القمة العالمية للبحث في أزمة الغذاء التي تجتاح العالم، والتي تعقد في العاصمة الإيطالية روما من الثالث إلى الخامس من يونيو الجاري بدعوة من منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة «الفاو»، تكتسب كثيرا من الأهمية، ليس لأن هناك أكثر من خمسين رئيس دولة وحكومة ووفود من أكثر من مائة وستين دولة سوف يحضرون فيها، ولكن لأنها تدق ناقوس خطر كبير لما سوف يجتاح العالم من أزمات بسبب نقص الغذاء، فالدول الكبرى لا تضع أي معايير لما يجتاح العالم من أزمات سوى مصالحها الخاصة، بل إنها تعمل على صناعة الأزمات في دول العالم الثالث والدول الفقيرة حتى تستفيد من صناعة هذه الأزمات لتحقيق المزيد من المكاسب والنفوذ في تلك الدول، وقد استخدمت هذه الدول سلاحها الاقتصادي المتمثل في كل من صندوق النقد والبنك الدوليين خلال العقود الماضية لإفساد الحياة في كثير من دول العالم التي اعتمدت على البنك والصندوق في تحديد سياستها الاقتصادية، مقابل الحصول على قروض منهما، وقد أدى هذا إلى وقوع هذه الدول في براثن الديون ليس من أجل النهوض ولكن من أجل توفير لقمة الغذاء، ففي تقرير اقتصادي أصدرته منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) في 22 مايو الماضي جاء أن دول العالم تنفق مبلغ تريليون دولار على واردات المواد الغذائية في 2008، وأن فاتورة هذه الواردات لبلدان العجز الغذائي ذات الدخل المنخفض ربما تصل إلى 169 بليون دولار بزيادة 40 في المائة عن 2007. وفي لقاء أجريته مع الدكتور جاك ضيوف مدير منظمة الأغذية والزراعة الفاو في 28 مايو، أكد لي أن القرارات الخاطئة والعشوائية على مدى العشرين عاما الماضية لعبت الدور الرئيسي في أزمة الغذاء الحالية التي يواجهها العالم، وكان ضيوف قد أكد لي في حوارات سابقة أن العالم سوف تسوده الاضطرابات والمظاهرات إذا لم يتم تدارك أزمة الغذاء، وقد وقع هذا بالفعل في كثير من الدول، لكنه هذه المرة أكد على أن العالم قد يدخل في أتون حروب أهلية في المناطق التي تعاني من نقص الغذاء، وهو ما يحمل مؤشرات أكثر خطورة على الأنظمة التي تعجز عن تدبير المتطلبات الغذائية الأساسية لشعوبها، ومما يؤكد على أن أزمة الغذاء مصطنعة ونتيجة قرارات وسياسات خاطئة أن 96% من الأراضي الصالحة للزارعة في إفريقيا لا تزرع، وأن القارة كلها لا تزرع سوى 4% فقط من الأراضي الصالحة للزارعة، ولنا أن نتخيل أن دولة عربية واحدة هي السودان بها 120 مليون فدان صالحة للزارعة، لو قامت الدول الخليجية، التي تملك الأموال اللازمة للاستثمار، باستثمار جزء من أراضي السودان لسد فجوة الغذاء العربية، بل والتصدير منها إلى دول العالم التي في حاجة إلى الغذاء، وفي لقاء سابق مع الرئيس السوداني عمر البشير أبلغني بأنه عرض على بعض الزعماء العرب قبل سنوات أن يسعوا إلى الاستثمار الزراعي في السودان، حتى تصبح السودان سلة غذاء العالم العربي بل وسلة غذاء العالم لو أردوا ذلك، لكن دعوته لم تجد صداها لدى أحد، غير أن بعض المستثمرين العرب قاموا خلال الأشهر القليلة الماضية ببعض الخطوات في هذا الاتجاه وإن كانت متأخرة، أما الدول الكبرى فإنها تحدد ما تشاء وتزرع ما تشاء، فالولاياتالمتحدة على سبيل المثال تحدد 20% من مساحة الأراضي المزروعة بالذرة في الولاياتالمتحدة لإنتاج الوقود الحيوي، ولا يستطيع أحد أن يفرض على الولاياتالمتحدة أو يسائلها عما تقوم به رغم أنه في غير مصلحة العالم، في الوقت الذي تعجز فيه بعض الدول العربية عن زيادة المساحات المزروعة فيها بالقمح حتى تغطي حاجات شعوبها لأنها ستواجه ضغوطا من الولاياتالمتحدة تحول بينها وبين تحقيق ذلك، وقد حذر جان زيجلر، مفوض الأممالمتحدة للحق في الغذاء في مقال نشره في صحيفة ليبراسيون الفرنسية في منتصف أبريل الماضي، من أن العالم سوف تجتاحه الفوضى بسبب أزمة الغذاء، وأضاف زيجلر قائلا: « إننا نتجه نحو فترة طويلة من أعمال الشغب والصراعات وموجات من الاضطرابات الإقليمية التي لا يمكن السيطرة عليها، وتتسم بحالة من اليأس لأكثر الفئات السكانية تضررا”. وأشار زيجلر إلى أنه بينما تنفق الأسر في الغرب ما بين 10 إلى 20% من دخلها على الغذاء فإن الأسر في دول العالم الثالث والدول الفقيرة تنفق ما بين 60 إلى 90% من دخلها على توفير الغذاء. إن الذي لا يملك قوت يومه لا يملك قراره ولا يملك حاضره، ولا يستطيع أن يخطط لمستقبله، ولذا فليس أمام الدول التي تعاني من نقص في موارد الغذاء سوى أن تنهج نهج الدولة الإفريقية الصغيرة مالاوي التي كانت تعاني أزمة طاحنة في الغذاء قبل ثلاث سنوات فقط، إلا أن رئيسها قرر أن يستغني عن الآخرين وأن تكفي دولته حاجتها من الذرة، فإذا بها لا تكفي حاجاتها فقط وإنما أصبحت من الدول التي تصدر الذرة، فالأمر بحاجة فقط إلى قرار سياسي تملك الدول به قوتها ثم تملك قرارها.