يكشف مصطفى الرميد، في الحوار الذي يُنشر اليوم في جريدة «المساء»، عن جزء من قصة علاقة الداخلية بحزب العدالة والتنمية وعموم الأحزاب السياسية الأخرى، حيث لاتزال «أم الوزارات»، كما كانت أحزاب المعارضة السابقة تلقبها، تعمل على وضع مدونة سلوك سياسي للأحزاب، وتسهر على انضباط الفعل الحزبي لهذه المدونة، وإلا فإن العقاب سينزل فوق رأس هذه الأحزاب وقادتها. يحكي الرميد أن فؤاد عالي الهمة –أكبر ديمقراطي عرفه صلاح الوديع- كان يستدعي حزب الإسلاميين، رفقة وزير الداخلية مصطفى الساهل، ويحاسبهم على لقاءاتهم وتصريحاتهم الصحفية وخطاباتهم وأسئلتهم في البرلمان، وحتى على نوع زبناء مكاتب المحامين منهم، ونوع خط التحرير في صحفهم، وشكل ضيوفهم في المنزل... كانت ولاتزال وزارة الداخلية تنظم جلسات محاكمة لهذا الحزب ولغيره عند كل مناسبة ترى فيها أن حزبا ما خرج عن تصور الدولة لوظيفة الحزب ولوظيفة البرلمان ولوظيفة الطبقة السياسية عموما. إنها وظيفة لا تخرج عن إطار المشاركة في الانتخابات، دون الوصول إلى الأغلبية، أو إلى عدد من المقاعد يمكن أن يقوي الحزب في الحكومة أو المعارضة.. المشاركة في البرلمان أو الحكومة، دون الوصول إلى المشاركة في السلطة.. الوساطة بين الدولة والمواطنين، دون الوصول إلى الزعامة وقيادة قطاعات واسعة من الرأي العام. تتصور الدولة الأحزاب كمنشآت للخدمة وليست مؤسسات للمشاركة في السلطة، وتعتبر أن رخصة العمل السياسي التي تمنحها للأحزاب متبوعة «بدفتر تحملات» سياسي، وليس فقط بإطار قانوني يسهر القضاء على احترامه وليست وزارة الداخلية التي تعتبر نفسها طرفا في الصراع السياسي، مكلفة بحراسة «قواعد العمل السياسي ومنعه من الاقتراب من أن يكون عملا مؤسساتيا، في ظل نظام يقترب، شيئا فشيئا، ليكون ديمقراطيا يعترف للأحزاب بالشرعية، ليس فقط القانونية ولكن الشرعية السياسية القائمة على تمثيلية أغلبية واضحة ببرنامج ومشروع وتصور معين، ليس فقط مفروضا فيه أن يتناغم مع مشروع الدولة، ولكن أن يناقضه إن اقتضى الأمر ذلك... لعبة الداخلية مع العدالة والتنمية ليست جديدة، إنها قديمة استعملها نظام الحسن الثاني مع جميع الأحزاب التي رضيت بالمشاركة في ظل شروطه، ومن رفض الخضوع ل«الديمقراطية الحسنية» كما كان يسميها مولاي أحمد العلوي، كان يُعاقب ويهمش ويطرد من الحقل السياسي الرسمي. واليوم تعيد السلطة نفس الحكاية بإخراج جديد.. تفرض على أحزاب قبول «اللجوء السياسي» لبعض الوزراء الذين لا ينتمون إلى صفوفها ولكنهم يحملون ألوانها في الربع ساعة الأخيرة من تشكيل الحكومات.. تلزم حزبا آخر بتقليص مشاركته في الانتخابات وفق خارطة معدة سلفا. وعندما تنفتح شهية الدولة أكثر أمام مائدة الأحزاب، تأتي حركة «التراكتور» لتحصد ما تشاء من أطر ومن أعضاء حزبيين وفق تصوراتها المستقبلية، دون مراعاة للمنطق السياسي ولا لأصول اللعبة. متى يلعب القضاء دوره في مراقبة العمل السياسي وفق منطق القانون، وتنسحب رقابة الداخلية القائمة على حسابات سياسية؟ متى؟