كم عدد القراء الغربيين الذين بإمكانهم تسمية سجين في «معسكرات الاعتقال العربية» الشبيهة بغوانتانامو؟ نعرف، جميعنا، سجن غوانتانامو كما نعرف السجون «السوداء» الخاصة بوكالة الاستخبارات الأمريكية، وما على المرء إلا أن يقرأ الدليل في آخر «محاكمة» هزلية عقدت في غوانتانامو لرجل يدعى خضر -تم اعتقاله من قبل الأمريكيين بتهمة قتل جندي أمريكي حين كان عمره 15 عاما، وجد مقيدا بالسلاسل في زنزانة ضيقة في قاعدة «باغرام» العسكرية من قبل أحد أفراد الطاقم الطبي الأمريكي، وهو يبكي وينتحب- ليعلم ما الذي تعنيه وتمثله العدالة الغربية. لكن دعونا نزيح الستار قليلا، ونلقي نظرة على الجانب الآخر... فهناك سجون كثيرة على شاكلة «غوانتانامو» في العالم الإسلامي. وبوجه عام، نحن الغربيون لا نعير هذه السجون أدنى اهتمام! كم عدد القراء الغربيين الذين بإمكانهم ذكر اسم سجين واحد في معسكرات الاعتقال العربية؟ كم هو عدد السواح الذين زاروا مصر وهم يعلمون أنه في سجن «طرة» المركزي يُجبر حراس السجن النزلاء على اغتصاب بعضهم البعض؟ كم عدد الذين تم تسليمهم إلى مصر وسوريا والمغرب عن طريق الأمريكيين أو «حلفائهم» من الدول الإسلامية؟ ودعونا نكون أكثر دقة هذا الأسبوع، ولنستعرض حالتي بهاء مصطفى جوغل، سوري الجنسية، رقم بطاقته (01020288992)، ومحمد أيمن أبو عطوط، سوري الجنسية، رقم بطاقته (01020265346)... لم تسمعوا بهذين الاثنين من قبل، أليس كذلك؟ هذه هي قصتهما، بناء على أقوال عائلتيهما: بهاء جوغل ولد في دمشق عام 1976، متزوج ولديه طفلان يقيمان في باكستان مع عائلته المكونة من أخته وبناتها. جوغل -الذي يعاني من إعاقة جزئية- عمل في مجال الحواسيب وأدار شركة صغيرة لتكنولوجيا المعلومات من منزله. وحسب أقوال عائلته، فلم تكن له أي نشاطات سياسية. وفي الثلاثين من يناير عام 2002، داهمت الشرطة الباكستانية منزله في إسلام آباد، على الأرجح امتثالا لأوامر أمريكية، واختفى بعدها لمدة 5 شهور، وقيل لعائلته إنه تم التحقيق معه (فقط) من قبل الأمريكيين، لكن الأخيرة صدمت لاحقا عندما علمت بأنه تم ترحيله إلى سوريا بعد ثلاثة أشهر فقط على اعتقاله.. ولأكون أكثر دقة، في ال4 من ماي 2002. وتم سجنه في قسم «فلسطين» في المخابرات العسكرية السورية، وهي مؤسسة مشهورة بسمعتها السيئة والمرعبة. أمضى جوغل عشرين شهرا في الحبس الانفرادي -معذبا في غرفة إسمنتية شبيهة بالقبر إلى درجة أن بصره تضرر من جراء حبسه، تماما كما حصل مع الكندي ماهر عرار بعد أن أرسله الأمريكيون إلى سوريا تقريبا في الوقت نفسه- قبل أن يتم نقله إلى سجن «صيدنايا» السوري. وتم إطلاق سراح جوغل في ال12 من فبراير عام 2005، لكنه كان ممنوعا من مغادرة سوريا، ومن ثم أعيد اعتقاله في عشية عيد الميلاد في السنة نفسها، دون أن توجه إليه أبدا أي تهم. وفي وقت ما نظم السجناء في سجن «صيدنايا» تمردا (مازلت لا أعرف تفاصيله الدقيقة)، إلا أن هذا التمرد تم إخماده بوحشية كبيرة. وعلى مدى أشهر، عاشت عائلة جوغل رعبا حقيقيا جراء ترقبها سماع