الناصرية الجزائر. لم يكن من الممكن قبل سنوات قليلة اجتثاث المتمردين الجزائريين كلهم، فقد كانوا يختبئون في الكهوف والغابات التي تحيط بهذه المدينة الجبلية الصغيرة. كانت معركتهم الوطنية ضد الجيش الجزائري تبدو خاسرة. «لم نكن نملك ما يكفي من الأسلحة»، يتذكر مراد خطاب، 34 سنة، مناضل سابق برتبة «ليوتنان»، ويضيف: «ولم يكن الشعب يريد الانضمام إلينا. أما المال فلم نكن نملك ما يكفي منه». حينها، أرسل قائد الجماعة، وهو مجاز في الرياضيات اسمه عبد المالك دوركدال، رسالة سرية إلى العراق نهاية عام 2004، ولم يكن المرسلة إليه الرسالة أحدا آخر غير أبي مصعب الزرقاوي، زعيم القاعدة في بلاد الرافدين. وهكذا أصبح الرجلان اللذان ينتميان إلى الطرفين المتقابلين من العالم العربي ملتزمين بقضية واحدة في إطار ما يمكن أن يصفه أي ملاحظ بالإتحاد. اليوم، وبينما تراجع العنف الإسلامي في عدد من مناطق العالم، أصبح المقاتلون الجزائريون – الذين باتوا يسمون القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي- يشكلون أحد أقوى فروع تنظيم أسامة بن لادن، حيث تتجلى قوتهم في استقطاب مقاتلين جدد وفي حماسهم الكبير تجاه مهاجمة أهداف غربية. لقد تطورت معاركهم ضد القوات الجزائرية، والتي كانوا يستعملون فيها المسدسات والبنادق، إلى هجمات انتحارية يستعملون فيها شاحنات محملة بالمتفجرات يستهدفون بها مواقع استراتيجية مثل مكتب الأممالمتحدة في الجزائر العاصمة، واختطفوا وقتلوا سياح أوربيين، معتمدين في ذلك على توسع نفوذهم في شمال إفريقيا. وفي الشهر الماضي، رفع المقاتلون الإيقاع بتنفيذ سلسلة من الهجمات في عملية ذكرت الناس بهول ما كان يحدث في العراق. وضعوا قنبلتين خارج محطة للقطار شرق الجزائر العاصمة، حيث تم ضبط توقيت القنبلة الثانية لكي تنفجر بين من سيلتحقون بالمكان لمواجهة حالة الطوارئ. انفجرت القنبلة الأولى فقتلت مهندسا فرنسيا وسائقه، أما الثانية فلم تنفجر. تحول الجماعة من مقاومة وطنية إلى قوة تابعة للجهاد العالمي ما هي إلا صفحة من أجندة مخططات السيد أسامة بن لادن، والتي تقول بتوسيع نفوذه من خلال تجنيد المقاتلين المحليين تحت جناح «ماركة» تنظيم القاعدة. لقد زودت الجماعة الجزائرية القاعدة بمئات من المقاتلين المتمرسين، بالإضافة إلى علاقة محتملة مع المناضلين الذين يعيشون في أوربا. وخلال العشرين شهرا الماضية، تم في إسبانياوفرنسا وسويسرا وإيطاليا إلقاء القبض على مشتبه فيهم منحدرين من أصول شمال إفريقيا، وذلك بالرغم من أن صلاتهم بالجزائريين لم تكن دائما واضحة. قصة الجماعة من الداخل تم تجميع أطرافها من خلال عشرات الحوارات مع مقاتلين ومع مسؤولين في المخابرات، الجيش والهيئات الدبلوماسية، والتي تبين أن قرار المقاتلين الجزائريين الالتحاق بتنظيم القاعدة كانت وراءه أسباب عملية وأيضا الأخطاء العالمية التي ارتكبت بعد أحداث الحادي عشر