فضيحة الكولونيل التريكي لا يجب أن نتركها تمر مرور الكرام ؛ في مقال سابق انتقدت تدخل الشيخ عبد الكريم الخطيب بصفته زعيما سابقا للإسلاميين لدى قيادة الدرك الملكي من أجل العفو والصفح عن صهره التريكي المتهم بتزوير المحاضر ، على اعتبار أن ذلك سيساهم في تفشي الفساد بشكل رهيب ، فعندما لا يجد المفسدون من يردعهم ويجدون في المقابل من يدافع عنهم فلا يبقى أمامهم سوى أن يعيثوا في الأرض فسادا ، خصوصا إذا كان الدعم والمساندة من طرف شيخ إسلامي طاعن في السن مثل الدكتور الخطيب. "" وبالإضافة إلى الخطيب وبنسليمان ، هناك شخصية أخرى أكبر وأهم ، تستحق أن تنال نصيبها من النقد في هذه القضية ، إنه الملك محمد السادس ! فلو كنا في بلد ديمقراطي لكان المكان الذي سيرسل إليه قائد سرية الدرك الملكي بمنطقة تمارة الصخيرات هو المحكمة العسكرية وليس بيته . ولحس الحظ فقط أن خبر تزوير الكولونيل لمحضر تلك الحادثة البشعة التي راح ضحيتها حارس ملهى ليلي بالصخيرات وصل إلى الملك ، ومن تم توقيفه على الفور عن ممارسة مهامه ، ولولا ذلك لتم طي ملف هذه الفضيحة بين يدي حسني بنسليمان في قيادة الدرك الملكي ، وبقي الكولونيل في مكانه يزور المحاضر من أجل حماية أبناء العائلات الثرية من أي متابعة قضائية عندما يقتلون أبناء الشعب "العاديين" بسياراتهم التي يسوقونها بسرعة مجنونة تحت تأثير السكر.
ورغم توقيف الكولونيل التريكي وانتزاع كسوة قائد سرية الدرك التي كان يتباهى بها وإرساله إلى منزله كي ينصت لعظامه ، فهذا ليس كافيا بالمرة ، بل يمكن اعتبار هذه "العقوبة" التي صدرت في حقه من طرف الملك ، اللي هو القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية ، بمثابة تشجيع المسؤولين الآخرين على اقتراف مزيد من الجرائم في حق المواطنين ، ما داموا متيقنين من أن أقصى عقوبة يمكن أن تنفذ في حقهم في حال وصلت أخبارهم إلى الجهات العليا هي توقيفهم عن العمل ؛ ومن يضمن أن الكولونيل التريكي لن يعود لممارسة "مهامه" مرة أخرى ، مادام هو جالس في بيته وليس في السجن ، ففي المغرب يمكن أن يتم عزل أي مسؤول ، وبمجرد أن تمر العاصفة وينسى الناس القضية حتى يعود إلى مكانه وكأن شيئا لم يكن ، وهذا ما يسمى بدر الرماد في عيون الشعب.
ولعلكم ما زلتم تذكرون كيف أن الملك قد "فصل" كاتبه الخاص منير الماجيدي من مهامه ككاتب خاص للملك عندما استولى على أربعة هكتارات ونصف الهكتار من أراضي الأحباس في إقليمتارودانت ، وفي الوقت الذي اعتقد الجميع أن تلك كانت نهاية الماجيدي تفاجأ الناس بأن تلك "العقوبة" التي نفذها الملك في حق كاتبه الخاص عندما أرسله إلى جزر الباهاماس لم تكن سوى خطة مدروسة لإبعاده عن الأنظار لحين تمر العاصفة ، وعندما مرت العاصفة ونسي الجميع أمر أراضي الأحباس المنهوبة عاد الماجيدي فعلا لممارسة عمله بشكل عادي داخل الديوان الملكي من جديد ! هادي هي الأحكام ديال قراقوش.
وتبقى المصيبة الكبرى في قضية التريكي هي أن "عقوبة" منع التريكي من مزاولة مهامه لم تصدر عن العدالة أو قيادة الدرك الملكي ، بل صدرت من القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية ، الذي ليس شخصا آخر غير الملك محمد السادس.
إذا كانت "صرامة" الملك مع المسؤولين الذين يزيغون عن الطريق لا يمكن أن تتعدى هذا الحد ، فماذا يمكن يا ترى أن ننتظر من العدالة المغربية التي يتم تسييرها بواسطة الهواتف والفاكسات.
عندما علم الملك أن مدير أمن قصوره السابق عبد العزيز إيزو متورط في المشاركة في تهريب المخدرات أمر بإحالته فورا على القضاء ، ومن تم إلى السجن ، أما الكولونيل التريكي الذي زور محضرا حول فيه الضحية إلى مجرد متهور لم ينتبه إلى الطريق ، فكل ما فعله في حقه هو أنه نزع عنه بذلته الرسمية ، وأرسله إلى بيته ليستريح . زعما الأمن ديال الملك ما خصوش يتقاس ، ونحن ليس هناك أي مشكل في أن يدهسنا أبناء الوزراء والمسؤولين الكبار والأثرياء بسياراتهم مثل الذباب ، وبعد ذلك تكون العقوبة التي تصدر في حقهم هي إحالتهم على التقاعد المبكر . عدالة واش من عدالة هادي.
نحن إذن أمام خطر كبير ؛ حتى الملك الذي يرى فيه المغاربة أملهم الوحيد لإنقاذ البلاد من هذا الظلم والفساد الذي يملأ كل مكان يكيل بدوره بمكيالين أو ثلاثة . تماما كما يفعل المسؤولون الآخرون.
وعندما يصدر الملك بنفسه مثل هذه القرارات الخاطئة فما على المغاربة سوى أن يقرؤوا اللطيف ويتحسروا على هذا البلد الذي يسير بسرعة مهولة إلى ... المجهول . فقد اكتشفنا الآن أن المظلة الملكية التي كنا نعتقد أنها ستحمينا من بطش المفسدين في الأرض ليس لنا مكان تحتها ، وأن الذين يحتمون بها في واقع الأمر هم المفسدون ! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.