لكي يمر مبدع مغربي شاب إلى النشر كان عليه أن ينتظر طويلا في الصف، بل كان عليه أيضا أن يتحلى بالكثير من أخلاق «الأولاد الجيدين» وأن يمر من تحت إبط المعلم، والذي هو في هذه الحالة، المثقف الصنديد الخارج من الحزب أو من النقابة أو من المشروعية التاريخية، الذي يملك الحقيقة، معلبة في صندوق العجب. ليس عيبا أن يتعلم اللاحق من السابق ولا أن ينصت «المتعلم» للمعلم أو حتى أن يحمل له الحقيبة من باب الجامعة إلى السيارة العامرة، أو أن يتسقط له الأخبار في المقاهي والحانات وفي الحرم الجامعي وبين صحف اليمين واليسار، فحق على المثقف المغربي الصنديد أن تكون له كافة المعطيات عما يجري في الكواليس وما يقال فيه من مديح أو هجاء، وحق له أن يشكل فرقة المديح العالي. قرون استشعار الطوطم المغربي تمتد إلى النوايا، فتفرد لها المقام الأوفى في التحليل وفي «التنكيل»، فكم من صاحب رأي في السياسة أو في الكياسة انتهى به المقام إلى أن يأخذ علقة جيدة وسط دفء الرفاق في وطيس الحماس، وكم من أصبع أشارت في لعبة التجريم والتحريم «هذا بوليس»، وكم من قبعة كانت إلى عهد قريب تتفاخر بالمعارك و الغبار فانتهت إلى مجرد بوق صغير في جوقة نفارين مهرة، يزفون الشائعة التي اسمها الديمقراطية إلى هودج من «مزاح». ليس عيبا أن تتكسر النصال على النصال في حرب المشروعيات، وأن يأكل الأخ لحم أخيه حتى وإن كان نيئا غير مطبوخ، وليس في الأمر أدنى عتب أن يعود الخوارج بعد حالة «فوضى غير منظمة» إلى جحور الأمهات والآباء خانعين طائعين، فالبلد غفور رحيم. أعرف مثقفا يشغل جماعة من شلته، تجمع له الأخبار، وتتكلم باسمه في المنتديات وفي اللقاءات وتروج لفكره «الحر»، وتستل ألسنتها من بين أفكاكها وتلهج ب»كيت وكيت وكيت». وأعرف مثقفا آخر كريما للغاية، وأعرف مثقفا قوالا، وأعرف مثقفا مهرولا في كل اتجاه، وأعرف رجل سياسة لا يستقيم له قعود إلا إذا كان التقرير اليومي بين يديه حول فلان الفلاني وعلان العلاني، وقد يتكرم سعادته ويرسل لهم رسالة مدموغة ببعض اللكمات والكدمات، وقليل من محاضر الشرطة. وأعرف رجل سياسة يسري ومعه أهلون من كل الأطياف والألوان، فلا بد للتعددية من أن تأخذ معناها الحقيقي، ولا بد للخلاف من أن يرتفع حتى يفسح المجال سانحا للمصلحة «العليا». وأعرف رجلا ورعا وغير ورع، يلوي أعناق «النصوص» والفصوص، فمتاع الدنيا براق خلب، لا مجال لمنكافته. الطابوالمغربي يقول لك لا تقرب. الطابو المغربي يقول لك: انتهز الفرصة السانحة. الطابو المغربي يقول لك: مالك وهذا الصداع. الطابو المغربي يقول لك: هذا طوطمي أطعمه إن جاع واكسه إن عري وكالمه إن هزه السكوت. في الثقافة وفي السياسة طوق محكم، وسدنة قائمون، وستكتشف بصدفة الأشياء أن القبيلة السياسة حتى وإن اختلفت فهي واحدة تتعشى على ذات المائدة وتنصب نفس الكمائن للعابرين أو للدهماء، وتضحك على «الشباب الغفل» الذي أراد أن يقود تغييرا من القمة إلى القاعدة، في الوقت الذي أصبحت فيه القمة حادة مثل شوكة في الحلق، تحبس الأنفاس. الطابو المغربي رجل إقطاع، رب مصنع، جزمة سلطة، يد الرفيق التي تصفع، عينا الأخ الخوانتان، الرجل صاحب الألسنة، المتوهم امتلاك الحقيقة، الذي يجيش ويسوق القطيع. فمن كان منكم شجاعا، فليرم طوطمه بحجر.