من شتنبر. السيد دوركدال تحدث عن دوافع دينية وراء التحام جماعته بتنظيم القاعدة، وهناك مقاتلون قالوا إن نعت واشنطن لتنظيمهم الجزائري بعد أحداث الحادي عشر من شتنبر بأنه تنظيم إرهابي -رغم أن هناك تصنيفا وضعه بعض خبراء الحكومة الأمريكية نعتهم بأنهم « ثورة محلية»- كان له وقع تحويل الجماعة إلى عدو للولايات المتحدةالأمريكية. «إذا كانت حكومة الولاياتالمتحدةالأمريكية ترى أن حربها ضد المسلمين مشروعة، فما الذي يجعلنا نؤمن بأن حربنا ضد أراضيها غير مشروعة»، يقول السيد دوركدال في تسجيل صوتي على كاسيت، كجواب عن لائحة من الأسئلة طرحتها «نيويورك تايمز»، والتي يبدو أنها كانت أول اتصال له بصحافيين. «يجب أن يعرف الجميع أننا لن نتردد في استهدافها متى ما استطعنا وأينما وجدت على وجه الأرض»، يقول دوركدال. وقد بينت حوارات مع مسؤولين أمريكيين وأوربيين وعرب وقائد سابق برتبة «ليوتنان» في تنظيم القاعدة أن في بلاد المغرب الإسلامي عوامل انتهازية لعبت دورا مهما في توسع الجماعة. كانت ملاحقة الحكومة الجزائرية الطويلة للثوار الجزائريين قد أوشكت على سحق الجماعة، يقولون مسؤولون رسميون. وكانت الجماعة في حاجة إلى مباركة القاعدة من أجل الحصول على المال ومن أجل تحويل وضعهم من خارجين عن القانون إلى جماعة إسلامية. حرب العراق أيضا اجتذبت عددا من خيرة مقاتلي الجماعة الجزائرية، كما قال خطاب، أحد المقاتلين الذي درب جزائريين في العراق من أجل الالتحاق بالزرقاوي. كان ينظر إلى معانقة الجهاد العالمي على أنها وسيلة للحفاظ على عدد أكبر من هؤلاء الرجال تحت سيطرة الجماعة الجزائرية ولتجنيد مقاتلين جدد. ويحكي قيادي كبير سابق داخل الجماعة الجزائرية أنه في مارس 2004، نفذت عملية عسكرية أمريكية لإلقاء القبض على أحد أهم مندوبي الجماعة، بعد ذلك بأشهر ذهب دوركدال إلى الزرقاوي لكي يطلب منه أن يعمل على إطلاق سراح الرجل، فاستغل الزرقاوي الفرصة لإقناع دوركدال بأن بإمكان القاعدة أن تعيد الحياة إلى عملياته. وتماما كما تمكنت قيادة القاعدة من إعادة بناء نفسها في مناطق القبائل غير الخاضعة للحكومة في باكستان، فإن القاعدة في شمال إفريقيا تشرف حاليا على معسكرات تدريب صغيرة لفائدة مقاتلين من المغرب وتونس، بل أبعد من ذلك، من نيجيريا كما ذكرت وزارة الداخلية الأمريكية ودوركدال نفسه. وقد صنفت وزارة الداخلية الأمريكية شهر أبريل المناطق القبلية والقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي كأسخن نقطتين في تقريرها السنوي حول الإرهاب العالمي. ويمكن الشعور بالتهديد الإرهابي بشكل أكبر في أوربا، وخاصة في فرنسا التي حكمت الجزائر لأكثر من 132 سنة إلى غاية عام 1962، والتي تعتبر أكبر شريك تجاري للحكومة الجزائرية. التوسع في أوربا في دجنبر الماضي، ألقى مسؤولون فرنسيون القبض على ثمانية من ضواحي باريس وحجزوا أجهزة كمبيوتر وأجهزة إلكترونية