باب سبتة : توقيف مواطن سويدي موضوع أمر دولي    الملك محمد السادس يهنئ العماد جوزيف عون بمناسبة انتخابه رئيسا للجمهورية اللبنانية    تقديم عرض بالبرلمان حول أعمال المجلس الأعلى للحسابات برسم 2023-2024    جلالة الملك يعزي في وفاة الفنان محمد بن عبد السلام    رابطة حقوق الإنسان القبائلية تقاضي النظام الجزائري بسبب احتجاز بوعلام صنصال    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأخضر    إيداع 10 علامات تجارية جديدة لحماية التراث المغربي التقليدي وتعزيز الجودة في الصناعة الحرفية    أسعار النفط تتجاوز 80 دولارا إثر تكهنات بفرض عقوبات أميركية على روسيا    الضريبة السنوية على المركبات.. مديرية الضرائب تؤكد مجانية الآداء عبر الإنترنت    اللجان الإدارية المكلفة بمراجعة اللوائح الانتخابية العامة تعقد اجتماعاتها برسم سنة 2025    توقف مؤقت لخدمة طرامواي الرباط – سلا    أغلبهم من طنجة.. إصابة 47 نزيلة ونزيلا بداء الحصبة "بوحمرون" بسجون المملكة    "الأحرار" يشيد بالدبلوماسية الملكية ويؤكد انخراطه في التواصل حول مدونة الأسرة    تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، محطة نضالية بارزة في مسار الكفاح الوطني من أجل الحرية وتحقيق السيادة الوطنية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    ميناء الحسيمة يسجل أزيد من 46 ألف من المسافرين خلال سنة 2024    القِرْد سيِّدُ المَشْهد !    فيلود: "المواجهة ضد الرجاء في غاية الأهمية.. وسنلعب بأسلوبنا من أجل الفوز"    جماعة طنجة تعلن نسبة تقدم أشغال تأهيل معلمة حلبة ساحة الثيران    "جبهة" تدعو إلى مسيرة احتجاجية بالرباط ضد مشروع قانون الإضراب    حملات فرنسية ضد "مؤثرين" جزائريين    في اكتشاف تاريخي : العثور على حطام سفينتين أثريتين قبالة سواحل بالجديدة    حصيلة الشهداء في قطاع غزة قد تتجاوز 70 ألفًا حسب دراسة طبية    وفاة صانعة محتوى أثناء ولادة قيصرية    حوار بوتين وترامب.. الكرملين يعلن استعدادا روسيا بدون شروط مسبقة    بوحمرون: 16 إصابة في سجن طنجة 2 وتدابير وقائية لاحتواء الوضع    "بوحمرون.. بالتلقيح نقدروا نحاربوه".. حملة تحسيسية للحد من انتشار الحصبة    بوحمرون يواصل الزحف في سجون المملكة والحصيلة ترتفع    مندوبية السجون تسجل 47 إصابة ب"بوحمرون" في 9 مؤسسات سجنية    "جائزة الإعلام العربي" تختار المدير العام لهيسبريس لعضوية مجلس إدارتها    ملفات ساخنة لعام 2025    ارتفاع حصيلة قتلى حرائق لوس أنجلس    عصبة الأبطال الافريقية (المجموعة 2 / الجولة 5).. الجيش الملكي من أجل حسم التأهل والرجاء الرياضي للحفاظ على حظوظه    100 فاعل سياحي من إسبانيا والبرتغال يكتشفون جهة الداخلة وادي الذهب    صابرينا أزولاي المديرة السابقة في "قناة فوكس إنترناشيونال" و"كانال+" تؤسس وكالة للتواصل في الصويرة    ارتفاع مقلق في حالات الإصابة بمرض الحصبة… طبيبة عامة توضح ل"رسالة 24″    الحكومة البريطانية تتدخل لفرض سقف لأسعار بيع