بماذا يفسر تهافت كثير من المغاربة، نخبة ومواطنين عاديين، على «حركة كل الديمقراطيين» رغم عدم وضوح خطها السياسي وتوجهها التنظيمي؟ هل صعود نجم هذا المولود «السياسي» الجديد له وقع إيجابي على واقع سياسي يتسم بالجمود والانتظارية، خصوصا في إطار وجود حكومة أضعفتها بشكل كبير العملية القيصرية التي تم إخراجها بها إلى حيز الوجود، وضآلة حجم السند الشعبي التي تتمتع به (حيث تدني المشاركة في الانتخابات، وتبوؤ التكنوقراط دورا مهما فيها وتصاعد وتيرة الاحتجاجات الشعبية، وعدم ثقة جزء كبير من الرأي العام بنجاعة وفعالية العمل الحكومي) أم أنه يكرس تهميش الأحزاب وإضعافها، بل ويؤدي إلى تجاوز الأدوار التي كانت تقوم بها في الحكومة والمعارضة؟ هل للحركة القدرة التنظيمية والفكرية والسياسية للتعامل مع هذا الكم الهائل من الملتحقين والراغبين في الالتحاق وانتظاراتهم؟ كل هذه أسئلة تشغل بال المتتبعين للشأن السياسي الوطني، والإجابة عنها ستساعد في استشراف تطور المشهد السياسي في أفق استحقاقات 2009 و2012. ما يستدعي اهتمام الكثير هو أن «حركة كل الديمقراطيين» مازالت تبحث عن نفسها وعن دور لها في المشهد السياسي. لا تريد أن تكون حزبا كسائر الأحزاب، وذلك لكي تكون لها قوة التأثير على الساحة السياسية، ولكنها لا تريد كذلك أن ينحصر دورها في جمعية مدنية تمارس المرافعة من أجل التغيير. من جانب آخر، فإن تركيزها على قضايا نخبوية كتقرير الخمسينية ومدونة الأسرة وتقرير الإنصاف والمصالحة وعلى مدى تأثير هذه الوثائق على السياسات العمومية ونجاعتها وفعاليتها، وتأثيرها الإيجابي المفترض على حياة المواطنين، يجعلها بعيدة عن لعب دور حركة اجتماعية متأصلة في أوساط الشعب حاملة لهمومه وقضاياه، ومعبئة لشرائح مهمة منه لتبني قضايا الدمقرطة والتغيير. ربما هذا البحث عن الذات هو الذي يجعل أن الناس يأتونها من كل فج عميق، يسارا كانوا أو يمينا، ليبراليين واشتراكيين، قطاعا خاصا ومجتمعا مدنيا، مواطنين عاديين ومفكرين وصحافيين ومثقفين. حماس التعبئة في الوقت الحالي يجب أن يضاهيه وجود رؤية واضحة المعالم تحفّز الكل على الانخراط أو وجود تنظيم محكم مسطّر له بطريقة عقلانية، وهما شيئان لم يريا بعد النور. ثانيا، لا يجب أن نغفل الجانب الشخصي في «حركة كل الديمقراطيين»، أي دور شخصية فؤاد عالي الهمة كصديق للملك وككاتب للدولة سابق في الداخلية، ترك بصماته على الكثير من الملفات الحساسة، وإن كان يعمل في الظل بعيدا عن الأضواء. القرب من صديق الملك وأحد أقوى أعمدة النظام (سابقا)، يمثل بالنسبة إلى الكثير فرصة إما للوصول إلى مركز القرار أو لحل مشاكل خاصة أو لفهم القضايا الأساسية، أو للانخراط في عملية التغيير والإصلاح، أو للتأثير على كيفية تدبير ملفات معينة. لهذا فإن «حركة كل الديمقراطيين» ستعيش مفارقة كبرى في المستقبل القريب: إن هي تنظمت وقوّت مؤسساتها ستستطيع أن تتجاوز اختصارها في شخصية فؤاد عالي الهمة، ولكنها مع ذلك