بينت المسرحية، التي أدت فيها المدعوة أميناتو حيدر دور البطولة، للرأي العام الدولي، مرة أخرى، الجنوح البارز لأعداء السلام واستسلامهم الدائم لمنطق التوتير اللامحدود. لقد قدمت المدعوة حيدر، المسخرة من طرف الجزائر والبوليساريو، والمدعومة من قبل الصحافة الإسبانية والجزائرية، بشكل متواطئ، وبولع كبير بإثارة القلاقل، لمن تابع أطوار مسرحيتها، صورة تدعو للشفقة، عن نفسها، وعن أولئك الذين قاموا بتحريكها بمهارة من وراء الحجاب. وبكل هدوء وثقة وحزم، استطاع المغرب التعامل مع هذا الفخ، الذي نصب له من طرف أولئك الذين ظنوا أن بإمكانهم عزله، وذلك من خلال فرضه احترام القانون على الجميع، ورفضه تقديم أي تنازل في هذه النقطة بالذات، وبدرجة أقل في ما يتعلق برموز سيادته. وهكذا، وبفضل نضج واستمرارية عمله على المستوى الدولي، تمكن المغرب من كسب جولة جديدة ضد محترفي الديماغوجية واللبس واللجوء بشكل مكشوف إلى مختلف وسائل الخداع والتضليل، التي تعد من باب الانحراف الإعلامي. إن المضللين بالجزائر والبوليساريو والصحافة الجزائرية، الذين يحاولون، بتنسيق تام في الوقت الراهن، أن يجعلوا من حيدر أسطورة، لا يمكن أن يتجاهلوا الانحطاط، الذي بلغته اليوم، على المستوى الشعبي. كما لا يمكنهم أن يتجاهلوا أن تاريخ الشعوب والأمم لا يكتب بأقلام تخط تحت الطلب، وأن التاريخ مثله مثل العدالة في حاجة إلى الدلائل والإثباتات، وأن القرائن المنمقة تنقلب في النهاية ضد أصحابها. إن الطريقة الفظة، بل المثيرة للسخرية، التي يجري بها القيام بدور الضحية، والولع بمثل هذه الخرجات الإعلامية، حالت دون أن تلقى الآذان الصاغية. يبقى أن المغرب، الذي كان على وعي تام بالتفاصيل الدقيقة لهذه المسرحية، وبالزوبعة الإعلامية، غير الموفقة، التي واكبتها، أبان عن انفتاحه وصفحه الجميل ونبله. وكدليل على استعداده للرد، بشكل إيجابي، على نداءات البلدان الصديقة والشريكة، سمح بعودة أميناتو حيدر دون القبول بأدنى خرق لقوانينه وإجراءاته، التي يخضع لها الجميع، والتي لا تقبل المساومة بأي حال من الأحوال. ومن جهة أخرى، جدد رؤساء هذه البلدان الصديقة والشريكة دعمهم لجهود المغرب، الرامية إلى البحث عن حل سياسي، يرتكز على أسس الواقعية وروح التوافق بخصوص نزاع الصحراء. يبقى التساؤل حول توقيت هذه العملية الإعلامية، والتقارب شبه المحرم، الذي سجل بين الصحافة الجزائرية والصحافة الإسبانية حول هذه القضية، المبرمجة مسبقا من قبل دعاة التشدد. من الواضح أن عرقلة الاجتماع غير الرسمي الثاني حول الصحراء بين الأطراف، بعد اجتماع فيينا، هو السبب الوحيد والأوحد لذلك. ومن المعلوم لدى الجميع، أن مبادرة المغرب الخاصة بمنح حكم ذاتي موسع للأقاليم الصحراوية، والدعم الدولي الواسع، الذي حظيت به منذ إعلانها، بفضل عمل الدبلوماسية المغربية، تمكنت من كشف تهافت الحجج الكاريكاتورية لأولئك الذين يتشبثون بمنطق "كل شيء أو لا شيء"، كما زعزعت الدبلوماسية الجزائرية، التي مازالت تقتات من أنقاض الحرب الباردة. لقد وضع المغرب رهن إشارة المجتمع الدولي نصا متماسكا، ومنتوجا متكاملا لكنه منفتح، وبالتالي قابل للإغناء، وهي مقاربة تقطع مع سياسة المناورات الكبيرة والخدع الصغيرة. لقد آن الأوان، أكثر من أي وقت مضى، بالنسبة للأطراف الأخرى، لكي تتبنى موقفا بناء، وأن تتخلى عن حلم الاستقلال، إلى براغماتية الحكم الذاتي، الذي أجمعت المجموعة الدولية على التنويه به، في نيويورك، مرورا بواشنطن وباريس ولندن وروما وموسكو، علما أن عجلة التاريخ تدور، وليس بمقدور أي كان أن يعرقلها أو يقف في وجهها (و م ع).