لآسفي حكاية قديمة مع السفراء الأجانب المعتمدين بالمغرب، خاصة في فترة الحماية الفرنسية وما قبلها، لما كان هؤلاء يأتون في زيارات تفقدية للمدينة للاطلاع على مصالحهم التجارية، وكان خدام المخزن، الذين كانوا يخدمون المخزن والقوى الأجنبية في الآن نفسه، يخرجون في أبهى جلابيبهم البيضاء مع «شاشياتهم» الحمراء ينحنون ويقدمون الولاء لممثلي إنجلترا العظمى و«ماما» فرنسا ويقيمون لهم الولائم ويمنحونهم الخيول والأراضي وحتى البنات للمصاهرة واستجداء الولاء والطاعة. هذه العادة المذلة من صفحات التاريخ التي طوى المغاربة عهدها، هناك من يحن إليها، ويفني جهوده لإحيائها عبر مساع ملتبسة من بعض الوجوه المغربية بآسفي التي تحمل جنسيات أجنبية متستر عليها وتتحمل مواقع مسؤولية حساسة وكبيرة، وتعمل من نوافذ عدة حتى يعود للأجانب موطئ قدم في المدينة شبيه بالفترة التي كان فيها البرتغال والإنجليز يعلقون ميداليات على صدورهم ويطوفون في شوارع آسفي على البغال والمغاربة يجرون لهم «اللجام». نهاية الأسبوع الماضي أفاقت آسفي على عويل المعطلين وعلى واد من الدماء بعد تدخل مفاجئ لقوات الأمن، بعد أن أعيتها رؤية الاعتصام السلمي للمعطلين أمام باب البلدية، ولما كانت عصي الأمن تهوي على الرؤوس والبطون، كان هناك في الضفة الأخرى من المدينة القديمة بباب الشعبة التاريخي والسياحي العشرات من أعوان السلطة وعناصر الأمن والقوات المساعدة يسخرون كل قواهم لتنظيف الأماكن من الباعة المتجولين والفقراء والمتسولين وأطفال الشوارع الذين يطوفون يوميا أمام أعين نفس السلطة حفاة يضعون «الميكة» على أنوفهم ليشموا «السيلسيون». الذي وقع لن يتعرف عليه السكان إلا في الزوال لما علم الجميع أن السلطة بآسفي كما رجالات المخزن في بداية القرن العشرين، نظفت المدينة على شرف زيارة خاصة لبعض السفراء الأجانب المعتمدين بالمغرب، بل أكثر من ذلك قدم كبار مسؤولي آسفي عرضا مفصلا للمشاريع التنموية وأقاموا لهم حفلا باذخا أحيته فرقة غنائية برتغالية شهيرة واستدعوا «التريتور» وزينت الموائد بالأطعمة الباذخة ووزعوا الهدايا الثمينة ونقلت وكالة المغرب العربي للأنباء الخبر إلى كل بقاع العالم. هي ذي آسفي انتهت أمجادها في الماضي لما كان الفقيه المتصوف سيدي بن سليمان الجازولي يجمع حوله مئات الآلاف من الأتباع في خلوته بآسفي، ترتعش من أعدادهم الآلة العسكرية البرتغالية زمن الملك إمانويل الأول، ... واليوم صار مشاعا أن تهوي العصي على أبناء آسفي وتنظف المدينة من سوادها ... لأنهم يخشون على النفس الهشة للسفراء الأجانب الذين لا تحتمل رؤية طفل متسول حافي القدمين جائع البطن عوَّض الأكسجين ب«السيلسيون». شخصيا أخجل من رؤية مدينة كآسفي تلبس «التزار» وتطوف على موائد الأجانب تنحني لهم وتقدم لهم أرقام مشاريع وهمية، بعد أن غطت بؤسها وأخفته كما يخفي السارق مسروقاته ... آسفي اليوم حولوها إلى مجرد نادلة عند أصحاب السعادة من السفراء عوض أن تخدم أبناءها وتنحني لهم ... هاهي تمسح أحذية «البراني» بعد أن ترفس بأحذية البوليس أجساد المعطلين.