منذ أن أصدر أحد القضاة الفرنسيين حكما يقضي بتطليق زوجة مغربية مهاجرة من زوجها المغربي الأصل بسبب اكتشافه أنها لم تكن عذراء كما وعدته، شنت الصحافة الفرنسية حملة هوجاء ضد رشيدة داتي وزيرة العدل الفرنسية، واتهمتها بالتخطيط لتحويل الجمهورية الفرنسية إلى إحدى إمارات طالبان. ولم تنس هذه الصحف الإشارة إلى أصول رشيدة المسلمة، خصوصا والدها المغربي ووالدتها الجزائرية. وعندما جاءت رشيدة داتي إلى كلية الطب لتلقي محاضرة قبل ثلاثة أشهر، ساورها بعض الانزعاج عندما أصر بعض الصحافيين على تذكيرها بأصولها المغاربية. وقالت له وهي تقوس فمها تلك التقويسة المتعجرفة التي اشتهرت بها، أنها لا تشعر بنفسها لا مغربية ولا جزائرية، فهي كانت دائما فرنسية التربية والثقافة. وعندما جاءت آخر مرة إلى حي سباتة في الدارالبيضاء حيث يقطن والدها، وقضت خمسة عشر يوما في أحد الفنادق الفخمة بعين الذياب، اعتقد البعض أن تلك «الطحشة» الصغيرة التي عادت بها إلى باريس ما هي إلا نتيجة مباشرة للإفراط في تناول البطبوط والبغرير المغربي على طاولة الإفطار. لكن الصحافيين في فرنسا ألح من ذبابة، فكل شخصية عمومية مشهورة تخضع للمراقبة اللصيقة لعدسات كاميراتهم «اللاصقة». فقد أثارت «طحشة» رشيدة الأسئلة والشكوك، وبدأت مجلات الإثارة تصنع القصص والحكايات حول حمل محتمل لوزيرة العدل. ولعل ما يضيف مزيدا من الإثارة على هذا الخبر هو كون المعنية به ليست فرنسية الدماء بل عربية من أصل مسلم. والمسلمات في نظر هؤلاء الفرنسيين لا ينجبن الأطفال إلا إذا كن متزوجات على سنة الله ورسوله. مساكين هؤلاء الفرنسيون، فهم لا يعرفون مثلا أن الدارالبيضاء وحدها فيها 5000 أم عازبة يتسكعن رفقة ذريتهن في الشوارع. لكن رشيدة داتي ستقطع الشك باليقين وستعترف بأن «طحشتها» التي عادت بها منتفخة من المغرب ليست بسبب «باداز» أو غيره من المعجنات، بل بسبب حمل. وأضافت أنها تجتاز مرحلة حرجة من عمرها، لأنها في الأربعينات وتخشى على حملها من تعقيدات محتملة. بمعنى آخر أنها قررت أن تلد وتترك «التريكة» قبل أن يفوتها الكار. فهي لن تنتظر فارس الأحلام الذي سيأتي على صهوة جواده إلى نهاية العمر. أما صاحب دعوتها، أي أب الجنين، فلم تر داعيا للكشف عنه. منذ تنصيبها وزيرة للعدل ورشيدة تصنع كل ما بوسعها لكي تبرهن للفرنسيين أنها أكثر فرنسية منهم، رغم دمائها المغاربية التي تجري في عروقها. ولم تدخر جهدا في اقتناء ملابسها من أرقى دور الموضة والأزياء بشكل أثار غيرة الفرنسيات نقيات الدماء، كما أنها حرصت على الظهور في الحفلات الرسمية بمظهر «منفتح»، خصوصا تنوراتها المفتوحة إلى ما فوق الفخذين، وإفراطها في شرب الشمبانيا إلى الحد الذي ظهرت فيه على أحد المواقع الأكثر شهرة وهي تترنح وتتمايل ثملة في حفل رسمي. وعندما هاجموها بشراسة بسبب حكم التطليق بسبب البكارة الذي أصدره قاضي فرنسي لديه استقلاليته عن وزيرة العدل في اتخاذ الأحكام التي يراها مناسبة، واتهموها بالرغبة في تحويل القضاء في فرنسا إلى مؤسسة تابعة للأزهر، قررت رشيدة أن تخرج لها «نيشان»، وأن تشهر أسلحتها الثقيلة في وجه خصومها. فذهبت إلى المغرب لتقضي عطلتها وعادت لهم ببطن تدفعها أمامها وهي نازلة من أدراج وزارة العدل الفرنسية. وهي بذلك أرادت أن تبرهن لكل الفرنسيين أنها لا تقل فرنسية عنهم. فإذا كان عدد الأطفال الفرنسيين المولودين خارج مؤسسة الزواج يصل كل سنة إلى أربعين بالمائة من نسبة الولادات في كل فرنسا، فلا مانع من أن تتعاون رشيدة مع هؤلاء الفرنسيين في تجاوز رقم 