أخيرا وصلت إلى طنجة لجنة تفتيش للبحث في قضايا التعمير. الأمر مثير للسخرية لأنه يشبه وصول طبيب للبحث في صحة شخص فارق الحياة. لقد تأخرت هذه اللجنة أكثر من اللازم، وكان من الواجب أن تأتي قبل سنوات طويلة، أي قبل أن يفترس وحوش العقار هذه المدينة ويحولوها إلى كتلة من الفوضى والدمار. أما اليوم، فلا شيء أمام أعضاء هذه اللجنة سوى أن يروا ما حدث في المدينة ويرددوا عبارة : لا حول ولا قوة إلا بالله. لكن رغم كل شيء، يمكن لهذه اللجنة أن تتسلى قليلا بالخروقات المضحكة في مجال التعمير. وإذا كان لا بد لها أن تسائل عددا من المسؤولين، فمن الضروري أن تجلس مع الكاتب العام لولاية طنجة محمد الصفريوي، وتسأله عن الرخص التي تم توقيعها بفعل قانون الاستثناء، وأن تسأله كم وقع، هو شخصيا، من رخص الاستثناء من أجل بناء عمارات متوحشة، أو إضافة طوابق كثيرة. من المفيد لهذه اللجنة أن تجلس أيضا مع الوالي محمد حصاد وتسأله عما يفعل في طنجة إذا كان لا يستطيع الوقوف في وجه وحوش العقار. وتسأله أيضا ما هي الرخص التي يوقعها وما هي الرخص التي يفوض توقيعها لحاجبه الخاص، عفوا لكاتبه العام الصفريوي. بعد ذلك يجب على اللجنة أن تحمل كاميرا وآلات تصوير وتطوف في أرجاء المدينة لترى العجب، بل أكثر من العجب. هناك عمارات وإقامات سكنية بنيت على حافة الوديان الحارة، وكمثال فقط العمارات التي بنيت أمام مركز الحسن الثاني لاستقبال العمال المغاربة بالخارج، والإقامات التي بنيت قرب الغولف الملكي في «بوبانة»، والمدارس التي بنيت داخل الوديان الحارة، مثل تلك المدرسة الموجودة في حي الشرف غير بعيدة عن جامع السوريين. بعد ذلك تتوجه اللجنة إلى مناطق أخرى من المدينة، كانت مخصصة للفيلات فتحولت إلى مناطق للعمارات... وهكذا ستجد أن طنجة هي المدينة والوحيدة في العالم التي تلتصق فيها الفيلا بالعمارة، مثل تجزئة الزهور بمنطقة فال فلوري. يمكن لهذه اللجنة أن تراجع كل الوثائق الضرورية لكل المشاريع العقارية لترى الفارق بين الأصل وبين الواقع. عمارات كانت مخصصة لخمسة طوابق فتحولت إلى عشرة، وأن تسأل الذين وقعوا على تلك الرخص كم قبضوا، سواء عينا، أي شقق كهدايا، أو نقدا «كاش»، وستجد اللجنة الكثير من الرخص ليس بها لا توقيع الوقاية المدنية ولا شركة توزيع الماء والكهرباء ولا المصالح الصحية ولا أي شيء. إنها رخص بناء ممسوخة. يمكن لهذه اللجنة أن تذهب إلى أحياء المسخ في «مسنانة» و»بني مكادة»، وأن تصحب معها الوالي وحاجبه الخاص والعمدة ورؤساء المقاطعات، لترى العجب العجاب الذي يجري في مدينة يقال إنها القاطرة الجديدة للتنمية في المغرب، بينما اسمها الحقيقي هو القاطرة الجديدة للمسخ العقاري والاقتصادي في المغرب. يمكن لهذه اللجنة أن ترى ما جرى في كورنيش طنجة حيث بنيت العمارات فوق الرمال، وبقيت الوديان الحارة مفتوحة في وجه الجميع كعلامة بارزة على فشل تلك الشركة الاستعمارية المسماة «أمانديس»، التي تعشق فقط حلب جيوب المواطنين وتحويل حياتهم إلى جحيم. يمكن لهذه اللجنة أن تتوجه بالضبط إلى مكان مواجه لكورنيش طنجة حيث توجد مدرسة مقفلة اسمها، أو كان اسمها «مدرسة وادي المخازن»، والتي تم طرد تلاميذها لكي تتحول إلى عمارات. ويمكنها أن تتوجه إلى بني مكادة لترى مصير الأرض، التي كانت مخصصة لمدرسة اسمها، أو التي كان اسمها سيصبح «مدرسة يعقوب المنصور». ويمكنها أن تتوجه إلى منطقة الجبل الكبير، وبالضبط إلى المدرسة التي اسمها، أو التي كان اسمها «مدرسة ابن عاشر»، والموجودة بالضبط بين إقامتي الوالي والعمدة، والتي طرد تلاميذها ليتم تحفيظها باسم الخواص. ويمكنها أن تراجع ملف إقامة زوجة العمدة السابق في منطقة «السانية»، وآلاف الملفات الأخرى. هذه أمثلة قليلة جدا، وهناك آلاف الحالات التي ستجعل رؤوس أعضاء اللجنة تشيب قبل الأوان. لجنة التفتيش التي جاءت من وزارة الداخلية لا يمكنها أن تفعل أي شيء في طنجة لأنه لا يمكن فعل شيء من أجل جثة. فالمريض ينبغي علاجه قبل أن يموت، أما عندما يموت فلا يمكن سوى قراءة الفاتحة على روحه. لنرفع إذن أكفنا إلى السماء ونقرأ الفاتحة على روح طنجة.