وأجهزة تحديد الإحداثيات عالميا وهواتف نقالة وأجهزة لصنع الأسلحة وعشرين أو ثلاثين ألف أورو. وقد قال المحققون إنهم يعتقدون أن الرجال، الذين كانوا يحملون جوازات سفر جزائرية وفرنسية، كانوا يرسلون إعانات لوجستيكية لدعم هجوم في الجزائر. وسواء ساهمت هذه العملية في الوصول إلى حقائق ثابتة، لأن ستة من المقبوض عليهم قد تم إطلاق سراحهم، فإن المحققين يقولون إن المقبوض عليهم كانوا أول خيط ملموس يحصلون عليه ويربط بين فرنسا والقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. وقد قالت الشرطة الإسبانية إنها اكتشفت شيئا مشابها شهر يونيو، عندما ألقت القبض على ثمانية رجال جزائريي المولد بشبهة تقديم الدعم المالي واللوجستيكي للجماعة الجزائرية. ويقوم عدد من المحققين الأوربيين بدراسة حالة مجموعة من التونسيين على علاقة مزعومة بعمليات القاعدة في شمال إفريقيا، والذين يتهمون بتسيير وتمويل خلية تمتد من باريس إلى ميلانو. ورغم رغبتها في تنفيذ هجوم في أوربا وباقي أنحاء الغرب، إلا أن المحققين يرون أن لا شيء يثبت أن فرع القاعدة في شمال إفريقيا يصدر مقاتلين وإمدادات من أجل تنفيذ هجوم محتمل. ورغم أن الحكومة الجزائرية كانت دائما شريكا تجاريا للغرب، إلا أنها كانت حليفا متهاونا في جهود الغرب لمكافحة جماعة القاعدة. وحسب مسؤولين أمريكيين في السلك الدبلوماسي وفي الاستخبارات، فإن المسؤولين الجزائريين قد رفضوا أن يطلعوهم على معلومات حيوية حول تفجير مكتب الأممالمتحدة، كما رفضوا إعطاء أسماء أولئك الذين أفرجوا عنهم من سجونهم. وقد فتح مكتب التحقيقات الفيدرالي مؤخرا في الجزائر في محاولة لتقوية وتحسين مستوى تبادل المعلومات بين الجزائروالولاياتالمتحدة وأيضا فرنسا. يقول توماس فوسنتيس، مدير العمليات الدولية في الإف بي آي: « نريد أن نجعلها مثل عائلة كبيرة». ولا يزال التوتر بين الحكومة الجزائرية وشعبها مستمرا، فقد تنصلت الحكومة من وعودها بأن نتفق أكثر فأكثر من أموال الثروة الطاقية في الجزائر لفائدة الشباب العاطل عن العمل والذي يعتبرون المرشحين الأقوى للالتحاق بتنظيم القاعدة، وذلك حسب محللي المخابرات الأمريكية. من جهتها، تقلل الحكومة الجزائرية، التي رفضت أن تدلي بتصريحاتها في هذا المقال، من خطورة التهديد. وقال الرئيس بوتفليقة لرويترز في مارس الماضي: لقد تغلبنا على الإرهاب رغم كونه ذا طابع متشتت إلا أننا نواجهه بكل قوانا»، غير أن هناك دليلا جديدا على أن زعماء القاعدة يتوفرون في قدرات كبيرة في فرعها بشمال إفريقيا. وقد وقعت بين أيدي عملاء المخابرات رسالة أخرى هذه السنة بين المقر الرئيسي وبين فرع الجزائر، فحسب مسؤول مخابرات ألماني كبير، أرسل الظواهري إلى دوركدال رسالة سرية يقول له فيها إن رسوما دانماركية مثيرة للجدل تسخر من النبي محمد (ص) قد نشرت، وطلب من دوركدال أن يساعد في الانتقام للرسول (ص). عن نيويورك تايمز