300 ألف مولود غير شرعي سنويا لمن نسميهم نحن «الحرامية» ومن يسميهم الفرنسيون ولادات خارج الزواج. والواقع أن كل جهة استغلت حمل رشيدة سفاحا لكي تصفي حساباتها العالقة مع خصومها. ولعل أطرف خبر قرأه الجميع خلال الأسبوع الماضي هو ذلك الخبر الذي نشره موقع مغربي «يتهم» خوسي ماريا أزنار رئيس الوزراء الإسباني السابق بكونه صاحب دعوة رشيدة داتي. وبما أن صاحبنا «دمو سخون»، ولا يشم رائحة المغاربة كمجرد مهاجرين فبالأحرى كعشاق، فقد سارع إلى إصدار بيان تكذيبي ينفي فيه مسؤوليته عن «طحشة» رشيدة. وهذا ثاني «فرمان» يصدره خوسي بعد البيان الذي أصدره سابقا لتكذيب علاقته العاطفية بإحدى الفنانات. ولم يكتف الأخ خوسي بتكذيب الإشاعة وإنما لوح بإمكانية مقاضاة كل من يروج لمثل هذه الإشاعات حول جيناته وحيواناته المنوية المبجلة. وهنا نلمس الفرق بين خوسي ماريا أزنار والملك محمد السادس. فعندما نشر أحد المواقع الإلكترونية المغمورة التابعة لليمين الإسباني إشاعة خضوع الملك لعملية جراحية في فرنسا، أصدر الديوان الملكي بلاغا يكذب فيه هذه الإشاعة، لم يلوح عبد الحق المريني بإمكانية مقاضاة الموقع أو كاتب المقال، ولم يتعرض أحد في المطار للصحافي الإسباني الذي نشرها والذي يعيش متنقلا بين الرباط ومدريد. وهكذا فالحرب بين المغرب الرسمي واليمين الإسباني تستعمل فيها كل الأسلحة، ومن بين الأسلحة الخطيرة التي تستعمل أحيانا الإشاعة. وإذا كانت وزيرة العدل الفرنسية لا ترى مانعا في أن تحمل سفاحا وأن ترفض الإفصاح عن اسم أبيه، وأن تتحول في الأربعينات من عمرها إلى أم عازبة، فإن «الشيخ» المغراوي عندنا لا يرى مانعا من تزويج ابنة التاسعة. وحجته في ذلك أن بنات التاسعة يقدرن على النكاح مثلما تقدر عليه بنات العشرين فما فوق. أحد المحامين أخذ المبادرة ورفع دعوى ضد «الشيخ» بتهمة الإخلال بقوانين مدونة الأسرة وتعريض حياة القاصرين للضرر وتشويه الإسلام بمثل هذه الترهات. هذا المحامي معه حق في رفع هذه الدعوى، فالمكان الأنسب لابنة التاسعة هو مقاعد المدرسة وليس سرير الزوجية. وكل المغاربة الذين لديهم بنات في التاسعة من أعمارهن أحسوا بالإهانة وهم يسمعون «الشيخ» يفتي بقدرة هؤلاء الطفلات اللواتي لا يزال كثير منهن يلعبن بالعرائس، على النكاح مثل بنات العشرين. ولعل ما يثير الاستغراب هو أن بعض «العلماء» و«المشايخ» يحصرون اجتهاداتهم العلمية في ما تحت الصرة. وكأن الإسلام محصور في نظرهم فقط في النكاح والجماع وآداب الدخول بالعروس. وقد كنا ننتظر «الشيخ» المغراوي وغيره من المشايخ أن يفتينا في حكم من يفوت أراضي أحباس المسلمين للمسؤولين الكبار، كما وقع تحت أنف «الشيخ» المغرواي بمراكش عندما فوتت وزارة الأوقاف أراضي الأحباس لمجموعة الضحى. وكما وقع في تارودانت عندما فوتت وزارة الأوقاف أراضي الأحباس لمنير الماجدي. لماذا لم تصدر كلمة واحدة عن هذا «الشيخ» العالم عندما تم تعذيب المتهمين بسرقة أواني المطبخ من القصر الملكي بمراكش في كوميسارية جامع الفنا. ولماذا لم يفتنا في حكم من تسبب في قتل أحد المتهمين من فرط التعذيب. وهل تعذيب المتهمين في نظره حلال أم حرام، وما حكم من يمارسه أو يشجع عليه. يبدو أن عالمنا الجليل لا يتدخل في السياسة، ربما لأنه يعتبرها رجسا من عمل الشيطان، ويفضل عليها فتاوى نكاح بنات التاسعة، أسوة بزميله المصري صاحب فتوى إرضاع الكبير. ففي هذا العالم الإسلامي المتخلف أصبح بعض العلماء يتغاضون عن ظلم الحكام وجورهم وفساد بطانتهم، ويتجرؤون على الإفتاء في السفاسف والترهات.