سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ماجوريل.. الرسام الذي دفعه المرض إلى الاستقرار بمراكش بعد وساطة من والده لدى الجنرال ليوطي جعل من مقر إقامته «أعجوبة» أسرت قلوب المعجبين من كل أنحاء العالم
لازالت بصمة جوزيف ماجوريل حاضرة بقوة وسط مراكش، تستقطب بشكل ساحر جل الزوار الذين يختارون مدينة يوسف بن تاشفين قبلة للاستمتاع والراحة والاستكشاف. فلا يمكن أن يغادر زائر المدينة الحمراء دون أن يمتع عينيه بمناظر حديقة «ماجوريل». فقد استقطبت هذه الحديقة الساحرة كتابا وفنانين ورياضيين وساسة وأدباء، لم يجدوا بدا من زيارة الحديقة من أمثال الرئيس الفرنسي الأسبق فرونسوا ميتران، والأمير البريطاني تشارلز، وخافيير بيريز دي كويلار، أمين عام سابق بالأمم المتحدة، والممثل المصري جميل راتب والمجموعة الفنية البينك فلويد... بداية هذه الشخصية الفنية الموهوبة كانت بالمدينة الفرنسية نانسي التي شيد فيها مدرسة نانسي الفنية التي ذاع صيتها في العالم، قبل أن ينتقل إلى مدينة مراكش، حيث سيبزغ فنه ومخطوطاته الفنية. تربى جوزيف وسط المعالم والنسمات الفنية، لكنه سرعان ما سيكتشف انطلاقا من سنة 1903 موهبته الخاصة والدفينة في الرسم، ليبدأ بذلك رحلته الطويلة مع الدراسة والتأمل الفنيين باسبانيا وايطاليا مبتعدا شيئا فشيئا عن نانسي ومدرستها. أما اللمسات الإسلامية والمشرقية في فن ماجوريل فستتضح خلال مقامه بأرض الكنانة مصر، هناك حيث سيلتقي بالمنبع الإسلامي المشرقي في مجاله الفاسح سنة 1910. في سنة 1917 سيرحل الفنان جوزيف ماجوريل إلى المدينة الحمراء، حينها كان يبلغ من العمر 30 سنة، وقد ساعد المرض الذي كان يعاني منه ماجوريل والمتمثل في صعوبة التنفس والربو في استقرار ابن فرنسابالمدينة الحمراء، بعد أن توسط له كل من والده والرسام إميل فريان لدى الجنرال ليوطي المنحدر هو الآخر من نانسي مسقط رأس ماجوريل، وذلك من أجل تسهيل عملية استقراره بالمغرب وإقامته بمدينة مراكش تحديدا. لم يجد جوزيف ماجوريل صعوبة في الاندماج داخل المجتمع المراكشي، الذي يحوي في طياته طينة تجلب إليها مختلف الثقافات وتجعلها تتعايش وتتآلف في خليط واحد، وقد زاد من محو الوحشة والغربة لدى ماجوريل تخصيصه باستقبال مع قبل باشا المدينة، هذا الموقف سيمحو إحساس الغربة لدى الفتى اليافع وسيجعله ينساب في المجتمع المغربي عامة والمراكشي خاصة بشكل طبيعي. لم يدم على مقام ماجوريل بمراكش إلا سنة واحدة حتى أصبح يجول في جنبات المدينة ونواحيها شبرا شبرا، فلم يعد يفرق المراكشيون الذين يعرفون حقيقة الضيف الفرنسي هل مقامه بمراكش من أجل الاستطلاع الفني وحب المعرفة من اجل نسجها في قالب فني أم أن جولاته مسح طبوغرافي من اجل مهمة مجهولة لجهة مجهولة. خلال تلك الفترة سيصبح لقب «رسام مراكش» لصيقا بماجوريل، بعد أن قام بجولات لدروب المدينة العتيقة التي أبهرته بهندستها المعمارية وببصمات الفنانين العرب ولمسات المعمار الإسلامي الأندلسي الذي كانت جدران المدينة كتابا له. انبهار ماجوريل بالمعمار الإسلامي والأندلسي تحديدا، سيترجمه في بيته الذي اقتناه بعدما كان يقيم فيه، حيث طبع فيلا «بوصفصاف» كما يطلق عليها باللمسات الفنية المعمارية ذات الطابع الأندلسي بشكل كبير، وأتحفها بديكورات عجيبة صنعها لتكون شاهدة على تفتق أنامله التي لم تعد تنتج رسومات عادية، بل أضحت أنامل تتحرك بسحرية لتنتج فنا يصقل الأذواق ويبهر الأعماق. وقد أحاط منزله بحديقة تحوي أندر النباتات وأغربها، بينها أزيد من 1500 نوع من الصباريات، والورود الاستوائية، وأشجار الموز، والسرخسيات العملاقة، و400 نوع من النخيل... عهد ماجوريل سنة 1931 إلى المهندس سينوار ببناء محترف عصري ينزوي إليه معتكفا على رسم لوحاته والديكورات المستلهمة من الفن المحلي. وكانت إدارة المحترف تحت إشراف زوجته أندريه ماجوريل، هذه الأخيرة التي كانت مختصة في تزيين الجلود والصباغة على الخشب، وقد كان لفنها دور في إقبال عدد من السياح الأجانب خلال هذه الفترة على بعض الفنادق الكبرى بالمدينة، كفندق المامونية، الذي زينت بعض قاعاته بالرسومات الفاسية والأمازيغية التي طبعتها زوجة جوزيف ماجوريل. بعد أن اختار تغيير وجهته صوب دول إفريقيا السوداء سنة 1918، وتعاطيه نحت أجساد نسائها العاريات التي شكلت مواضيع بعض لوحاته، سيقوم ماجوريل بعرض «لوحاته المغربية»، ولأول مرة ببهو فندق «اكسلسيور» بالدار البيضاء، ليقدم فيما بعد وبالضبط في سنة 1929 بالمدينة نفسها كتابا يضم بعض رسوماته، وكان التقديم للجنرال ليوطي. لكن في سنة 1955 سيقوم ماجوريل بفصل هكتار واحد من إقامته «بوصفصاف» عن باقي الحديقة التي تحوي المحترف (ثلاثة هكتارات الباقية) ليفتحها أمام العموم. وليعيش بذلك المكان أحلى فترات حياته إلا أنها ستكون السنة أيضا التي يتعرض فيها لأول حادثة سير تكسرت على إثرها قدمه. وفي السنة الموالية سيعيش ماجوريل صدمات ومصائب عندما طلق زوجته أندريه ليتزوج مرة أخرى عام 1961 سيدة يقال إنها مغربية، لكن الكسر في الفخذ الذي آلمه جعل حالته تزداد سوءا ليتم نقله إلى باريس من أجل العلاج لكن روح الفنان ستغادر جسده مودعة كل الأماكن الخلابة التي زارتها رفقة جسد ماجوريل طاوية صفحة طويلة وعريضة من اللحظات الفنية الساحرة ليعم الحزن في الفيلا وتحزن الحديقة والأشجار والنباتات التي لا زالت تستقطب السياح الأجانب من كل حدب وصوب.