الآن، وبعد أن بدأت أزمة النقل الجوي تعرف طريقها إلى الحل بعد زوال الغمامة البركانية ونقلت شركة الخطوط الجوية الملكية آلاف السياح الأوربيين العالقين في المغرب نحو بلدانهم بسلام، جاء وقت الحساب. ولعل أول شيء يجب على بنهيمة، مدير شركة الخطوط الجوية الملكية، أن يأتي إلى البرلمان لكي يشرحه لنواب الأصالة والمعاصرة، بما أنهم اكتشفوا فضائل المحاسبة أخيرا، هو كيف سمح لنفسه بأن يدفع من أموال المغاربة الذين يمولون شركته المفلسة رحلات جوية مجانية لعشرات الآلاف من السياح الأوربيين. إن الجواب الذي قدمته الشركة عن هذا السؤال، والذي يبرر ما قام به بنهيمة بكرم الضيافة التي اشتهر بها المغاربة، يكشف عن احتقار غير مسبوق لذكاء المغاربة وتبديدا واضحا لأموالهم. إن هؤلاء الآلاف من السياح والأجانب الذين ظلوا عالقين في مطارات المغرب لم يسقطوا من السماء حتى تتعامل معهم إدارة «لارام» كغرباء منكوبين تقطعت بهم الأسباب في المغرب. إنهم مسافرون يتوفرون على بطاقات سفر، ذهابا وإيابا، اشتروها من شركات الطيران ووكالات الأسفار التي باعتهم خدماتها. بطاقات السفر هذه التي دفعها هؤلاء المسافرون لهذه الشركات تضمن لهم العودة إلى بلدانهم كما تضمن لهم الحق في الحصول على غرف في الفنادق في حالة تأخر رحلاتهم، كما تضمن لهم الأكل والشرب على نفقة شركة الطيران أو السياحة إلى حين إيجاد هذه الأخيرة حلا يعيدهم إلى بلدانهم الأصلية. ولذلك كان حريا ببنهيمة أن يحدثنا عن التدابير التي اتخذتها شركة طيرانه لجلب المغاربة العالقين بمطارات العالم إلى المغرب، وليس عن ترحيله مجانا لجميع السياح العالقين بمطارات المغرب نحو بلدانهم. هل أعلنت دولة واحدة في العالم نيتها ترحيل السياح المغاربة العالقين لديها مجانا؟ أبدا. لكن، بما أن شركة الخطوط الجوية الملكية لديها مشاكل مالية خطيرة جدا ويبحث مديرها عن أي مشجب يعلق عليه فشله وسوء تسييره، وتحسبا لتقرير «خانز» يخرج به قضاة المجلس الأعلى للحسابات الذين يعكفون على مراجعة مالية الشركة، قرر بنهيمة، وبتشاور مع ممثلي الجامعة الوطنية للسياحة وجامعة الصناعة الفندقية وجامعة وكلاء الأسفار بالمغرب، أن يحمل شركة الخطوط الجوية الملكية، الغارقة أصلا، تكاليف عملية ترحيل جميع السياح الأجانب العالقين بمطارات المملكة. السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو من الرابح ومن الخاسر في هذه العملية «الإنسانية» التي أقدمت عليها إدارة الخطوط الجوية الملكية؟ الخاسر الأول هو المال العام الذي ستنفق ملايير محترمة منه على ترحيل مسافرين يتوفرون على بطاقات الإياب وكان من المفروض أن تتكفل بترحيلهم شركات الطيران التي جاؤوا على متنها إلى المغرب. والرابح هو شركات الطيران الرخيص التي تظاهرت بالعجز عن ترحيل زبائنها على متن طائراتها. والمصيبة أن شركات الطيران الرخيص هذه هي المنافس الرئيسي لشركة الخطوط الجوية الملكية، وتعتبر السبب الرئيسي للمشاكل المالية التي تعيشها «لارام». وقد سبق لبنهيمة أن اعترف، بعظمة لسانه، بكون فتح مجال المنافسة أمام شركات الطيران الرخيص أثر على التوازن المالي للخطوط الجوية الملكية. فكيف يسارع بنهيمة، إذن، إلى حل مشاكل منافسيه المباشرين على حساب أموال دافعي الضرائب؟ السبب الحقيقي وراء مسارعة بنهيمة إلى اتخاذ قرار ترحيل كل السياح العالقين بالمغرب هو الوقفة الاحتجاجية التي نظمها حوالي 300 سائح فرنسي أمام باب أحد فنادق مراكش رافعين لافتات يعبرون فيها عن رغبتهم في العودة إلى فرنسا. الخوف من انتقال عدوى هذا الاحتجاج إلى فنادق أخرى جعل ممثلي الجامعة الوطنية للسياحة وجامعة الصناعة الفندقية وجامعة وكلاء الأسفار بالمغرب يسارعون إلى قرع ناقوس الخطر وتخويف المسؤولين من احتمال تنظيم آلاف السياح العالقين بالمغرب لوقفات احتجاجية تضر بسمعة المغرب السياحية. وطبعا، فقد وجدها ممثلو السياحة والفنادق ووكالات الأسفار «من الجنة والناس»، لأنهم في حالة ترحيل زبائنهم «بيليكي» سيوفرون تكاليف ترحيل زبائنهم وتكاليف إقامتهم وأكلهم وشربهم. وكل هذا على حساب مالية الخطوط الجوية الملكية. هذه، إذن، شركة وطنية تحتضر ماليا تتدخل لإنقاذ شركات وفنادق ووكالات أسفار خاصة وضعيتها المالية مريحة ولا تعاني من مشاكل مادية. المثير في كرم الضيافة الحاتمي الذي أبداه بنهيمة مع عشرات الآلاف من السياح الأجانب هو أنه ليست هناك دولة واحدة في العالم، بما في ذلك الدول الغنية والتي لا تعاني شركات طيرانها من أية أزمة، بادرت شركات طيرانها إلى ترحيل المسافرين الأجانب العالقين لديها مجانا. الذي حدث أن كل شركة طيران تكفلت بمسافريها. هذا في الوقت الذي خصصت فيه دول كثيرة ميزانيات مالية عبر سفاراتها في العالم لتأمين نفقات إقامة مواطنيها العالقين في مطارات العالم داخل الفنادق إلى حين إعادتهم إلى بلدانهم. وقد خصصت فرنسا ميزانية قدرها مليون أورو وزعتها على سفاراتها عبر العالم لتغطية مصاريف الإقامة والأكل لمواطنيها العالقين في مطارات العالم بانتظار رحلات العودة. ونشدد على جملة «بانتظار رحلات العودة»، بمعنى أن بنهيمة لو انتظر قليلا ولم يسارع إلى إعلان تكفل شركته المفلسة بنقل السياح الأوربيين العالقين في مطارات المملكة، لاستفاد السياح الفرنسيون العالقون بالمغرب من الميزانية التي خصصتها لهم حكومتهم بانتظار أن تتكفل شركات الطيران التي سافروا على متنها بإعادتهم إلى بلدانهم، وهكذا كان بنهيمة سيوفر على شركته المنهكة مصاريف إعادة عشرات الآلاف من السياح. لكن بما أن بنهيمة يعاني من كرم حاتمي مزمن، (أليس هو من اكترى لمديرة تواصله السابقة بورارة طائرة خاصة بمبلغ 300 مليون عندما أصيبت ذات رحلة إفريقية بعارض صحي تطلب إعادتها إلى المغرب على وجه السرعة)، وبسبب هذا الكرم المزمن فقد قرر أن يحل مشاكل السياح، الفرنسيين في غالبيتهم، ومشاكل شركات الطيران ومشاكل أصحاب الفنادق ووكالات الأسفار على حساب أموال دافعي الضرائب الذين تخرج من جيوبهم المساعدات المالية التي تمنحها الدولة من ميزانيتها لإنقاذ الخطوط الجوية الملكية التي وصل عجزها المالي إلى 850 مليون درهم، أضف إليها 175 مليون درهم كلفة «كرم الضيافة» الأخير، وستحصل على المجموع. يجب أن نكون أغبياء بالفعل لكي نصدق أن قرار التكفل بترحيل السياح الأجانب مجانا على حساب «لارام» نابع من كرم الضيافة. إنه قرار مدروس للتغطية على الأزمة المالية الخانقة التي تعيشها الشركة بسبب التسيير المتهور لمديرها. لذلك فأول شيء يجب أن يقوم به هذا المدير هو أن يأتي إلى البرلمان ويقدم الخسارة المالية الإجمالية الناتجة عن الأزمة التي تعرضت لها الخطوط الجوية الملكية بسبب الغمامة البركانية، وأن يشرح لممثلي الشعب كم كلف حسن الضيافة هذا جيوب دافعي الضرائب المغاربة. ولعل ما نجح بنهيمة والمكلفة بالتواصل في ديوانه في إخفائه عن المغاربة هو التجاهل الكبير والازدراء الواضح للرأي العام طيلة الأزمة التي عاشها عشرات آلاف المسافرين في مطارات المملكة. والفضيحة الكبرى هي أن المكلفة بالتواصل في الشركة لم يسمع لها «الحس» إلا بعد مرور خمسة أيام على اندلاع الأزمة، أي 19 أبريل، وهو اليوم الذي بدأت فيه بوادر الانفراج تلوح في الأفق. وماذا قالت مسؤولة التواصل على أمواج «ميدي1»؟ قالت إن الشركة وضعت «خلية أزمة» ستتكفل بتوفير «الكاشات» والأكل والمبردات للمسافرين، كما لو أنها تتحدث عن منكوبي زلزال وليس عن مسافرين دفعوا ثمن بطاقات سفرهم وتأمينهم. قبل أن تستدرك السيدة في اليوم الموالي وتقول، على أمواج الإذاعة نفسها، إن الشركة نقلت المسافرين إلى الفنادق. كان يجب انتظار مرور خمسة أيام كاملة لكي تصدر «لارام» أول بلاغ لها «تبشر» فيه الرأي العام بإنشاء «خلية أزمة» وتوزيع الأكل والمبردات و«الكواش» على المسافرين. وطيلة هذه الأزمة، لم يأت مدير الشركة ولا وزير النقل ولا وزير الخارجية إلى وسائل الإعلام العمومية لكي يخبر المسافرين والرأي العام الوطني والدولي بالإجراءات التي اتخذتها الحكومة للتخفيف من معاناة آلاف المسافرين العالقين في مطارات المملكة. كل ما قام به وزير السياحة، بعد خمسة أيام من اندلاع الأزمة، هو إصداره لبلاغ بارد يزف فيه للمسافرين العالقين خبر إنشاء وزارته لمركز نداء وخط أخضر بالمطارات من أجل الاتصال. كما أعلنت إدارة المكتب الوطني للمطارات، بعد خمسة أيام، عن خبر إطلاق خدمة الأنترنيت المجانية في المطارات، ربما لكي يشغل المسافرون أنفسهم ب«الشات» بانتظار إقلاع طائراتهم. لقد كشفت هذه الأزمة عن طابع الهواية الذي يميز عمل الحكومة، إذ لم يتم الإعلان عن خلية أزمة حكومية ولا عن لجنة لتقييم خسائر الاقتصاد الوطني بسبب هذه الأزمة. لا أحد أخبرنا من سيعوض المحاصيل والمنتجات والتحاليل الطبية التي فسدت في المطارات بانتظار الطائرات التي ستحملها نحو وجهاتها. لا أحد قال لنا من سيعوض المرضى الذين ضيعوا مواعيدهم مع جراحيهم في مستشفيات أوربا وأمريكا. لا أحد قال لنا من سيعوض الطلبة الذين ضيعوا امتحانات الولوج إلى المعاهد التي صرفوا أموالا طائلة من أجل متابعة الدراسة فيها. وكأن كل هؤلاء المواطنين المغاربة الذين تضررت مصالحهم بسبب أزمة الطيران لا يستحقون أن يخرج مسؤول حكومي واحد للحديث إليهم والإجابة عن تساؤلاتهم. كل ما يهم بنهيمة هو راحة السياح الفرنسيين الذين يشترك معهم في الدماء الفرنسية التي تجري في عروقه، والذين خصهم ببلاغ أول، قبل أن يخص المسافرين الأفارقة ببلاغ ثان. ولعل المخجل في البلاغ الثاني لبنهيمة والذي يتحدث عن المسافرين الأفارقة هو أن هؤلاء المسافرين من الدرجة الثانية سيتم ترحيلهم نحو بلدانهم دون أن يشملهم «كرم الضيافة»، فهم ليسوا مثل المسافرين الفرنسيين، ولذلك فرحلاتهم ستكون مدفوعة الأجر. منذ أزمة الخطوط الجوية السنغالية وبنهيمة لا يحمل إفريقيا في قلبه. وكما يستطيع بنهيمة أن يظهر «كرم الضيافة»، فإنه يستطيع أيضا أن يكشف عن قدرة كبيرة على الانتقام. أليس هو من جمع حقائبه وركب الطائرة هو وأفراد البعثة التي كانت معه في لوس أنجلوس التي ذهب إليها سنة 2006 ليدافع عن احتضان المغرب للمونديال، وعاد من دون مسؤولة تواصله بورارة بعد أن تركها عالقة في الفندق تندب حظها العاثر؟