اختار نبيل بنعبد الله، بمجرد وصوله إلى الأمانة العامة لحزب التقدم والاشتراكية، أن يكون أول بلاغ سياسي يصدره الحزب ضد «المساء». وهي إشارة ذات دلالة كبيرة تفيد، في ما تفيد به، أن الرجل، رغم الصورة الكاذبة التي يريد إعطاءها عن انفتاحه على الصحافة، يخفي داخل صدره حرجا كبيرا من السلطة الرابعة. وسبب غضبة الفتى نبيل من «المساء» هو كونها تجرأت على النبش في خفايا أرقام الصفقات الهندسية التي تم تفويتها إلى شقيقه المهندس فكري بنعبد الله داخل وزارة الاتصال التي يسيرها منذ حكومتين وزيران ينتميان إلى حزب التقدم والاشتراكية. حسب الفتى نبيل، ما نشرناه بخصوص هذا الموضوع يعتبر -حسب بلاغ الحزب وملحقه الحزبي كريم التاج في وزارة الاتصال، الذي يشغل أيضا منصب عضو في الديوان السياسي لحزب نبيل- مجرد كذب وافتراء واتهامات باطلة، و«صوتا نشازا في وقت أجمعت فيه أوساط رسمية وسياسية وشعبية واقتصادية واجتماعية على عدم قول أي سوء في حق الحزب بعد نجاح مؤتمره الأخير». وليسمح لنا «الرفيق» نبيل بأن نكون ذلك الصوت النشاز الذي يغرد خارج هذا الإجماع السياسي والشعبي والاجتماعي والاقتصادي والرسمي، لا لكي نقول السوء في حق الحزب وقائده، بل لكي ننتقده ونراقبه ونحاسبه. وإذا كانت جرائد أخرى قد قررت توقيع هدنة مع الحزب بعد وصول نبيل إلى كرسي زعامته، فليسمح لنا «الرفيق» بأن نقول له إننا في هذه الجريدة غير معنيين بهذه الهدنة لا معه ولا مع غيره من قادة الأحزاب السياسية، سواء كانوا في الأغلبية أو في المعارضة، فهذه الجريدة مهرة جامحة، ظهرها أملس، وكل من يحاول الركوب عليها تطرحه أرضا. كما ليسمح لنا بأن نوضح له، كما لقرائنا الكرام، أن ما نشرناه ليس فيه أي كذب أو افتراء، وإليكم الدليل. عندما كتبنا أن المهندس فكري بنعبد الله، شقيق نبيل بنعبد الله، كان يشرف على إنجاز تصميم إعداد الطابق الرابع لوزارة الاتصال في الفترة التي كان فيها شقيقه وزيرا، فإننا لم ننطلق من فراغ. ورغم أن بلاغ الوزارة يتحدث عن إسناد الصفقة الهندسية إلى مكتب هندسة باسم مهندسين آخرين، فإنه لا أحد في الوزارة يستطيع أن ينفي أن المشرف الحقيقي على تتبع الأشغال الهندسية في الطابق الرابع على عهد الوزير نبيل بنعبد الله كان هو شقيقه فكري بنعبد الله، وإلا فماذا كان سبب الحضور شبه الدائم للمهندس فكري داخل ردهات وزارة الاتصال. سيقول قائل إن الرجل كان يأتي لصلة الرحم مع شقيقه الوزير. وسنقول له «الله يعشر الخطوات»، سوى أن شقيقه لم يكن مكتبه موجودا في تلك الفترة بوزارة الاتصال وإنما في فيلا صغيرة بزنقة بني ملال بمنطقة حسان تحولت اليوم إلى «فيلا الفنون». هذا من جهة. ومن جهة ثانية، فعندما يتحدث بلاغ الديوان السياسي للتقدم والاشتراكية عن صفقة إعداد وتهيئة الطوابق الأربعة لوزارة الاتصال ومنح هذه الصفقة لمقاولة خاصة في البناء بصفة قانونية في إطار طلب عروض عمومي، فإنه يظهر كمن يريد أن يقنع الناس بأن السماء زرقاء. فالجميع يعرف أن صفقة البناء يقوم بها مقاول فاز بالصفقة قانونيا. المشكلة يا سادة أننا لا نتحدث عن البناء وإنما عن إنجاز الدراسات الهندسية وتتبع الأشغال، وهي الصفقة التي فاز بها المهندس فكري بنعبد الله، شقيق نبيل بنعبد الله. تعليل بلاغ الوزارة لإسناد صفقة تهيئة وتصميم إلى مهندس ما دون المرور عبر مسطرة طلبات العروض، هو كون هذا الاختيار تحدده شروط خاصة تنظمها دورية رسمية، وأن اللجوء إلى تنظيم مباراة لانتقاء أحسن التصاميم لا يكون إلا عندما يتعلق الأمر بالمشاريع الوطنية الكبرى. سنقول آمين لهذا التعليل. