برقية تعزية من جلالة الملك إلى أسرة الفقيدة الفنانة نعيمة سميح    وقفة تعاتب "غياب المساواة"    مسؤول أممي: المغرب أصبح وجهة متميزة للمستثمرين في القطاع السياحي    "حماس" تتفاءل باستمرار الهدنة    بنهاشم يوضح سبب مغادرة الزمامرة    توقيف مهربين للشيرا بالناظور    إنذار أحمر: أمواج عاتية تهدد السواحل الأطلسية المغربية    بعد سبع سنوات عجاف.. أمطار الخير تنعش المغرب وتبعث الأمل    مستجدات تُقرب المتابعين في ملف "اغتصاب" المحامية الفرنسية من الحرية    هدم بنايات عشوائية بالرباط يخلق نقاشا عموميا.. والأسر تبحث عن بدائل    الملك: رحيل سميح "خسارة فنية"    تشييع جنازة الفنانة نعيمة سميح بمقبرة سيدي امحمد ببنسليمان    تخصيص أكثر من 3,27 مليار درهم لرفع الطاقة الاستيعابية لمطار طنجة إلى 7 ملايين مسافر    تأجيل مباراة برشلونة وأوساسونا بعد وفاة طبيب النادي الكاتالوني    ندوة فكرية بطنجة تناقش تحديات ورش الدولة الاجتماعية وآفاقه    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال24 ساعة الماضية    الجمعيات الكشفية الفرنسية بالمغرب في ظل الاستعمار ونشأة الحركة الكشفية المغربية    تخصيص أكثر من 3,27 مليار درهم لرفع الطاقة الاستيعابية لمطار طنجة إلى 7 ملايين مسافر    سميرة سعيد تنعى رفيقة الطفولة نعيمة سميح بكلمات مؤثرة    النساء بجهة الشمال يمثلن ما يقرب من ثلث اليد العاملة الدائمة في المؤسسات الربحية    توقيع اتفاقية لتنفيذ البرنامج الوطني لتكوين الأطفال في المجال الرقمي والذكاء الاصطناعي    الصويرة.. الأمطار تتسبب في انقلاب حافلة لنقل المسافرين (فيديو)    تسجيل أزيد من 24 ألف إصابة بجدري القردة بإفريقيا منذ مطلع 2025    تساقطات ثلجية وأمطار قوية وهبات رياح قوية مرتقبة من السبت إلى الاثنين بعدد من مناطق المغرب    وزير الخارجية الصيني: الصين تسعى إلى تقديم عوامل اليقين لعالم مليء بعدم اليقين    نزول شباب المحمدية للقسم الثاني رسميا    دوق بوكان الثالث سفيرًا جديدًا للولايات المتحدة في المغرب.. أهمية المملكة في الاستراتيجية الدبلوماسية الأمريكية    اليوم العالمي للمرأة.. إسرائيل قتلت 24 صحفية خلال الحرب على غزة    خلال اجتماع استثنائي بجدة... منظمة التعاون الإسلامي تقرر استئناف عضوية سوريا في المنظمة    المغرب يعزز قواته الجوية الدفاعية بطائرة العقرب الصيني الفتاك    ترامب يعين ديوك بوكان الثالث سفيرا للولايات المتحدة بالمغرب    رحيل أيقونة الطرب المغربي نعيمة سميح عن عمر 71 عاما    مواجهات ملغومة للكوكب المراكشي ومطارديه وهاجس النجاة حاضر بين خريبكة والمولودية    ترامب: الخلاف مع كندا والمكسيك سيجعل مونديال 2026 "أكثر إثارة"    جمال حركاس يجدّد عقده مع الوداد    الأحمر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    الفنانة المغربية نعيمة سميح في ذمة الله    نعيمة سميح في ذمة الله    عمرة رمضان 2025: الموسم الذهبي لوكالات الأسفار    قائمة أسود الأطلس النهائية التي قد يختارها المدرب وليد الركراكي    رحيل أيقونة الطرب المغربي