لم يكن أحد يعتقد أن حادث اعتداء شاب ينتمي إلى أسرة ثرية سيرمي بقائد سرية الدرك الملكي، الكولونيل التريكي في دهاليز النسيان والمساءلة، ولم تكن عناصر السرية تظن أن المظلة التي ظلت تحمي الرجل ستسقط بمجرد حادث عرضي لشاب مخمور، لكن رياح القضية جرت بما لا يشتهيه التريكي والجنرال دو كور دارمي حسني بنسليمان. في ليلة هادئة من ليالي صيف سنة 2008 وفي حدود الساعة الثالثة صباحا، سمع قاطنو المنتجع السياحي بالصخيرات صوت نزاع انتهى بصوت اصطدام مدو، وتبين أن الأمر يتعلق بنزاع بين شاب يدعى سعد في عقده الثالث، وحراس الأمن الخاص لملهى ليلي. كانت تظهر على الفتى ملامح الثراء، من خلال سيارته من نوع جاغوار التي كان يمتطيها، والفتاة الجميلة التي كانت ترافقه واسمها بشرى التي تصغره بعامين. تبين أن منع حارس الأمن الشاب المنتمي لأسرة بيضاوية عريقة في عالم التجارة والأعمال، خاصة في مجال بيع المجوهرات، من دخول الملهى لن يمر عليه بردا وسلاما، حيث جاء رد فعل الشاب المخمور أعنف مما توقعه حارس الأمن، إذ ركب سيارته وهو في حالة غضب وداس حارس أمن بينما نجا حارس آخر من موت محقق، قبل أن يقود سيارته بسرعة جنونية رفقة عشيقته، مخلفا وراءه حارسين ملقيين على الأرض وزبناء الملهى والفندق وهم في حالة ذهول، من بينهم أمير سعودي عاين الواقعة وطالب بتغيير مقر إقامته فورا، مما أحرج السلطات وإدارة المنشأة الفندقية. قتل حارس يدعى مصطفى الشدولي، في الحين بعد أن داسته عجلات جاغوار مرتين، ونقل الثاني ويدعى حسن المعتصم على وجه السرعة في حالة خطيرة إلى غرفة الإنعاش الطبي بمستشفى ابن سينا بالرباط، ليبدأ الدرك الملكي عملية البحث عن الجاني الهارب. قال شهود عيان، إن منع الشاب من ولوج الملهى الليلي قد رفع مؤشر غضب سعد الذي كان مخمورا إلى درجة يصعب معها ترتيب عبارات اللوم التي أمطر بها حراسا يستندون إلى تعليمات لمنعه من الاقتراب من بوابة الخمارة، خاصة وأن وجوده ظل مقلقا للزبناء والعاملين على حد سواء، قبل أن يحرض الشاب هاتفه المحمول على فك الحصار من خلال مكالمة مع شخصية نافذة سرعان ما أنهت فترة الحصار، ليعربد كعادته رفقة خليلته وهو يدخن «أرقى» أنواع المخدرات، ويخطط في نفس الوقت للانتقام من حارس خدش كرامته حين منعه من الاقتراب من بوابة الملهى. لكن بالمقابل تعامل محضر المعاينة مع الجريمة بليونة، «اعتبارا» لمكانة والد الجاني، حيث صنفت في خانة حادثة سير، بل إن المحضر أدان الضحيتين، وأكد على إخلالهما بواجبهما المهني لأنهما غادرا مكان عملهما من أجل شراء سجائر بالتقسيط، في ما يشبه الإدانة المعكوسة، بينما صدر قرار بمنع تناول الخمر في الملهى حفاظا على ما تبقى من «سمعته».. سارت الأمور وفق ما خطط له محررو محضر المعاينة المخفف، لكن ظهور شقيق الضحية أعاد فتح التحقيق من جديد، ولاسيما أنه يشغل مهمة كولونيل في الدرك بالأقاليم الصحراوية. زار الكولونيل الشدوني مسرح «الجريمة»، واستمع إلى شهادات الحاضرين وتبين له أن القضية قد أقبرت نظرا لمكانة «ولد لفشوش»، وتدخل على الفور لدى القائد العام للدرك الملكي من أجل إعادة فتح تحقيق حول الوفاة الغامضة لشقيقه. أعيد فتح الملف من جديد، وسقطت رؤوس عديدة ساهمت في تضليل العدالة، علما أن الشريط الذي تضمن الواقعة، كما رصدتها كاميرا الفندق قد اختفى بفعل فاعل، بينما منحت للمسؤول عن كاميرات المراقبة عطلة مفتوحة، مما عزز احتمال تزييف الوقائع في المحضر الأول، تحت ذريعة الخوف على مستقبل السياحة في المنطقة وسمعة المنشأة الفندقية. اعتقل سعد بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، فيما توبعت عشيقته بشرى بتهمة عدم التبليغ عن جريمة قتل، لكن القيادة العليا للدرك ضربت بقوة، وخيرت الكولونيل التريكي بين الاستقالة والإقالة، لينهي مساره المهني تحت وقع الصدمة.