصادر قوة أخرى؟ لقد اعتمد هذا اللوبي على الإعلام والتعليم. فيهود الولايات لمتحدة الأمريكية تبوؤوا مراكز كبيرة، لأنهم ركزوا على التعليم منذ القرن التاسع عشر. فمهنة هامة مثل الطب مثلا تضم عددا كبيرا من اليهود، هناك الصحافة أيضا، والسينما كذلك لها قوة رهيبة. وفي سنة 2007 كنت أنجزت دراسة بينت أن هناك جهلا رهيبا بالعرب لدى الأمريكيين. مثلا، طرحت سؤالا يقول هل مصر بلد عربي؟، فكانت أغلب الإجابات تقول لا، وأغلب المجيبين كانوا يجيبون بأنه بلد فرعوني. نحن للأسف، في البلدان العربية، لم نوجه إعلاما حقيقيا نحو أمريكا، واقتصرنا على دور السفارات العربية في واشنطن، مع أن واشنطن عاصمة صغيرة وسكانها لا يزيدون عن المليون، بينما مدينة مثل نيويورك يوجد فيها أزيد من 13 مليون نسمة. هكذا ظل التأثير العربي محدودا ومقتصرا على الاتصالات الديبلوماسية. - الأمريكيون يربطون عموما بين العربي وبين النفط، وصورة العربي في نظرهم هي لرجل يرتدي عباءة وعقالا؟ الولاياتالمتحدةالأمريكية تتعامل بمنطق المصلحة أولا وأخيرا، ومصلحتها هي أن تربط علاقات وثيقة مع البلدان المصدرة للنفط. فأمريكا تتوفر على مخزون كبير من النفط، لكنه مهدد بالنضوب، لذلك فإنها تستورد الكثير منه كل عام. لقد كان هناك رجل سياسي عظيم اسمه كليمنصو، وهو فرنسي، قال يوما للرئيس الأمريكي ويلسون، قبل مائة عام، أي عندما كانت هناك بوادر لاكتشاف النفط في إيران إنه «من الآن فصاعدا، كل قطرة نفط ستستخرج، مقابلها ستهدر قطرة دم». معنى ذلك أن أغلب الحروب ستكون في منطقة الشرق الأوسط، وأنا أرى أن خلق إسرائيل في قلب العالم العربي هو جزء من مخطط رهيب لتفرقة العرب والاستحواذ على ثرواتهم الطبيعية. - أنت أول من استخدمت عبارة «البترودولار»، التي حولت إلى مصطلح سياسي واقتصادي قائم الذات إلى اليوم. كيف كان ذلك؟ استخدمت هذا المصطلح حتى أبين بواسطته القضية العربية عموما بمختلف تجلياتها، لأنه بعد ارتفاع أسعار النفط بعد حرب أكتوبر 1973، بدأ اللوبي الصهيوني في الولاياتالمتحدةالأمريكية يروج أطروحة تقول إن العرب سيأخذون أموال العالم. سبحان الله.. وهل العرب هم الوحيدون الذين ينتجون النفط؟ فالنفط ينتج في كل القارات، لذلك انبريت في مختلف المنتديات الدولية للدفاع عن حق منتجي النفط للزيادة في الأسعار. فالشركات الكبرى في أوربا والولاياتالمتحدةالأمريكية كانت هي المسيطرة على النفط في العالم، وكانت البلدان المنتجة تتوصل بحصتها فقط على شكل إتاوة، أي نسبة بسيطة من مبيعات النفط. هذه الشركات كان من مصلحتها أن تستمر أسعار النفط رخيصة وبسعر يقل عن دولارين للبرميل الواحد منذ 1950، وذلك حتى لا يدفعوا نسبة أكبر للبلدان المنتجة. كما أن هذه الشركات كانت تبيع لمصاف مرتبطة بها، لذلك فإن أرباحها تكون كبيرة جدا. وبما أن سعر النفط كان مرتبطا في تقييمه بالدولار، فقد استخدمت مصطلح «البترودولار»، ومن هنا أصبح هذا التعبير مشاعا ومعروفا في العالم كله، وهو تعبير عن الإيرادت النفطية التي تقيم بالدولار. وأنا كنت من الداعين، سنة 1974، إلى ضرورة تقييم سعر النفط بسلة من العملات. - هل القوة الأمريكية نابعة من الداخل، أي من قوتها العسكرية وتسلحها الرهيب، أم من أشياء أخرى؟ أنا أقول إن أضعف ما في أمريكا هي القوة العسكرية، لأن القوة الحقيقية نابعة من إنتاج الفرد الأمريكي. فالمواطن الأمريكي يعمل كثيرا، وهو يعمل 8 ساعات يوميا على الأقل. هناك أيضا الاعتماد على العلم وتقنياته. إن أغلب الحاصلين على جوائز نوبل في مختلف العلوم هم من أمريكا، ومؤسساتهم التعليمية أرقى ما في العالم. كما أن الولاياتالمتحدة لديها مصادر طبيعية كبيرة جدا سواء من المياه والأنهار الكثيرة والشلالات وعدد كبير جدا من البحيرات، وكل هذه الموارد تستخدم للري وإنتاج الطاقة والسياحة. كما تتوفر على مخزون هائل من الفحم، من الممكن ألا يستنفد قبل مائتي عام، وهناك اليوم وسائل متطورة جدا لاستخدام الفحم بطرق لا تضر بالبيئة. إن الولاياتالمتحدة ليست مجرد بلد، بل إنها قارة، وهناك اختلاف طبيعي وزمني كبير بين مناطقها. وربما هذا ما يجعل الأمريكيين يجهلون كثيرا باقي العالم، لأنهم يعتبرون بلدهم عالما في حد ذاته. أمريكا، إذن، قوية بزراعتها وصناعتها وتكنلوجياتها، والجانب العسكري جزء بسيط من هذه القوة. - تلامذتك في الجامعات الأمريكية كثيرون، بينهم رؤساء دول وملوك ورؤساء حكومات، من بينهم الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون؟ بيل كلينتون، ومنذ أن كان طالبا عندي في جامعة جورج تاون، فهو مهتم دائما بالسياسة. لقد دخل انتخابات ممثلي الطلاب في الجامعة واكتسح الجميع. لقد كانت عنده فعلا شخصية قيادية منذ ذلك الوقت. وبالإضافة إلى ذلك فقد كان طالبا مجتهدا، ومنذ ذلك الوقت وحتى اليوم توطدت بيننا أواصر الصداقة والاحترام، وهذا الاحترام مستمر حتى اليوم. وخلال رئاسته للولايات المتحدةالأمريكية وصلتني منه أربع عشرة رسالة، بعضها مكتوب بخط اليد. والكتاب الذي أكتبه الآن عن تاريخ حياتي يهتم أيضا بهذا الجانب. كان لدي أيضا طلبة آخرون، من بينهم رئيسة الفلبين أرويو، التي كانت تدرس في جامعة جورج تاون. هناك أيضا ولي العهد الإسباني فيليبي دي بوربون، ورئيس الوزراء اللبناني الحالي سعد الحريري. وقبل بضعة أسابيع كان هناك احتفال في جامعة جورج تاون، وعندما دخل القاعة رئيس الوزراء اللبناني ورآني، توجه نحوي وقبلني باحترام كبير.