تذاكر الحفلات    السعودية تستعد لموسم حج 2025 في ظل تحديات الحر الشديد    ارتفاع حصيلة الحرائق في لوس أنجليس    رقم معاملات التجارة الإلكترونية يبلغ 22 مليار درهم بزيادة سنوية تقدر ب 30 في المائة    النظام الجزائري يثير التوترات مع تركيا باستقباله انفصاليين أكراد في تندوف    اتحاد طنجة يعلن فسخ عقد الحارس بدر الدين بنعاشور بالتراضي    السلطات تمنع جماهير حسنية أكادير من التنقل إلى الزمامرة لمساندته أمام نهضة الزمامرة    بطولة إنجلترا لكرة القدم.. إيفرتون يفك الارتباط بمدربه شون دايش    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    مقتل 7 عناصر من تنظيم "داعش" بضربة جوية شمال العراق    عمدة فاس يكشف عن خطط لإطلاق شبكة حافلات حديثة ذات مستوى عالٍ من الخدمات    فضيحة تُلطخ إرث مانديلا... حفيده "الرمز" في الجزائر متهم بالسرقة والجريمة    الكأس الممتازة الاسبانية: ريال مدريد يفوز على مايوركا ويضرب موعدا مع برشلونة في النهائي    النظام الجزائري يخرق المادة 49 من الدستور ويمنع المؤثر الجزائري بوعلام من دخول البلاد ويعيده الى فرنسا    الآلاف يشاركون في الدورة ال35 للماراطون الدولي لمراكش    الموسيقار محمد بن عبد السلام في ذمة الله    وفاة الفنان محمد بن عبد السلام    أخذنا على حين ′′غزة′′!    533 عاماً على سقوط غرناطة آخر معاقل الإسلام فى الأندلس    الجمعية النسائية تنتقد كيفية تقديم اقتراحات المشروع الإصلاحي لمدونة الأسرة    فتح فترة التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1447 ه    وزارة الأوقاف تعلن موعد فتح تسجيل الحجاج لموسم حج 1447ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل يشكل مونديال جنوب إفريقيا شكلا من أشكال الاستعمار الجديد
كتاب «كرة القدم المدرة للمال» يفضح أساليب الهيمنة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية الجديدة
نشر في المساء يوم 06 - 06 - 2010

حولت التكنولوجيات الإعلامية الحديثة مونديال كرة القدم إلى فرجة شمولية تتزامن فيها كونيا مشاعر الفرحة، الأمل والخيبة. لكن، وفي غمرة الحماس، قلما يدرك المتفرج، سواء كان حاضرا
في حلبة الملعب أو مجرد مشاهد، الآلية الداخلية التي تحكم هذه اللعبة والتي تقوم على أساليب سرية في التوجيه الإعلامي والتكييف السيكولوجي للجمهور، على أقلمة الأذواق، وعلى ضخ الغواية عبر رسائل مثيرة وسالبة.. هكذا، وبمعزل عن الصورة البريئة والحبية الرائجة عن هذه اللعبة، تبقى كرة القدم في المقام الأول «بيزنس»، سياسة، سيكولوجيا وأيديولوجيا. هذا ما يفصح عنه ومن دون مواربة الكتاب الجماعي، الذي وقعه ثلاثة باحثين في ميدان الحقل السوسيولوجي: رونالد دفيد، فابيان لوبران وباتريك فاسور، والذي يختزل عنوانه مشروعا بأكمله. «FootAfric» هو عنوان الكتاب الذي يلعب على كلمتي Fric، المال، «وAfric، إفريقيا. يحتمل العنوان إذن ترجمتين: «كرة القدم الإفريقية»، و«كرة القدم المدرة للمال». وقد صدر الكتاب عن منشورات ليشابي.