نعيمة سميح عن عمر 73 سنة    الفنانة نعيمة سميح في ذمة الله    مكتب الحبوب يدعم الموردين ب14.77 درهم للقنطار    النجم المغربي لامين يامال يثير اهتمام وسائل الإعلام حول توفيقه بين الصيام والتداريب    الصين تفرض رسوما إضافية على المنتجات الفلاحية والغذائية الكندية    تنظيم ندوة علمية حول أحداث تاريخية مغربية بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة    تسرب الغاز قبالة سواحل السنغال وموريتانيا.. "غرينبيس إفريقيا" تحذر من الأثر البيئي    الكلايبي: لا نية لبيع مركب محمد الخامس وأولويتنا تأهيل البنية التحتية الرياضية    الملك محمد السادس يمنح بقعا أرضية مجانية لقدماء العسكريين    أفضل النصائح لخسارة الوزن    عمرو خالد: هذه ملامح استراتيجية نبوية ناجعة للتعامل مع تقلبات الحياة    اضطراب الشراهة عند تناول الطعام: المرض النفسي الذي يحوله تجار المكملات الغذائية إلى سوق استهلاكي    مقاصد الصيام.. من تحقيق التقوى إلى بناء التوازن الروحي والاجتماعي    فصل تلاوة القرآن الكريم في شهر رمضان    السمنة تهدد صحة المغاربة .. أرقام مقلقة ودعوات إلى إجراءات عاجلة    خبير يدعو إلى ضرورة أخذ الفئات المستهدفة للتلقيح تجنبا لعودة "بوحمرون"    عمرو خالد: 3 أمراض قلبية تمنع الهداية.. و3 صفات لرفقة النبي بالجنة    في حضرة سيدنا رمضان.. هل يجوز صيام المسلم بنية التوبة عن ذنب اقترفه؟ (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مكانة الصدر الأعظم بين السلطان، خدام القصر وخدام الدولة

المخزن، في مغرب ما قبل الحماية، كان يعتمد أساسا حسب عبد الله العروي على الكيش (الجيش) من جهة، وعلى جهاز إداري من جهة أخرى. وفي قلب هذا النسق، كان السلطان يحتل مكانة محورية لأن «الخروج عن طاعة السلطان (...) يسخط الله ويرضي الشيطان» (الناصري).
وتتجسد سلطات السلطان، كما يكتب العروي وكما يورد ذلك عبد الرحمان المودن في «البوادي المغربية قبل الاستعمار»، في كونه:
شريفا يعتلي بكيفية أو بأخرى الأسر الشريفة ويتصرف كزعيم زاوية ضخمة،
إماما يسهر على صيانة تعاليم الشريعة ويتقدم سائر الفقهاء والعلماء وينتصح غالبا لنصحهم،
قائدا عسكريا بالنسبة للجند وخلال المْحَلات إما حضوريا أو استخلافا،
منظما إداريا خاصة في النصف الثاني من القرن 19 لما أحدثت سلسلة من التنظيمات ظهرت مثلا في جهاز الأمناء،
ومولى يخدمه الجهاز المخزني المتسع الذي يتحكم بدوره في المجتمع بأكمله.
ويمكن التمييز، كما فعل محمد لحبابي في مؤلفه الصادر بالفرنسية «الحكومة المغربية على مشارف القرن العشرين»، بين صنفين من خدام المخزن:
صنف خدام القصر المرتبطين مباشرة بشخص السلطان،
وصنف خدام الدولة المكونين للحكومة بمعناها الدقيق.
وهذا الصنف الأخير كان مكونا من وزراء يعملون تحت قيادة السلطان الذي يجمعهم في المشور الذي كان كل وزير يتوفر فيه على بنيقة (مكتب، مقصورة) أو على عدة بنائق. لكن، وكما يوضح ذلك لحبابي، فإن خدام الدولة لم يكونوا سوى وزراء تنفيذ لا يتوفرون على تفويض عام، وزراء يساعدون السلطان الذي يتوفر على السلطة العليا.