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: لماذا لم يرْسُ اختيار الوزارة لإنجاز تصميم طوابقها على مهندس آخر غير شقيق نبيل بنعبد الله؟ هل اختيار هذا الاسم تحدده بدوره دورية رسمية لم نسمع بها من قبل؟ ولكي يغطي بلاغ وزارة الاتصال -الذي دبجه «الرفيق» التاج، عضو الديوان السياسي للتقدم والاشتراكية، دفاعا عن أمينه العام في الحزب- على تعارض المصلحة الواضح هذا، لجأ إلى تقديم صفقة بالملايير لإعادة بناء وتصميم مقر وزارة الاتصال كما لو كانت صفقة مربحة بالنسبة إلى خزينة الدولة. وحسب البلاغ، فاختيار الوزارة تهيئة مقرها الحالي، الذي كان في الأصل مقرا لجريدة «الأنباء»، عوض اقتناء مقر جديد بشارع النخيل كما كان مقررا، مكن خزينة الدولة من توفير مبلغ قدره أربعة ملايير سنتيم. يعني عوض أن ننتقد إعطاء اللجنة المالية لوزارة الاتصال، التي يسيرها أعضاء في التقدم والاشتراكية، صفقةَ إعداد التصاميم وتتبع الأشغال لشقيق الأمين العام لحزبهم، فإنه كان أجدر بنا أن نشكر للرفاق حرصهم على توفير هذه الأموال لخزينة الدولة بسبب اختيارهم تهيئة مقر جريدة «الأنباء» عوض بناء مقر جديد بأربعة ملايير. «مقر ديال الأممالمتحدة هاذا مابقاش مقر ديال وزارة». أما التعليل الثالث والمضحك حقا، فهو ذلك المتعلق بصفقة إنجاز التصاميم الخاصة بإنشاء «معهد مهن السينما والسمعي البصري» التابع لوزارة الاتصال فوق قطعة أرضية توجد خلف مقر الوزارة. وعوض أن يقول بلاغ قسم التواصل الخارجي لحزب للتقدم والاشتراكية للرأي العام إن المهندس الذي حصل على صفقة إعداد التصاميم وتتبع البناء الخاص بهذا المشروع الضخم، والذي تشارك فيه عدة جهات حكومية، ليس شخصا آخر سوى فكري بنعبد الله، شقيق الرفيق نبيل بنعبد الله مجددا، فقد فضل كاتب البلاغ أن يتوسع في شرح «الاعتبارات الموضوعية والقانونية والتقنية التي تتمثل في كون مشروع هذا المعهد يوجد فوق القطعة الأرضية نفسها التي يوجد بها مشروع إعادة تصميم وبناء الطوابق الأربعة لوزارة الاتصال». وهكذا، نعود مجددا إلى سماع الأسطوانة المشروخة حول الحرص على ترشيد إنفاق المال العام، فمادام المشروعان يوجدان فوق أرض واحدة، فلا ضرورة، إذن، لإسناد كل مشروع إلى مهندس مختلف. ولذلك، فإن عباقرة التقدم والاشتراكية داخل وزارة الاتصال لم يبد لهم ضروريا فسح مجال المنافسة أمام مهندسين آخرين للفوز بصفقة إعداد تصاميم المعهد، واكتفوا بتطبيق منطوق المثل المغربي الذي يقول «زيد الشحمة فظهر المعلوف»، وأعطوا صفقة إعداد تصاميم «معهد مهن السينما والسمعي البصري» للمهندس المحظوظ فكري بنعبد الله، شقيق أمينهم العام في الحزب نبيل بنعبد الله. وكفى الله المهندسين شر التقاتل على الصفقات. يا «رفاقنا» الأعزاء، نحن معكم عندما تتحدثون عن الحرص على التدبير الجيد للمال العام، لكن اشرحوا لنا من فضلكم السر في كون كل هذه الصفقات الهندسية ترسو على شخص واحد، هو شقيق أمينكم العام في حزبكم الموقر. نريد أن نفهم هذا اللغز. فنحن لا نملك قدراتكم الفذة في تحليل عمق الأشياء ومراميها وإسقاطاتها المستقبلية