بخروج الميثاق الوطني للتربية والتكوين إلى الوجود ودخوله حيز «التطبيق»، بدأت تتقاطر على الساحة التربوية والتعليمية مجموعة «مشاريع» و«برامج» و«تدابير» و«مبادرات»... أقل ما يقال عن أغلبها إنها إجراءات عبثية صادرة عمن لا علاقة لهم بالسير اليومي والميداني للعملية التربوية. على مستوى التنظير قد يمطرك المدافعون عن هذا الإجراء بوابل من المسوغات من أهمها: أن هذا الامتحان التجريبي أو «الأبيض» -كما يحلو للبعض تسميته، وكأن هذا اعتراف ضمني بأن الامتحان الحقيقي هو الامتحان «الأسود»- هو بمثابة تجربة، حيث يوضع التلميذ في أجواء الامتحان ليكتسب الخبرة على اجتيازه في أحسن الظروف، ومن ثم القدرة على مواجهة مشاكل وقلق الامتحان. -أن النتائج المحصَّلَ عليها تمكن المدرس من استثمارها في عملية الدعم التربوي، وبالتالي إزالة أسباب الفشل والتأخر الدراسي وتحقيق جودة التعليم ودعم «مدرسة النجاح»... وبناء على هذه المسوغات (المبررات)، يصبح الامتحان التجريبي أو «الأبيض» أي أمرا مهما وضروريا، وأن الذين يرفضونه ويعارضونه عدميون، جامدون، مقاومون لأي جديد، ولا يقدرون مصلحة التلميذ... ونحن إذا سلمنا بحسن نية من يدافع عن هذا الأمر وبصحة المسوغات التي يسوقها، فإنه من حقنا أن نبدي مجموعة ملاحظات: -إذا كان هذا الامتحان التجريبي -كما تزعم الوزارة الوصية ومنظروها- بهذه الأهمية والضرورة بالنسبة إلى التلميذ، ألا يحق لكل أفواج التلاميذ الذين لم يمروا بهذه التجربة سابقا -قبل هذا «الاكتشاف» أو «الاختراع» العجيب- أن يطالبوا المسؤولين عن التعليم في هذا البلد بأن يَمْثُلوا أمام المحاكم، بدعوى أنهم حرموهم من المرور بهذه القناة التي كان من الممكن أن تقفز بهم إلى أعلى المستويات الدراسية والحصول على الشواهد العليا التي تخولهم المشاركة في صنع مستقبل البلاد؟.. -إن الاستناد إلى حجة أن هذا الامتحان يعمل على إزالة الحاجز النفسي (حالة الخوف وقلق الامتحان) لا معنى له، فقد مضى زمن ذلك التلميذ الذي «كان يخاف من أي شيء»، فالواقع والحوادث اليومية في المؤسسات التعليمية أظهرت وتُظهر أننا في زمن التلميذ الذي «يخيف كل شيء»!... -أما عن حجة استثمار نتائج هذا الامتحان في عملية الدعم فإنها داحضة، ذلك أن التوقيت الذي يجرى فيه هذا الامتحان غالبا ما يكون في الأيام الأخيرة من السنة الدراسية وقبيل إجراء الامتحانات الحقيقية، فكيف سيتسنى استثمار نتائجه في الدعم التربوي؟.. ثم ألا يعلم المسؤولون أن النسبة الأكبر من التلاميذ كانت تغادر القاعات بمجرد توزيع المواضيع، ما دام أن النقطة المحصَّل عليها لا تحتسب ضمن المراقبة المستمرة؟ وعوض أن تعالج الظاهرة علميا، يضيف المسؤولون مشهدا آخر إلى المسرحية /المهزلة، وهو إلزام التلميذ بالبقاء في القاعة إلى إن تنقضي نصف حصة الامتحان. -ألم يكن حريا بالمصالح المسؤولة أن تستثمر هي نتائج التقارير التي يرفعها الممارسون في الميدان؟ إننا، إلى حد الآن، لم نسمع ولم نقرأ عن أي دراسة علمية بالأرقام والإحصاءات والبيانات تبين مواطن النجاح والفشل في هذه التجربة، ومن ثم تسمح لنا بالمقارنة بين المخرجات والمدخلات في هذه العملية. -إنه، في الوقت الذي تتحدث الجهات الرسمية عن هدر الزمن المدرسي، نجدها تؤسس له بامتياز، حيث يضيع أسبوع كامل أو أكثر في إجراء هذا الامتحان وعمليات التصحيح.. ولك أن تضرب عدد الساعات في عدد التلاميذ لكي تعرف حجم الهدر الحقيقي والمسكوت عنه... - بالإضافة إلى كل ما سبق أيها القارئ الكريم لك أن تتصور حجم الإنفاق المادي على هذا العبث: (الورق بالنسبة إلى المواضيع والتحرير والتسويد، الطبع، تعويضات السادة الملاحظين، وأمور أخرى قد لا نطلع عليها!)...
مصطفى يعقوبي : أستاذ في السلك الثانوي الثاني بركان