سعت المقاربة السوسيولوجية لهؤلاء الباحثين الثلاثة إلى تبيان مفارقة تنظيم إفريقيا الجنوبية، (وهو بلد لم يخرج بعد من مخلفات الميز العنصري، والذي يعاني اليوم من أوبئة اجتماعية وسياسية خطيرة)، لمنافسة دولية، لن يستفيد منها في الأخير سوى المستعمرون الجدد والتي قد يخرج منها البلد مكسور الجناح.
يقام إذن لمدة شهر، من 11 يونيو إلى 11 يوليوز، ولأول مرة في بلد إفريقي، مونديال يجمع 32 دولة. إلى اليوم، اقتضت قاعدة التناوب التي رسمتها الفيدرالية الدولية لكرة القدم، أن تقام هذه المنافسة، إما في أوروبا أو في القارات الأمريكية، وبخاصة في أمريكا اللاتينية. في عام 1994 أقيم المونديال لأول مرة في أمريكا. كانت الصناعات الرياضية آنذاك تطمح إلى كسب أسواق جديدة، وتطوير رياضة كرة القدم في مجموع القارات، بغية المساهمة في ظاهرة الشمولية الاقتصادية والسياسية. تبنت المؤسسات الأمريكية هذه الرياضة، (التي تعرف في أمريكا باسم «السوسير»)، المؤسسات الرياضية، والرعاة الممولين، كضمانة لإدخال هذا النشاط ضمن القطاعات الاقتصادية الليبرالية الرئيسية. في المونديال الذي نظمته كل من كوريا الجنوبية واليابان عام 2002 شاهدنا نفس التجربة. ويمثل هذان البلدان الرأسمالية الآسيوية. كما يعتبران الجسر المتين للعلاقات الاقتصادية.
بمعزل عن كرة القدم، تبقى الرياضة نموذجا للهيمنة الحديثة وسلطة بين أيدي «الأقوياء» للسيطرة على الضعفاء. وعوض أن تكون نظاما ديمقراطيا حقيقيا، فإن الرياضة، وخاصة كرة القدم، تفرض على العكس مقاييس وأشكالا للحياة تصبح فيها المحاكاة هي القاعدة. يتعلق الأمر إذن بصراع كوني يحتل فيه التمويل، وكذا المعارف والاختبارات العلمية مقاما مركزيا. لقد أصبح «الإنسان الرياضي» منذ زمن بعيد، مادة خصبة لتجارب المجتمع الإنتاجي.
مونديال 2010 هو بدون شك إحدى المباريات التي تستهدف إنتاج الهيمنة الاجتماعية، السياسية، الاقتصادية والثقافية. وهي على غرار باقي المنافسات السابقة مثل ألعاب بكين الأولمبية، تعبر عن هيمنة جهاز أيديولوجي قمعي، أو حسب عبارة وليام رايخ، «جهاز استراتيجي رأسمالي»، يسمح بتحويل إفريقيا الجنوبية إلى بوابة نحو الأسواق الإفريقية. توفر «الفيفا»، وعلى طابق من ذهب، هذه الإمكانية للشركات الداعمة. وستكون كبريات الشركات العالمية والمجمعات الصناعية حاضرة للمشاركة في هذه الفرجة الكونية، من شركات كوكاكولا، إلى شركة «فيزا»، سوني، الإمارات، هيونداي، أديداس، ماكدونالد، كاسترول، كونتينونتال الخ.. ستكون حاضرة عبر حملة إعلان تبدو من خلالها إفريقيا الجنوبية بلدا يعم في الرخاء، وهي صورة بعيدة كل البعد عن واقع الأغلبية الساحقة والمعدومة من مواطني هذا البلد. لا تشكل هذه الدورة استثناء بالنسبة لباقي الدورات على مستوى الخطاب القائل بأن هذه المنافسة «مناسبة للانفتاح على العالم الخارجي وفرصة ثمينة للتنمية الاقتصادية وخلق للتقارب مع الديمقراطيات الغربية...». وعلى غرار ما سمعناه خلال الألعاب الأولمبية التي أقيمت في بكين، سيقال إن المؤسسات الرياضية «تساعد على نماء الديمقراطية». لكن التاريخ يتلعثم ويكرر نفسه منذ كأس العالم في إيطاليا عام 1934، في ألمانيا عام 1936، والأرجنتين سنة 1978، ثم الاتحاد السوفياتي عام 1980. يمكن القول إن تنظيم الألعاب الأولمبية من طرف بكين ساعد بالعكس على تعزيز الديكتاتورية الصينية، التي خرجت معززة بمباركة من الأنظمة الديمقراطية !
