أجرت جريدة le Monde الفرنسية، في عددها 20344 (10 يونيو 2010)، حوارا شيقا مع الباحث Pascale BONIFACE حول كرة القدم والأبعاد الجيوسياسية التي تحظى بها هذه اللعبة. وهو الحوار الذي دار حول السمات السياسية التي جعلت من كرة القدم وبالأخص من مؤسسة الفيفا (الفيدرالية الدولية لكرة القدم) جهازا للقرار الرياضي والجيوسياسي أقوى من قرارات هيئة الأممالمتحدة نفسها. أجرى الحوار كل من Simon Roger والصحفية Isabelle Talès . - تحتل كرة القدم موقعا رياديا فوق الرقعة الرياضية للعالم. ألم يحن الوقت لتحليل وتمحيص هذه السيطرة؟ لكي تبقى كرة القدم عنصرا محوريا داخل المجتمع، والاحتفاظ بمكانتها كلعبة أولى في العالم، لا يجب عليها أن تكتفي بإعادة إنتاج ما هو كائن وموجود، بل عليها الاستمرار في التوجه إلى الأمام (والإبداع)... قبل 20 سنة، كانت الصورة المرتبطة بمسيري الفيدراليات الرياضية هي صورة المتسلطين والديكتاتوريين. اليوم، ولأن وسائل ووسائط الاتصال تطورت، ولأن آليات المعارضة والقوى المضادة احتدت وتفتقت هي أيضا، فإننا نرى اليوم أن Michèle PLATINI (رئيس الاتحاد الأوربي لكرة القدم) والسيد Stepp BLATTER (رئيس الفيدرالية الدولية لكرة القدم) والسيد Jean Pierre ESQUALETTE (رئيس الفيدرالية الفرنسية لكرة القدم)، قد وصلوا جميعا إلى درجة من القناعة والوعي بأنه ولكي يستمروا كرؤساء محترمين، يستوجب على كرة القدم نفسها أن تظل محترمة. ولكي لا يحدث أفول لمملكة الكرة، كما أفلت إمبراطوريات عديدة من قبلها، عليها الحذر والانتباه إلى تقويم وتحسين أساليب هيمنتها. - هل يمكن اعتبار الفيدرالية الدولية لكرة القدم FIFA دائرة من دوائر السلطة السياسية في العالم؟ بصراحة، عندما تخرج الفيفا بقرار ما، يتم احترامه والامتثال له أكثر من قرارات هيئة الأممالمتحدة، والتي في كثير من النزاعات والتطاحنات يتم الدوس على قراراتها ودهسها تحت أقدام المعارضين والمتحفظين. لقد تحولت الفيفا، التي تعتبر هيئة دولية للتقنين والتقرير، إلى هيئة ذات سلط حقيقية تمارسها على جميع المنخرطين والمنضوين تحت لوائها. وبالفعل استطاعت الفيفا القيام بشيء عجزت هيئة الأممالمتحدة عن القيام به، وهو أن تجمع داخل هياكلها إسرائيل وفلسطين... الصين وتايوان. - هل يمكن اعتبار تنظيم كأس العالم الحالية بجنوب إفريقيا حدثا سياسيا متميزا؟ إنه قرار سياسي مزدوج، فعلى الرغم من اتخاذ قرار تنظيم دورة 2006 بألمانيا في آخر لحظة، فإن السيد بلاتر ما فتئ يؤكد على ضرورة تنظيم كأس العالم بإفريقيا بالرغم من صعوبات محدودية التجهيزات الأساسية والصعوبات المرتبطة بتدبير الأمن وإنجاح التنظيم (هذا أول بعد سياسي). وبعد الحسم في اختيار إفريقيا، فإن قرار تنظيمها بجنوب إفريقيا بالضبط يعد في حد ذاته رسالة سياسية ثانية. هناك بطبيعة الحال دواع اقتصادية بحثة وراء هذا القرار، باعتبار دولة جنوب إفريقيا أحد أكثر البلدان الإفريقية تقدما، لكن المغرب مثلا (وهي دولة كانت مرشحة لتنظيم كأس العالم 2010) كانت تتوفر على ملف أفضل. هناك ثلاث شخصيات سياسية وازنة رجحت كفة اختيار جنوب إفريقيا لاحتضان كأس العالم: نيلسون مانديلا مرفوقا بشخصيتين حازتا معا على جائزة نوبل للسلام وهما السيد فريديريك دوكليرك والسيد ديموند توتو. واختيار جنوب إفريقيا جاء في النهاية بمثابة مكافأة للمسار السياسي للسيد مانديلا ولبلاده. - هل هي نفس العوامل السياسية التي كانت وراء ترشيح اليابان وكوريا الجنوبية لتنظيم كأس العالم 2002؟ نعم، هنا أيضا كان التخطيط السياسي واضحا. اختيار آسيا كأرض استثمارية جديدة للتوسع الكروي؛ استهداف العمل باستراتيجية التنظيم الثنائي بين أكبر اقتصاد بالمنطقة (اليابان) مع الدولة الأكثر إحرازا من الناحية الكروية الآسيوية (كوريا الجنوبية)؛ دفع الدولتين إلى العمل والتنسيق معا بالرغم من التاريخ المؤلم الذي يربطهما. لكي نكون واقعيين فكرة القدم لا تملك عصا سحرية، حيث لم يفلح كأس العالم 2002 في محو وتضميد كل جراح التاريخ بين اليابان وكوريا الجنوبية، لكن الأناشيد الكورية لم تعد مطلقا محظورة باليابان، وقد سقطت أحكام مسبقة كثيرة بينهما. ويمكن اعتبار مونديال 2002 من ضمن الأسباب القوية الإضافية وراء حصول تقارب بين الدولتين. - هل انتشار لعبة كرة القدم بآسيا هو في اضطراد مستمر؟ كرة القدم بآسيا تحولت إلى ظاهرة قائمة الذات. والبريطانيون هم من يحصد أهم محاصيلها. فالبطولة الأولى (Premiere League) هي أغنى بطولة ويمارس بها أغلى النجوم وهي بطولة جد رائعة. ففي التايلاند وماليزيا واليابان تعرض الجرائد الناطقة بالإنجليزية كل المعلومات والأخبار ونتائج كل البطولات الأوربية. في اليابان وكوريا الجنوبية مثلا، عوضت كرة القدم شعبية البيزبول. فبعد الرياضات الحربية (التايكواندو- الكاراتي- الجيدو) والبيزبول الذي جلبه الأمريكيون بعيد اجتياح 1945، جاءت كرة القدم لتحتل الصدارة، لكنها هذه المرة لم تجلب من طرف المستعمر بل جلبتها إلى آسيا وسائل الإعلام ومن هنا إمكانية تجذرها القوي. - من مميزات كرة القدم أنها انفلتت من السيطرة والهيمنة الأمريكية الشمالية كرة القدم سبقت بكثير مجال الجيوسياسة. لقد أصبح العالم متعدد القطبية، وكرة القدم سبقت بزمن طويل هذه الوضعية. أما بالنسبة لأمريكا الشمالية فكرة القدم لم تتغلغل بها إلا بشكل هاو من خلال بعض البطولات المحلية بداية سبعينيات القرن الماضي. وبعد مونديال 1994 انتشرت اللعبة بشكل ملموس وبالأخص من طرف المراهقين والنساء والمهاجرين اللاتينيين. هؤلاء الذين استمروا في النطق بالإسبانية ولعب كرة القدم، بخلاف الجاليات الألمانية والإيطالية والإيرلاندية التي سلمت في تقاليدها «الكروية» من أجل الاندماج. هناك استثناء آخر أود إثارته، حيث نقول عادة إن العولمة تمحي الهويات الوطنية. لكن كرة القدم، وخلافا لذلك، تذكي الإحساس بالهوية وتقوي الوطنية. ففي الحادي عشر من يونيو سيعبأ كل الفرنسيين لمساندة الزرق، وقليلة هي الظواهر القادرة فعلا على توحيد وطن بهذا الشكل. - البرازيل ستكون الدولة المحتضنة لمونديال 2014 والألعاب الأولمبية 2016. هل أصبحت هذه الدولة وازنة بقوة على المستوى الجيو- سياسي الرياضي؟ لم تسطع البرازيل، ولزمن طويل، إلا بكرة القدم. أما اليوم فلا يسعنا الكلام عن البرازيل كدولة سائرة في طريق النمو. إنها نامية وقوية. وخلافا للبرازيل هناك مجموعة من الدول تمكنت بفضل كرة القدم من الحفاظ على وضع دولي معين بالرغم من فقدانها لملامح النمو الاقتصادي. مسألة الريادة الجيوسياسية بأمريكا الجنوبية كانت تمنح لعقود للأرجنتين، لكن هذه الأخيرة كانت دائما وما تزال تطمح بجدية كبيرة إلى الفوز الدائم بكأس أمريكا أو بكأس العالم، أما البرازيل (الكرة بأمريكا الجنوبية متغير كبير في السياسة). - هل لفرنسا دور ما داخل نسق عولمة كرة القدم؟ فرنسا كانت وراء إحداث الفيفا، ووراء فكرة تنظيم كأس العالم، ووراء إحداث عصبة الأبطال، كما كانت وراء فكرة تنظيم جائزة الكرة الذهبية (التي تمنح لأحسن لاعب في العالم). وهذا ما يعكس بالضبط قيمة فرنسا وراء كل الدفعات المؤسساتية Pulsions Institutionnelles التي تطبع لعبة كرة القدم. بلدنا (فرنسا) – ربما لطابعه الديكارتي- يحب تنظيم الأشياء. ولحد اليوم كانت فرنسا وراء تنظيم العديد من التظاهرات من دون الظفر بأغلبها. كأس عالم واحدة أحرزتها فرنسا في عقر دارها مناصفة مع إنجلترا، البلد الذي كان وراء اختراع اللعبة.