لازال سكان مدينة سيدي إفني يضمدون جراح «السبت الأسود»، ولازالت حكايات الاعتداءات الهمجية التي أصابت الصغير والكبير تلوكها الألسن بمرارة منقطعة النظير، كما لازال الكثير من أبناء المدينة، وخاصة النساء، يرفضون الحديث عن الانتهاكات التي تعرضوا لها بسبب هول الفاجعة، وبسبب الخوف من انتشار الخبر بتفاصيله المرة بين الأهل والجيران. وفي هذا الإطار، استمعت «المساء» إلى شهادات حية لعدد من ضحايا الانتهاكات الذين أصروا على إبراز معاناتهم مع القوات العمومية، وكشف ما تعرضوا له من ضرب وركل ورفس وإتلاف للممتلكات وسب وقذف وهتك للأعراض وخدش للكرامات. ومن الأمثلة الصارخة التي وقفنا عليها بعين المكان ما تعرض له المواطن «محمد.إ» (مزداد سنة 1983، من اعتداءات تسببت له في تبعات صحية خطيرة. يقول، في تصريح ل«المساء» وهو لا يقوى على الجلوس والحركة، إن القوات العمومية اعتدت عليه في مقر عمله، حيث كان يزاول مهنة النجارة، وصفعته بعنف إلى درجة أن إحدى عينيه لم يعد ينظر بها جيدا، وأضاف: «بمجرد وصولي إلى مفوضية الشرطة جردوني من ملابسي كاملة دون استثناء، وأجلسوني على العصا إلى أن أصبت إصابات بليغة في مؤخرتي وانفجرت «البواسير»، وأنا الآن لا أقدر على الحركة والجلوس... دعيناهم لله... وعندما ذهبت إلى المستشفى رفضوا خياطة الجرح، مما اضطرني إلى الاستنجاد بأحد الأجانب الذي عمل على تقديم بعض الإسعافات الأولية إلي، وبعد تدخل أحد المحامين تسلمت شهادة طبية تثبت العجز في 7 أيام. وأؤكد لكم أنني لم أشارك قط في الاعتصام المنظم أمام الميناء لأنني، بكل بساطة، كنت غائبا عن المدينة في ذلك الوقت». ولم تقف معاناة الشاب محمد عند هذا الحد، بل تجاوزته إلى ما لاقاه داخل المستشفى المحلي لسيدي إفني، حيث قال إنه «عندما طلبت شهادة طبية بالمستشفى، قال لي أحد الدكاترة، الذين حضروا مع القوات لمعالجة مصابي الاشتباكات، إنني لن أتسلم شهادة طبية تثبت الأضرار الصحية التي نتجت عن الاعتداء، لأنني سألجأ إلى مقاضاة «المخزن»... وللأسف، فأنا لا أعرف اسمه ولا أتذكر أوصافه». أما «موسى.ع» (مخزني متقاعد)، فأكد أنه كان نائما صبيحة الاعتداء رفقة زوجته وأبنائه، حين فوجئ ب10 أفراد من القوات المساعدة، بينهم رجل أمن واحد، يقتحمون بيته، ويكسرون القفل والباب الرئيسي للمنزل، مما أدى إلى «إصابة ابنتي الصغيرة، التي تبلغ من العمر 7 سنوات، بانهيار نفسي نتيجة الخوف من تكرار مشهد الاقتحام الذي رأته بأم عينيها، ومنذ ذلك اليوم لا تستطع أن تنام بالليل، مما اضطرني إلى نقلها إلى مدينة تيزنيت للمكوث عند خالتها». من جهته، أشار الأستاذ «ع. كنكا»، الذي يعمل بجماعة ميراللفت القريبة من سيدي إفني، إلى أن فراشه ازدان بمولود ليلة الجمعة، أي قبل التدخل الأمني بساعات قليلة، وقال، في حديث مقتضب ل«المساء»، إن «البيت هاجمه 12 فردا من القوات المساعدة، وأدخلوا الرعب والخوف إلى قلوب زوجتي وأبنائي، وسرقوا هاتفي النقال وشتتوا جميع ملابس أسرتي، وقد تمكنت بحمد الله من النجاة بجلدي والهرب»، وظل الأستاذ طيلة كلامه يشير إلى آثار أقدام الجنود على باب منزله. وفي سياق الاعتداءات الكثيرة التي طالت الساكنة بجميع أحياء المدينة، قال مبارك.ج، تاجر بحي «كولومينا»، إن القوات عندما اقتحمت منزله بشكل مباغت، وجدت اثنين من أبنائه نائمين، فأشبعتهما ضربا وركلا ورفسا، وأخذوا هواتفهما النقالة وآلة تصوير، ثم انتقلوا إلى حظيرة مجاورة للبهائم فتهجموا على النساء اللواتي كن يطعمن الحيوانات على الساعة ال8 و30 صباحا، وأسمعوهن كلاما نابيا وفاحشا، وعددهم 14 فردا... وبعد يوم على الواقعة، قمنا بتسجيل أنفسنا لدى إحدى الجمعيات بالمدينة». يشار إلى أن السكان المحليين ينتظرون بفارغ الصبر قدوم أعضاء لجنة تقصي الحقائق البرلمانية في أسرع وقت، لكي يحكوا معاناتهم بشكل مباشر للمسؤولين النيابيين ويطلبوا منهم تدوين تصريحاتهم بمحاضر الاستماع، حتى يسترجعوا جزءا من الكرامة المفقودة من جراء الاعتداء. كما بدأ بعض المتضررين في الإعداد لتنظيم محاكمة شعبية علنية للمسؤولين الأمنيين الكبار الذين أشرفوا على اقتحام البيوت وانتهاك الأعراض والحرمات.