التهامي الكلاوي هو النعجة السوداء التي يلقي عليها الجميع مساوئ الخيانة والغدر بالوطن. لقد تحول هذا الرجل إلى نموذج للخيانة، مع أن كثيرين غيره كانوا خونة في زمن الاستعمار ولم يلحقهم ما لحق هذا الرجل الذي كان عيبه الأكبر هو أنه لم يكن يداري خيانته. يحكون عن الكلاوي أنه الرجل الذي لم يجد كفنا لدفن والدته، وعندما غادر هو الحياة ترك وراءه ثروة مذهلة. إنها ثمن عقود طويلة من التعامل مع الاستعمار، وتركة النظر إلى الوطنيين نظرة استعلاء تصل حد الاحتقار. كان الكلاوي أبرز المتمردين على السلطان والشعب على السواء في مرحلة الاستعمار. لقد اختار بوضوح جانب الفرنسيين ولم يتلق أي وخز من ضميره حتى عندما دفع ابن عرفة لأخذ مكان السلطان محمد الخامس بعد نفيه، لأن اختياره كان عن قناعة. كان الكلاوي زعيما قبليا على كلاوة في بجبال الأطلس الكبير، ومن تلك الزعامة استمد قوته الأولى من أجل اكتساب قوة ثانية، وهي التعاون التام مع الفرنسيين، وهو تعاون بوأه منصب الباشا على المنطقة بعد الجريمة الغامضة التي أودت بأحد ألد خصومه في المنطقة سنة 1920 وهو القايد محمد بوستة. ربما لم يكن الكلاوي متمردا على المخزن والسلطان بقدر ما كان مطلعا على أوضاع المغرب التي كانت تدفع إلى الاعتقاد بأن الحماية قضاء الله وقدره ولا راد لقضائه، وهو ما جعله يسخر من قياديين وطنيين مغاربة جاؤوا إليه يوما في منزله بمراكش وطلبوا منه الانضمام إليهم للمطالبة بالاستقلال، فأجابهم مستهزءا: «هل ستحررون المغرب بالفاتحة؟». كان الكلاوي قويا بنفوذه الذي يستمده من الحماية وجنرالاتها في المغرب، وكان قويا أيضا بامتداداته القبلية، وهو ما جعل المخزن يتقي شره. الكلاوي رجل صارم إلى درجة القسوة، وكان يعتبر نفسه أقوى من السلطان، وهذا ما دفعه يوما إلى منع بنات عدد من كبار المسؤولين والأعيان المغاربة من حضور زفاف في مراكش بلباس اعتبره أوروبيا ولا يتماشى مع التقاليد المغربية. عندما أزف موعد خروج الحماية، لم يجد الكلاوي لنفسه من حل غير التقرب من حزب الاستقلال والسلطان، وشاهد الناس تلك الصورة الشهيرة للكلاوي وهو يرتمي على رجل محمد الخامس لتقبيلها، وهي الصورة التي تطبع نهاية كل المتمردين في المغرب تقريبا. انتهى زمن الكلاوي، وهو لم يكن الوحيد في الخيانة، لكنه الوحيد ربما الذي جاهر بها إلى درجة الاستفزاز، بينما مارسها الآخرون بنوع من التقية.