على رخاء البلد ونمائه. ولذلك، نرجو أن تتكرموا وتتواضعوا وتشرحوا لنا سر كل هذه المصادفات العجيبة التي تجعل اسم شقيق أمينكم العام في الحزب يظهر في المشاريع الهندسية للوزارة التي يسيطر أعضاء الديوان السياسي لحزبكم على كل دواليبها. إن الأخلاق السياسية للنبلاء لا تسمح لهم بالانزلاق وراء قشور موز رخيصة مثل هذه التي داسها نبيل بنعبد الله وورط معه حزبه في الانزلاق فوقها. عندما نكون وزراء أو أمناء عامين لأحزاب يجب أن نعطي المثل في الابتعاد عن الشبهات والصفقات التي تورطنا في «تعارض المصلحة». لكن، يبدو أن نبيل بنعبد الله بطل أولمبي في رياضة «تعارض المصلحة». وعندما نرجع خطوتين إلى الخلف، وبالضبط خلال الفترة التي كان فيها الرجل وزيرا للاتصال، سنكتشف أنه عندما استحوذ على منصب رئيس مهرجان تطوان السينمائي، لم يتردد في منح مهرجانه دعما بقيمة 150 مليونا بموافقة المركز السينمائي المغربي الذي كان نبيل يشغل منصب رئيس مجلس إدارته ويجبر الصايل على حضور اجتماعاته في مكتبه الوزاري. وربما يقول قائل إن هذا الدعم طبيعي وعادي، تعودت وزارة الاتصال على صرفه لمثل هذه المهرجانات السينمائية. ما ليس عاديا هو أن نبيل، الوزير، صرف 150 مليونا لنبيل، رئيس مهرجان تطوان السينمائي. كيف يعقل أن يعطي آمر بالصرف في الوزارة منحة مالية لمهرجان يتحمل فيه كذلك مسؤولية الآمر بالصرف. أليس هذا قمة تعارض المصلحة conflit d'intérêts. ثم أليس من المستهجن، سياسيا وأخلاقيا، أن يستمر أمين عام لحزب سياسي في رئاسة مهرجان سينمائي، مع ما يطرحه هذا الجمع بين المسؤوليتين من إمكانات واسعة لاستعمال الفن في السياسة من أجل تلميع الصورة بأموال دافعي الضرائب. خصوصا إذا عرفنا أن نبيل عين على رأس الكتابة العامة للمهرجان «رفيقه» في الحزب سعد الحصايني الذي يتصرف في مالية المهرجان وموارده ومصاريفه. هذا بالنسبة إلى الرد على ما اعتبره بلاغ حزب التقدم والاشتراكية وبلاغ وزارة الاتصال أكاذيب وافتراءات «المساء». أما بخصوص السب والشتم والقذف الذي كتب وقيل على لسان هؤلاء في منابر وجرائد مختلفة، فإن وقتنا وأخلاقنا لا تسمح لنا بالرد عليه. ويكفي أن نتساءل مع الرفيق نبيل بنعبد الله: إذا كان يعتبر صحافيي «المساء» أشباه صحافيين، هم الذين تحتل جريدتهم رأس قائمة المبيعات منذ ثلاث سنوات بأكثر من مائة ألف نسخة يوميا (أنظر الصفحة الثانية)، فماذا يمكن أن نسمي صحافيي الجرائد التي لا تبيع أكثر من 300 نسخة في اليوم، وعلى رأسها جريدة حزبه التي لم تنفع معها المقويات ولا المنشطات ولا حتى المهيجات. إننا لنأسف لأن حزبا بحجم وتاريخ التقدم والاشتراكية سقط بين أيدي هؤلاء القراصنة الجدد الذين أصبحوا يوظفونه للدفاع عن مصالحهم ومصالح أفراد عائلاتهم، عوض الدفاع عن أموال المؤسسات العمومية التي تتعرض يوميا للنهب. إنها سابقة سياسية في المغرب أن يكون أول بلاغ يصدره الأمين العام الجديد لحزب سياسي موجها ضد جريدة لم تفعل غير التساؤل عن لغز وجود اسم شقيق الأمين العام للحزب في مشاريع هندسية لوزارة يسيرها رفاقه في الديوان السياسي للحزب نفسه. هل بسبب هذا التساؤل تستحق «المساء» أن يهددها الحزب بتنظيم وقفة احتجاجية أمام مقره؟ «أسيدي مرحبا، غير تعالاو، نجيبو ليكم أتاي ونديرو ليكم التغطية»، مادامت التعرية لا تروق لكم كثيرا.