المونديال كاستعمار جديد
أفرز المونديال ظاهرة سوسيولوجية تمثلت في انبثاق شبكة للتأهيل ورصد المواهب الكروية الشابة وخاصة في إفريقيا. قد تبدو هذه المبادرة عملا إيجابيا. يبقى المشكل أن إفريقيا لا ينظر إليها إلا كبقرة حلوب. إذ «يستورد» وسطاء العديد من شباب إفريقيا إلى بلجيكا، فرنسا، إيطاليا قبل أن يلقوا بهم إلى الشارع بلا أوراق. منذ خريف 1998، تلقت أوروبا تحذيرات إزاء ظاهرة استغلال الشباب. مثلا بحي ماتونغي ببروكسيل، يعيش العديد من الشباب المهاجر الذي تم جلبه للعب كرة القدم، في أكواخ بئيسة من دون أفق مهني واضح. كما تعرف فرنسا نفس الوضع. يشكل هؤلاء الشباب طاقات للرأسمال الاستعماري الجديد، الذي يستمر في وضع إفريقيا تحت هيمنته. وليس مونديال 2010 سوى حلقة من حلقات هذا المسلسل.
فيما يخص إفريقيا الجنوبية، فإن مونديال 2010 لا يعدو كونه استعمارا جديدا، فالمؤسسات والجمعيات الرياضية الغربية لا يهمها العنف المزمن الذي تعرفه إفريقيا الجنوبية، لا يعنيها داء السيدا الذي ينخر قسما كبيرا من المواطنين، لا تهمها الاغتصابات والفقر الذي يعاني منه المجتمع. يبرهن تاريخ المنافسات السابقة على أنه بانتهاء المنافسات فإنه على المواطنين أن «يتعايشوا» مع الشروخ السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية التي يفرضها تنظيم مثل هذه المباريات. لكن أهم شيء آنيا هي الحفلات الكاذبة، المعتقدات والأوهام الناتجة عن هذا الأفيون: الخمر الذي يسيل بسخاء، العاهرات اللواتي تدفع بهن المافيات إلى الأسواق، العنف المحتمل تصديره نحو بلدان إفريقية مجاورة. لقد استثمرت إفريقيا الجنوبية ميزانية ضخمة في الأمن العسكري والبوليسي، في تجهيزات وبنيات تحتية عتيقة، في الوقت الذي يفقد فيه يوميا الأمل في اختفاء الميز العنصري. لا زلنا أمام الاستعباد الدائم لإفريقيا.