خبر وفاته. لكن بعد شهرين، في شهر مارس، سُمح له بالاتصال بزوجته من السجن، وقال لها إنه ربما سيسمح له قريبا بزيارة عائلية. أما محمد عطوط فيبلغ من العمر 51 عاما، وهو زوج أخت جوغل، وقد خدم في الجيش السوري أوائل الثمانينيات عندما نظم الإخوان المسلمون انتفاضة عنيفة ضد نظام حافظ الأسد، تم سحقها وإخمادها بعنف مماثل، وتم تحذير عطوط من أنه كان على وشك أن يُعتقل. ومجددا، فإن عائلته تقول إنه لم ينخرط يوما في أنشطة سياسية، وإنه فر خوفا من الاعتقال إلى بيروت ومنها إلى تركيا حيث تزوج ورزق بأربع بنات. أمضى عطوط 13 سنة في تركيا، ونادرا ما استطاع إيجاد وظيفة أو عمل هناك لأنه لم يستطع الحصول على تصريح كامل بالإقامة، غير أنه عمل لبعض الوقت في تنظيف المعدات الطبية. وقد تم اعتقاله بشكل مفاجئ من قبل السلطات التركية وتسليمه إلى السوريين، على الرغم من أن زوجته وأطفاله كانوا أتراكا. ومن عام 1993 وحتى عام 2005 (أطول حتى من أي مدة احتجز فيها سجين في غوانتانامو)، قضى عطوط وقته متنقلا ما بين سجني «فلسطين» و«صيدنايا». وذات صباح باكر من نونبر 2005، اتصل بعائلته في تركيا وقال إنه تم إطلاق سراحه. لم يجرؤ أبدا على أن يناقش تفاصيل اعتقاله، لكن بعدها وفي 6 من شهر يوليوز من السنة التالية، تم اعتقاله مرة أخرى وبشكل مفاجئ، ومن ثم سمح لعائلته بزيارته في عام 2008، لكن عندما حدث التمرد في سجن «صيدنايا»، ألغي التصريح بزيارته. أحد السجناء السابقين في سجن «صيدنايا» أكد أنه رأى عطوط في السجن منذ حوالي ستة أشهر مضت، لذا نعلم بأنه ما زال على قيد الحياة، لكنها نفس القصة القديمة والمتكررة حيث لا أخبار جديدة، ولا يوجد سبب معروف في ما يتعلق بموضوع سجنه الجائر و«المثير للاشمئزاز»... لا تهم... لا محاكمة. تقول ليلي زوجته التركية إن زوجها تعرض لأسوأ أنواع التعذيب، في فترة سجنه الأولى، مما حطمه جسديا ونفسيا. بعد وفاة الأسد عام 2000، أمر ابنه بشار (الرئيس حاليا) شخصيا بإنهاء التعذيب الشنيع الذي كان يتعرض له السجناء إبان الفترة التي ساد فيها نظام أبيه، وهذا ربما ما أبقى على حياة عطوط. تقول ليلى إنها عندما كانت تتحدث إليه على الهاتف خلال فترة إطلاق سراحه المؤقتة من السجن، كانا يتواصلان معا بالدموع. وقد أخبرتها أخته آنذاك بأن اسمه أصبح مدرجا في قوائم جمعيات حقوق الإنسان السورية، وأنه مريض بالقلب، وأنه تم الحكم عليه بالسجن لما يقارب 15 عاما. هل كان كل هذا لهروبه من الخدمة في الجيش السوري في الثمانينيات؟ لا أحد يعلم يقينا! قمت بإجراء اتصال مع عائلات المعتقلين، وفي باكستان التقيت وتواصلت مع حسنة، إحدى بنات عطوط التي تقيم حاليا في باكستان، ويكون جوغل خالها (شقيق والدتها)، وقد قامت العائلتان بمناشدة جمعيات حقوق الإنسان طلبا للمساعدة. كان كل ما قالته لي حسنة هذا الأسبوع أنها تثق بجمعيات حقوق الإنسان وبعملهم وأنها رفقة أفراد عائلتها يعلقون آمالا كبيرة عليها. إنهم أناس شجعان حقا وأعنيهم بقولي جميعا. لكن هل نكترث لهم في الغرب؟ ترجمة بشار الخطيب