خدام القصر
خدام القصر المرتبطون مباشرة بشخص السلطان كان على رأس هرمهم الحاجب، وقد وصف مهامه مصطفى الشابي كما يلي: «(...) لقد كان في خدمة السلطان داخل قصره عدد معتبر من القائمين بالخدمة اليومية، من بينهم كثير من العبيد. وتختلف مراتب غير العبيد من مسخر عادٍ في أسفل الهرم إلى من في القمة وهو الحاجب (...) وينقسم الخدام إلى مجموعات تسمى بالحناطي (جمع حنطة) تختص كل منها بنوع من أعمال الخدمة. ويتولى الحاجب تبليغ أوامر الملك إلى الوزراء وكبار الموظفين. وكان طابع التخصص واضحا في تنظيم الخدمات داخل القصر.
«كان الحاجب يتدخل، إلى جانب الإشراف على الخدمات داخل القصر، في قضايا تعود من حيث المبدأ إلى اختصاص الوزراء. وكان ذلك الجمع مما يزيد في أهمية الحاجب في صف المخزن. وتتجلى تلك الأهمية في أدواره الحاسمة عند اللجوء إليه في الحصول على امتياز أو حل مشكلة من المشاكل المعروضة على أنظار المخزن.
«(...)إن هذا المنصب كان طيلة القرن الماضي (القرن 19) شبه محتكر من قبل عائلة ابا احماد...»
وإذا كان الرجل الأول في خدمة السلطان داخل البلاط هو الحاجب، فإن الرجل الثاني كان هو قائد المشور، وعن دوره واختصاصاته يكتب مصطفى الشابي كذلك: «إن موظف القصر الذي يأتي في الدرجة الثانية من الأهمية هو قائد المشور، وهو باعتباره قائما على شؤون المراسيم، تعمل تحت أوامره عدة هيئات (حناطي) تؤدي خدمتها خارج القصر. وأهم هذه الهيئات أو الحناطي جماعة المشوريين (المشاورية) وهم ينسبون إلى «المشور»، ويطلق هذا الاسم على الساحة الكبرى التي بباب القصر السلطاني، وتسميتها من المشاورة، إذ في هذه الساحة تتم جميع المراسيم التي لا يتسع لها داخل القصر، ولكنها، على الخصوص، ساحة انتظار الأفراد والجماعات من الوفود المهنئة أو المنتظمة التي تطلب مقابلة السلطان، فيشاور عنها علما بأن هذه المشاورة أو الرد على النازل في ساحة «المشور» قد تقصر مدتها وقد تطول.
«إن للمشاورية مهاما ثلاثا: أ) إدخال الزوار على السلطان، ب) حمل رسائل من السلطان إلى خدامه بالإيالات، ج) تبليغ أوامر السلطان كل صباح إلى من هم حاضرون بالمشور من الوزراء والخدام (...).
«يتولى قائد المشور بمناسبة كل عيد وضع لائحة بأسماء الوفود الآتية من الإيالات لتقديم التهاني إلى السلطان وتسليم الهدية المعتادة (...)، ولطالما شغل هذا المنصب أشخاص من الوصفان، مثلهم في ذلك مثل المتولين لمنصب الحجابة (...).
«ومما يدل على المقدرة التي كان عليها المتولون لمنصب قيادة المشور ونوابهم، أن السلطان قد يوكل إليهم خدمات على الصعيد المحلي في بعض الظروف الصعبة، ومن ذلك أن السلطان مولاي الحسن قد عين قائد مشوره (...) الجيلاني بن حمو عاملا على مدينة فاس، بعد أن هدأت فيها الأحوال على إثر الثورة التي تفجرت بسبب تصرفات أمين المستفاد محمد بن المدني بنيس (...)».
خدام الدولة المكونون للحكومة
لم يكن المخزن، والمغرب على مشارف حقبة الحماية، قوة هلامية متجانسة تستمد قوتها المجتمعية من الغيب، بل مؤسسة دنيوية تتعايش وتتصارع مع قوات ومؤسسات اجتماعية أخرى (القبائل، الزوايا، الأعيان...) وتخضع لميزان القوى، بل وتعيش في دواليبها صراعات وخلافات هي الأخرى. وفي هذا السياق، يكتب الدكتور محمد لحبابي: «علينا الإقرار بأنه، وعلى عكس الرأي السائد، لم يكن للمخزن المغربي والوزارة، أية ميزة دينية. والمغرب على مشارف عهد الحماية، كان المخزن يتخذ شكل حكومة دنيوية قحة».
