حقق تجمع مسلمي فرنسا فوزا ساحقا في انتخابات تجديد هيئات المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، بحصوله على 43,24% من أصوات الناخبين، وستنظم دورة ثانية في 22 يونيو لانتخاب المكتب التنفيذي للمجلس ورئيسه. ولم يمنع قرار مقاطعة بعض المنظمات الإسلامية من خوض هذه الانتخابات التي بلغت نسبة المشاركة فيها 81 %. وهذه هي المرة الأولى التي سيتم فيها انتخاب رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية بدلا من تعيينه. في قلب مكتبه بمقر تجمع مسلمي فرنسا، استعرض رئيس التجمع أنوار كبيبش في حوار مع «المساء» أجواء المشهد الديني وتأثيراته المختلفة في أوساط الجالية الإسلامية بفرنسا، بالإضافة إلى العلاقات التي تجمعه بموطن الانتماء، وأيضا خطة العمل المزمع تنفيذها بما يخدم الإسلام والمسلمين في ديار المهجر. - هل كنتم تتوقعون الفوز بهذا الفارق الكبير؟ < لم يكن لدينا شك في أننا سنحقق نتائج جد مرضية بحكم قربنا من الجالية الإسلامية وإدراكنا لانشغالاتها، وتطلعاتها إلى مؤسسات تمثيلية حقيقية تسهم في تقوية روابط الإخاء بين المسلمين، وفي رفعة الإسلام وتحقيق مصالحه في فرنسا، بما يساعد على محو تلك الصورة النمطية المغلوطة عن الإسلام والمسلمين. والنتيجة أننا حصلنا على 43,24% من أصوات الناخبين وعلى حوالي 50% من المقاعد (20 مقعدا من أصل 41) في المجلس الإداري. وما زاد في تقوية الشعور بالارتياح لدينا هو نسبة المشاركة التي بلغت 81 %، وهي نسبة تعكس في نظري نضج ومتانة المؤسسات التمثيلية للجالية الإسلامية. - ربما يؤثر انسحاب اتحاد مجلس باريس على مصداقية المجلس التي هي هشة في الأصل.. < لا أظن ذلك. قد يسهم قرار اتحاد مسجد باريس في الإساءة إلى سمعة المجلس التي تراجعت بحكم عطائه الهزيل، إن على مستوى التكوين والتأطير أو على مستوى تدبير الشأن الديني بفرنسا، غير أنه لن يؤثر على مصداقيته أو شرعيته، على اعتبار أن هذا الاتحاد مازال يحتفظ بعضويته داخل المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية. - ولماذا المقاطعة إذن؟ < لقد حاول عميد مسجد باريس، دليل أبو بكر، بإيعاز من الجزائر، الدخول في امتحان قوة مع المنظمات الإسلامية الأخرى باختلاق شروط لا سند لها من الوجهة القانونية أو الديمقراطية. ورفض اتحاد مسجد باريس لطريقة اختيار المندوبين تبعا لمساحة المساجد وأماكن العبادة، ليس سوى مناورة منه من أجل تمكين عميده دليل أبو بكر من فترة رئاسية ثالثة، حتى يظل المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية إرثا جزائريا خالدا، لكن صناديق الاقتراع قالت كلمتها الأخيرة. - يؤاخذ على تجمع مسلمي فرنسا ولاءه لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية فكرا وتمويلا. هل في هذه العلاقات الولاءاتية ما يفيد التجمع ويغني المشهد الديني بفرنسا؟ < أعتقد أن اتحاد مسجد باريس يقيم علاقات متميزة مع الجزائر، وهو لا يخفي ذلك. ونحن في التجمع نعكس بشكل أو بآخر واقع وحقيقة الإسلام في فرنسا، حيث إن القائمين على أماكن العبادة هم في معظمهم من أصول مغربية (80 %). وتتجلى هذه التمثيلية أيضا في تركيبة التجمع الذي يتكون في غالبيته العظمى من المغاربة ومعهم جزائريون وتونسيون وأفارقة وجدوا فيه فضاء منفتحا يستجيب لتطلعاتهم فالتحقوا به. ثم إن العلاقات التي يقيمها التجمع ضمن فلسفته الوسطية، القائمة على الاعتدال وإلغاء التشدد والتعصب بجميع أشكاله، هي علاقات مبنية على مبدأ التشارك وليس على التبعية أو الولاء كما تفضلت.. وأنا بهذا المعنى لا أقلل من أهمية العلاقات مع موطن النشأة، على أن تكون علاقات تشاركية تسهم في تلبية تطلعات وحاجيات الجالية الإسلامية في مجال التأهيل والتأطير المستمرين للأئمة، بما يساعد على إشاعة ثقافة التعايش والتسامح والقضاء على أسباب الفرقة والإقصاء، وأيضا في مجال تدبير الشأن الديني بما يخدم مصالح الجالية الإسلامية برمتها دون تمييز في الهوية والانتماء. فعندما يأتي إمام من المغرب، فإنه يؤم الناس جميعا مغاربة كانوا أم جزائريين أم تونسيين أو حتى من أصول فرنسية. وثمار الشراكة في هذا المجال تنعكس على الجميع. - ألا ينعم التجمع بما تغدقه عليه خزينة وزارة الأوقاف من أموال، كما يؤكد ذلك خصومكم؟ < هناك فعلا بعض الثمار التي يجنيها التجمع في إطار هذه الشراكة. والثمار ليست تحويلات نقدية أو ما شابهها كما يزعم البعض، بل تندرج في سياق مبدأ التشارك الذي نحرص على تعزيزه وتقويته في مجال التأطير والتأهيل المستمرين. نحن اليوم في حاجة ملحة إلى 70 إماما وليس أمامنا سوى خيارين: إما أن نستقدم أئمة مكونين أو نقوم بتكوينهم في عين المكان، وهو ما تراه وزارة الأوقاف أنسب. غير أن الحاجة الاستعجالية إلى هؤلاء الأئمة جعلتنا ندعو الوزارة إلى إيفاد دفعة أولى من ثلاثين إماما قبل شهر رمضان الأبرك. ولعلمك، فإن مصاريف ونفقات هؤلاء الأئمة يتحملها المغرب، والتجمع لا يقدم سوى مساعدة بسيطة تخص نفقات الإيواء الأولية إلى حين استقرارهم. فإذا كان البعض يرى في مثل هذه الشراكة أننا نرفل بفضلها في نعيم البذخ القادم من الوزارة، فليكن له ذلك. - أية خطة عمل لديكم وأنتم اليوم على رأس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية؟ < إلى حين انتخابنا يوم 22 يونيو، سنعمل أولا على أن تمثل في مكتب المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية وأيضا في المجلس الإداري، كافة فعاليات المشهد الديني بمكوناته المختلفة، ثم سنباشر فورا عملية إعادة النظر في سير وأداء المجلس الذي يعاني من انتقادات عديدة على مستوى العطاء والانسجام المفقودين، ويشكو كذلك من بعض النفور وخاصة في أوساط الشباب الذين يعتبرون أنفسهم مقصيين من مناصب المسؤولية التي تقتصر على أبناء الجيل الأول. وبقدر ما سنعمل على إدماج الشباب وتمكينه من اعتلاء مراتب القرار، سنحرص على الانفتاح أكثر على المرأة التي نعتبرها غائبة بشكل كبير عن هياكل المجلس وتنظيماته، ثم إن هناك طرقا وأنماط لانتخاب المؤسسات ومعايير التمثيلية التي سننكب على دراستها وضبطها بشكل يكرس قدرا كبيرا من الشفافية والديمقراطية. - وماذا عن القضايا المرتبطة بالانشغالات الأساسية للجالية الإسلامية؟ < أولوياتنا، إلى جانب القضايا الداخلية، منصبة حول ممارسة العبادة بما في ذلك بناء المساجد وتكوين الأئمة وطقوس أضحية العيد واللحم الحلال وتنظيم مناسك الحج وتأطير المرشدين التربويين في السجون والمستشفيات، وما إلى ذلك من الأمور التي تندرج في صميم انشغالات الجالية الإسلامية بفرنسا. كما سنعمل على تكريس وتقوية ثقافة المردودية والفعالية حتى يلمس أعضاء جاليتنا أن هناك قيمة إضافية يمكن أن يقدمها المجلس في مجالات مختلفة ذات ارتباط بشؤونهم العقائدية والثقافية. - هل من موقع للتربية والثقافة وتعليم اللغة العربية في برامجكم؟ < هناك بالفعل لجن للتعليم والتربية داخل المجلس، غير أنها غير ذات فعالية بسبب انعدام الوسائل المالية والبشرية. وقد قمنا ببحث دقيق لتحديد برامج التكوين في مجال التربية وتعليم اللغة العربية، وخرجنا بخلاصة أنه لا مانع من الاستعانة بكفاءات بيداغوجية، حتى وإن كانت خارجة عن المجلس، لتمكين أطفالنا من تعليم سليم، يراعي المقاييس التربوية والبيداغوجية المعمول بها في المدارس الفرنسية. - ومن أين لكم الموارد المالية لتحقيق ذلك؟ < ليست لدينا اليوم من موارد سوى ما نحصل عليه عن طريق اكتتاب الأعضاء المحدد في 30 أورو للعضو. وإذا عرفنا أن هناك 4000 عضو فقط، وأن المبلغ يوزع بالتساوي بين المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية والمجالس الجهوية، فإن الخزينة تشكو من الكثير من البؤس. وعليه، فإننا نفكر في مصادر تمويلية أخرى، سواء عن طريق محسنين من فرنسا ودول أخرى أو عن طريق نظام الاقتطاع في تداول اللحم الحلال الذي يشكل سوقا ضخمة وواعدة، أو من خلال الخدمات التي نقدمها بمناسبة مناسك الحج، ويمكن أن نقتطع منها نسبة رمزية على أثمان التذاكر.