إلى الآن، نجحت المؤسسات، التي تشرف على تنظيم مباريات كرة القدم، في عقد لقاءات رياضية وكروية في بلدان تعرف أوضاعا اقتصادية مهزوزة أو تعاني من وطأة أنظمة سياسية مشكوك فيها. نظمت كؤوس العالم في كل من إيطاليا عام 1934، وفرنسا عام 1938، والشيلي سنة 1962، والمكسيك سنة 1970 ثم عام 1986، بالأرجنتين سنة 1978، وقس على ذلك فيما يخص الألعاب الأولمبية لبرلين عام 1936، ومكسيكو سنة 1968، وموسكو عام 1980، ثم بكين سنة 2008. انبثق اليوم نموذج آخر يقتضي انتهاز الفوضى الاقتصادية والسياسية لبعض البلدان، كيفما كانت طبيعة النظام السياسي، لزجها في مشاريع اقتصادية تنهك قدراتها الداخلية. على الرغم من ثورة 1991 وانتخاب نيلسون مانديلا رئيسا ل«الدولة الجديدة»، فإن جنوب إفريقيا لا زالت ترزح تحت مخلفات الميز العنصري. إن أسطورة «أمة قوس قزح»، أمة بقوميات وأصول متباينة، لم يتحقق بعد، بحكم الفوارق الاجتماعية والطبقية التي لا زالت على شكلها التقليدي. كان الهدف من تنظيم هذه المنافسة محو التمايزات والفروقات. وغداة اختيار الفيفا ملف إفريقيا الجنوبية، صرح أكثر من طرف بأن «المنتصر هو كرة القدم، هو إفريقيا». لكن عن أية إفريقيا تتحدث الفيفا؟ عن البلدان التي يعيش ثلث سكانها بأقل من نصف دولار في اليوم؟ عن بلدان تشهد تزايدا في التناحر والحروب الأهلية؟ عن إفريقيا التي يتآكلها الجوع؟ إفريقيا السيدا، مع العلم أن جنوب إفريقيا يتربع على قائمة الترتيب في هذا الباب؟ عن أية كأس للعالم نتحدث إذن: عن كأس العنف، الفقر، الاغتصاب، الشركات الغربية الكبرى الممثلة للرأسمالية المهيمنة؟
بين البنادق والأسلاك الشائكة
مجتمع إفريقيا الجنوبية مجتمع عنيف، لأنه لم يهضم عقود الميز العنصري، وتطابق اليوم بنيته الاجتماعية موروث النظام العنصري، القديم. حل التمييز الاجتماعي محل التمييز العنصري ولا زالت الخيرات في يد البيض، الشيء الذي تسبب في انبثاق مجموعات محبطة انتظمت على شكل مافيات. أصبحت الجريمة أحد المكونات الأساسية في الحياة اليومية. وتحولت مدينة جوهانسبورغ إلى إحدى العواصم العالمية للجريمة. ويستشهد الباحثون في هذا الباب بالتحقيق الذي أجرته أسبوعية «دير شبيغل» الألمانية، والذي ورد فيه أن إفريقيا الجنوبية تعرف سنويا 18500 جريمة اغتيال، و20500 محاولة اغتيال، و55000 عملية اغتصاب، و5000 عملية اختطاف، دون الحديث عن انتهاك حقوق الإنسان. ويشير المؤلفون إلى أن النظام البوليسي اليوم يبقى نظاما يتميز بالعنف، العنصرية، ومعاداة الديمقراطية. ولتأمين وحماية كأس العالم، رصدت الحكومة ميزانية ضخمة جند بموجبها آلاف من رجال البوليس والعسكر، حيث جند 40000 شخص للعمل في جهاز البوليس، الذين بلغ مجموعهم 190000 شخص. كما بلغت الميزانية المخصصة للأمن 117 مليون أورو. وستستعمل الحكومة 40 طائرة هيليكوبتير. غير أن هذه الإجراءات تبقى من دون فائدة، على اعتبار أن رجال البوليس هم المسؤولون عن العنف المستشري في البنيات الداخلية للمجتمع، من اغتصاب، وخطف، وحوادث إجرام.
إعادة اكتشاف لجنة عدن
بسبب تاريخها السياسي المميز، بقيت جنوب إفريقيا، نسبيا، مغلقة في وجه شهية المؤسسات الرأسمالية الكبرى. وبسقوط نظام الأبارتايد، الميز العنصري، تغيرت الصورة وفتح البلد أبوابه أمام منافسة الشركات الكبرى. كان صندوق النقد الدولي سباقا إلى دعوة إفريقيا الجنوبية إلى خلق جو لائق للاستثمار والإنتاج حتى يستفيد من العولمة الاقتصادية. وهكذا أبدت مؤسسات صناعية عديدة اهتمامها بإفريقيا الجنوبية. وقد دخلت الصين منذ مدة السوق، حيث وصل حجم المبادلات التجارية مع إفريقيا الجنوبية 185 مليون أورو، أي بزيادة %34,5، فيما نددت النقابات الوطنية بتشطيب 100000 وظيفة في قطاع
النسيج.