ستصير تنظيما كسائر التنظيمات. وإن بقيت حركة جامعة لشتات الديمقراطيين والغيورين والغاضبين والتكنوقراطيين والمواطنين المتضررين، إن فعلت هذا دون تنظيم، ستبقى دائما ملتصقة بالشخصية الكاريزماتية لمؤسسها. أما بالنسبة إلى تأثيرها على المشهد السياسي والحزبي، فما هو مؤكد هو أنها إن فتحت أبوابها فإنها ستفرغ كثيرا من الأحزاب من الوسط واليمين واليسار من محتواها. هذا فيه خطر كبير على المشهد السياسي، وأظن أن «حركة لكل الديمقراطيين» واعية بهذا الأمر، لهذا فهي تحاول كسب ود الأحزاب، وتتحدث أكثر على خلق أقطاب وتكتلات أكثر منه على «إعادة إنتاج» الأحزاب والمشهد الحزبي. أظن أن التصور السائد حاليا هو خلق قطب ليبرالي يجمع أحزاب الوسط واليمين (بتنسيق مع الحركة والدستوري) ودفع اليسار (ولو ضمنيا) إلى التكتل حول الاتحاد الاشتراكي، ولكن دون الحديث عن دور حزب الاستقلال والعدالة والتنمية. إن كان الهدف من إيجاد هذه الأقطاب هو إضعاف الإسلاميين عبر الحد من تحركهم، فلا أظن أن الاستراتيجية ستعطي أكلها، لأن التركيز على الإسلاميين سيقوّي عودهم كما حصل في كثير من الدول. أظن أن أحسن استراتيجية للتعامل مع الإسلاميين، هي احتضانهم وجرّهم إلى هذه التحالفات، وكذا دفعهم إلى الانخراط في العمل الحكومي بدل تهميشهم وإعطائهم دور الضحية والمنقذ في نفس الوقت. من جانب آخر، فإن محاولة خلخلة المشهد الحزبي إيجابية حسب رأيي، لأنها أولا ستجعل كثيرا من الأحزاب تأخذ مأخذ الجد قضايا التجديد والدمقرطة الداخلية والانفتاح وتجديد القيادات، وثانيا لأنه سيجعلها تحاول البحث لها عن موقع، لا على مستوى النخب فقط ولكن على مستوى القاعدة الشعبية أيضا. أخيرا، رغم أن عدم وضوح التوجه الإيديولوجي ل«حركة كل الديمقراطيين» سيكرّس وضعية الضبابية التي تميز الحقل الحزبي والسياسي المغربي، فإن وجود رؤية واضحة إلى المستقبل على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والمؤسساتي، هو حد أدنى لكي تنتقل من حماس البدايات إلى مرحلة التقعيد الضرورية للعب دور مهم في الساحة السياسية. ثانيا، لا أفهم لماذا الحديث عن الإصلاحات وأهميتها والتغاضي عن أنها لم تؤت أكلها على مستوى التعليم والصحة والعدل والبيئة والحكامة والفلاحة، ولماذا الحديث عن مدونة الأسرة رغم أنها لم تغيّر من وضعية المرأة على أرض الواقع إلا قليلا، أو تقرير هيئة الإنصاف رغم أنه لم يتم تفعيله، أو تقرير الخمسينية رغم أن السياسات العمومية الحالية لم تتبنه؟ ما ينقص المغرب ليس الاستراتيجيات والتقارير، ولكن الأجرأة وإشراك المواطن وثقافة الإنجاز والتتبع وثقافة الفعالية والنجاعة والمسؤولية، وهي مسائل لا ترد على ألسنة أصحاب «حركة كل الديمقراطيين». ما ينتظره المغاربة هم فاعلون سياسيون قادرون على الفعل في الواقع وتغييره تغييرا جذريا، لا إشهار تقارير وخطط في وجههم. إن فعلت «حركة لكل الديمقراطيين» ذلك ستكسب ليس عطف النخب فقط ولكن كذلك عطف الجماهير.