لا أحد ينكر أن التدبير الإداري يشكل اليوم عائقا كبيرا أمام كل جهود إصلاح قطاع التربية والتكوين، فأمام ضعف الثقافة القانونية والحقوقية لدى فئة واسعة من المشتغلين في القطاع، فإنه عندما يقع تجاوزٌ من أي طرف، فإنه يتم الاحتكام إلى أعراف وتقاليد لا تمت لما يُروَّج له إعلامياً، كسيادة القانون والشفافية والحكامة، فإنْ كان المخطئ موظفا بسيطا، مثل الأستاذ الذي طرد تلميذة من الفصل، لكونها كانت تتكلم في الهاتف بوضعها سماعة تحت «الفولار»، لتصاب بحادثة سير خارج المؤسسة، فإن دوامة الشكليات لم تنتهِ، إذ أُرسِلت اللجن تلوى اللجن، وكُتبت التقارير بما طاب من المفرقعات اللغوية، من قبيل «إخلال بالمسؤولية» و«التصرف غير المسؤول» و«الخرق الفاضح للقانون» و«انعدام التواصل التربوي»... إلخ. ويبدأ الجميع في لبس عباءة المربي النزيه الغيور على القطاع، وعندما يخطئ «موظف محمي»، فإن الجميع يصبح متفهما و«غير متسرع».. لتبدأ آلة التصويغ والأعذار، كالحديث عن الحالة النفسية: «كيتعْصّْبْ».. أو الحالة المرضية: «مصاب بالسكري».. وتخضع مراسَلات المطالِبين بالحق لتجميد بيروقراطي وأحيانا لمساومات، ولو كان خطأ هذا «المحمي» مفضوحا.. تقام ولائم الصلح بين المخطئ والضحية، وتحمل «خْناشي السكر» إلى منزله، كما جرى قبل سنتين عندما شتم نائب إقليمي في بني ملال مدير ثانوية، باستعماله كلاما ساقطا من قبيل الكلام الذي يُستعمَل في الحانات والثكنات، فانتهت القصة عندما قبَّل النائب رأس الضحية.. إن الجهل بالقانون وبطء المساطر الإدارية وفساد بعض الأيادي جلبت كوارث لقطاع التربية والتكوين، عندما ترصد مئات الملايين من السنتيمات لإصلاح مؤسسة تعليمية، أو لتجهيزها بالمكاتب والسبورات والحواسيب، وتجد أن المقاول المسؤول عن تنفيذ دفتر التحملات يلجأ إلى المراوغة والغش في المواد الأساسية، مثل الحالة التي وقف عليها مجلس تدبير ثانوية «مولاي رشيد» في قصبة تادلة، بخصوص الإصلاح الذي تعرفه هذه المؤسسة منذ شهور، ففضلا عن التعثر غير المبرَّر، فقد استعانت لجنة تمثل مجلس التدبير، بمهندس خبير في الأشغال العمومية، ليتبين بعد مقارنة دفتر التحملات بما أنجزه المقاول، أن هذا الأخير مارس خروقات خطيرة، في كثافة الإسمنت وجودتها والصباغة والحديد وقنوات الصرف الصحي وأبواب الأقسام... مما لا شك فيه أن قطاع التربية والتكوين ليس فردوسا يعج بملائكة يسبّحون الله تعالى بكرة وعشية بل إنه، كأي قطاع عمومي في المغرب، لا يخلو من قضايا يتدخل فيها الابتزاز باستغلال النفوذ والسمسرة بالزبونية والنقابوية بالحزبية الضيقة، وجهل القانون بالبيروقراطية الحلزونية، والتطبيق الحرفي للقانون بالتطبيق الانتقائي، والنعرة القبَلية بالنزعة الجهوية... كل هذه الأشكال من القضايا التي لا علاقة لها، من قريب أو بعيد، بأخلاق مهنة التربية، مازالت طافحة في هذا القطاع، في الحركة الانتقالية وإسناد المناصب، في الامتحانات المهنية والتعويضات عن المهام، في إبرام الصفقات ومراقبة تنفيذها، في الاستفسارات والمجالس التأديبية، في تخويل المساكن الوظيفية الشاغرة والتستر على احتلالها، في التشدد مع الغائبين، بمبرر، والتستر على الأشباح، في تجهيز المؤسسات ومشاريع الإصلاح، بل وحتى عملية المراقبة والتفتيش التربوي، كعملية تربوية خالصة، هناك من يوظفها لنيل رشاوى تقل قيمتها من مستوى إلى آخر، أقلها «الزيت البلدي» أو «العسل الحر» أو «التمر»... إلخ. أما في الأقسام، فهناك من يبتز التلاميذ بنقطة المراقبة المستمرة، مقابل الساعات الخصوصية، وفي المصالح الاقتصادية في المؤسسات هناك من حول مطعم الداخلية الذي يقتات فيه البؤساء من التلاميذ، إلى «مطعم عائلي»، ومقتصد آخر دفعته نزاهته ونظافة يده إلى إرجاع مبلغ كبير وفره في آخر السنة لمصالح الاقتصاد في نيابة إقليمية، فبدل أن يلقى التشجيع استهزؤوا منه: «واشْ كاينْ شي واحد بعقلو كيرجع للدولة الصرفْ»؟... صحيح أن تعميم هذه المظاهر هو ابتعاد عن جادة النقد البناء، لكن من ينفي اليوم وجود كل هذا وذاك في التعليم المغربي، فإنه «متهم» على رؤوس الأشهاد. ففي قضايا احتلال السكن الوظيفي مثلا، فإنه أصبح عاديا، اليوم، أن يتم تعيين حارس عام أو ناظر أو مدير أو نائب في مقر عمله الجديد، ليجد السكن الوظيفي المخصص له محتلا من طرف موظف سابق أو عائلته، ليضطر هو إلى اكتراء سكن آخر، في انتظار تنفيذ مسطرة قانونية وقضائية حلزونية، والأنكى من ذلك أن تجد أن الموظف المحتَل مفتش في نيابة ليس له الحق أصلا في سكن وظيفي، ونظرا «إلى غيرته الكبيرة» على تطبيق القانون، فإنه يخوض حروبا على أعوان غير مرسمين، يتقاضون 0001 درهم شهريا.. لأنهم أسكنوا أسرهم في مستودَع مهجور للملابس، أو تجد مديرة ثانوية سابقة تحتل مسكنا وظيفيا، فيما منزلها الكائن في مدينة سياحية تكتريه ب0001 درهم لليوم في الصيف، ولأن مدير الأكاديمية من «الفاميلة»!... فإنه لا أحد يتجرأ عليها.. ومن بين الطرائف التي وقعت في هذا الإطار أن حارسا عاما قضى في ثانوية حوالي 02 سنة، غرس خلالها شتى أنواع الأشجار المثمرة في حديقة مسكنه الوظيفي، وكان يسقيها بماء المؤسسة، وعندما تقاعد وجاء من يطالبه بالإفراغ، اجتث كل الأشجار التي غرسها، منها أشجار حملها معه بثمارها!... مما لا شك فيه أن الأعراف الخاطئة ما تزال تحكم أجزاء كبيرة من الإدارة في النيابات والأكاديميات، بحكم عدم تطوير الموارد البشرية الإدارية واعتمادها على موظفين غير مؤهَّلين يمسكون بالقرار، وأحيانا، بالمفاتيح الأساسية لقرارات النيابة والأكاديميات، وأغلبهم جاء مباشرة من التدريس، لأسباب غير معروفة، أو لأنه كان مراسلا لجريدة ما، فيتم شراء صمته مقابل هذا المنصب...