الفيفا.. عالم من المفترسين البيض
الفيدرالية الدولية لكرة القدم أخطبوط. وتظهر العلاقات الوثيقة، التي تقيمها الفيفا اليوم مع كبريات الشركات الصناعية والتجارية على الرابطة الحية بين الكرة والرأسمال. وتضم الفيفا لوحدها اليوم ما لا تضمه هيئة الأمم المتحدة من أعضاء، إذ يبلغ عددهم 207 أعضاء.
تنظم المباريات في عشرة ملاعب، تم إصلاح البعض منها، فيما شيد البعض الآخر خصيصا لهذا الغرض. ويعتبر ملعب جوهانسبورغ أهم هذه الملاعب، والذي تبلغ طاقته الاستيعابية 94000 مقعد. أما أصغر الملاعب، فيحتوي على 40000 مقعد. هذه البنيات التحتية المبالغ فيها، بالنظر إلى القدرة الاقتصادية للبلد، لن تستغل بعد نهاية المونديال، بل بالعكس، ستصبح عبئا اقتصاديا على كاهل المواطنين. وهذا ما قصده دينيس بلايتيس، رفيق درب نيلسون مانديلا في تصريحه حين قال: «لما يتم بناء مركبات ضخمة، يتم تحويل موارد يمكن استعمالها في تشييد مدارس أو مستشفيات».
أن تحول دورة 2010 لكأس العالم إلى حدث لا سياسي، بل إلى حدث اقتصادي ذي انعكاسات إيجابية على الوضع الاجتماعي والمعيشي للبلد هو من قبيل البهتان الإعلامي. إن كرة القدم غير قادرة على حل مشاكل هيكلية مثل داء السيدا، واستمرارية الميز العنصري، وتفاقم حدة الفوارق الاجتماعية، واستشراء الفقر والعنف وغيرها من الأمراض الاجتماعية. إن خروج إفريقيا الجنوبية من مطبة هذه المشاكل لن يتم عن طريق كرة القدم. بل إن المونديال على العكس سيفاقم حدة الأزمة وتبعية البلد للشركات متعددة الجنسيات. بحكم خيرات البلد، كانت إفريقيا الجنوبية دائما محط عناية للرأسمال وشركاته: من شركات بيع الأسلحة إلى شركات بيع الصودا، مرورا بالتجهيزات الرياضية. ومن وراء إفريقيا الجنوبية، يستهدف الرأسمال مجموع المجتمعات الإفريقية. كما أن هذه الدورة ستكون مناسبة لظهور وتظاهر مسؤولين ومسيرين لأنظمة ديكتاتورية. من الجزائر إلى ساحل العاج مرورا بغانا التي لا زالت تبيح الإعدام، والمكسيك ونيجيريا وكوريا الشمالية، والكاميرون الخ...
إن القول بأن المونديال يعزز مشاعر الإخاء بين الشعوب شيء، ومعاينة واقع هذه الشعوب وملفاتها في مجال حقوق الإنسان شيء آخر. وهنا المغالطة الكبرى. ولن يقدر كأس العالم في دورته الحالية على تغيير ملامح هذه الصورة الكالحة. في انتظار ذلك، ستخفق قلوب الملايين من المتفرجين للتمريرات، للأهداف، ولإنجازات الفرق المتبارية. لكن بعد انتهاء المونديال، لربما اكتشف البلد وجها آخر، يتناقض والصورة الإعلامية والتليفزيونية بالألوان الطبيعية التي طافت على المعمور لمدة شهر من التباري والتنافس!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.