الصنف الثاني من المخزن إذن، أو الوزراء بصيغة أخرى، كان على رأسه الصدر الأعظم «أكبر معيني السلطان في شؤون الدولة». ومن أبرز مكوناته وأخطرها وزير المالية الذي حمل تسميات أخرى مثل «أمين الأمناء» أو «مول الشكارة». وحسب الشابي دائما، فمهام وزير المالية كانت «تتمثل عموما في الإشراف على المداخيل المالية للمخزن وعلى مصاريفه. وكانت موارد بيت المال تتكون من تحصيلات مختلفة أهمها الضرائب التقليدية من أعشار وزكوات، ومن الضرائب على التجارة وهي مستخلصات الجمارك على تجارة البحر من جهة، والمستفادات المحصلة من الرسوم على تجارة أسواق المدن وأسواق البوادي من جهة أخرى. (...) أما الشطر الثاني من مهام أمين الأمناء أو وزير المالية فهو تدبير نفقات المخزن ومصاريفه في نفقات رواتب العساكر، وفي مختلف المشتريات الخاصة بالسلطان أو بالجهاز المخزني العام».
وزير البحر كان، من جهته، مكونا أساسيا من مكونات المخزن، ولقد كان، يكتب الشابي، «بمثابة وزير الخارجية، وربما سمي في بعض الأحيان بوزير الشؤون البرانية. والواقع أن هذا اللقب له تبرير في كون المشاغل الخارجية للمغرب (في القرن 19) كانت من جهة البحر على الخصوص، سواء في ما يتعلق بشؤون القرصنة ومشاكلها أو بقضايا الأسرى وافتكاكهم أو بقضايا التجارة عن طريق المراسي وما صاحب تزايدها من مشاكل قنصلية وسياسية. ولهذا الاعتبار كان المخزن يعين، حتى قبل استحداث لقب «وزير البحر»، موظفا ساميا بطنجة، حيث يقيم ممثلو الدول الأجنبية، «نائبا» عنه يقوم بوظيفة وزير الخارجية حيث يفاوض ويحادث ويتصل، بناء على ما يصدره إليه السلطان من أوامر».
ومن دواليب مخزن تلك الحقبة الأساسية أيضا، وفق ذات المصدر: «وزير الحرب أو وزير الحربية، وهو منصب مستحدث أيضا تحت هذه التسمية، والواقع أن المخزن، في النصف الأول من القرن التاسع عشر، لم يكن يتوفر بعد على جيش دائم محترف، وإنما كان يستعمل ما كان يسمى بقبائل «الكَيش» المقطعة إليها بعض الأراضي الفلاحية مقابل الخدمة العسكرية عند الاقتضاء، وتعينها في مهماتها القبائل المسماة «بالنائبة» (النايبة) المعفاة من بعض الضرائب مقابل هذه الخدمة أيضا.
«ومن عناصر الحكومة المغربية وزير الشكايات. لم يكن وزير العدل بالمعنى الحديث للكلمة، لأن القضاة والعدول لم يكونوا إلى نظره، لكنه كان يتلقى جميع أنواع التشكيات والتظلمات. وكان يقدم في هذا الباب النصح للسلطان، كما هو شأن غيره من الوزراء كل في ميدانه. وكان يتولى تسجيل الظهائر المتعلقة بالمسائل الجبائية وبتعيينات موظفي المخزن، وهو المكلف بالسهر على تعيين بعض الخدام في مناصبهم كنظار الأحباس وقواد القبائل والشيوخ الخ... ولكن أهم مشاغله في حرصه على حسن سير شؤون الولاة المحليين في تدبير أمور المحكومين، وما ينجم عن ذلك من ضرورة إنصاف المظلومين في أحوال التعسفات أو النزاعات بين أعوان المخزن».
في رحم هذا الهرم الذي كان السلطان سيده ومولاه، ماذا كان دور الصدر الأعظم؟ هل كان وزيرا أول بمعنى الكلمة الحديث أم وزيرا للداخلية؟ أم تراه كان مجرد منفذ لأوامر سيده؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.