يأتين كل أسبوع لزيارة المرضى بمستشفى الأنكلوجيا بالرباط، بهدف تقديم الدعم المادي والمعنوي.. إنهن المرشدات الدينيات اللواتي دأبن على القيام بهذا النوع من الزيارات التي تحمل في طياتها الأمل بالشفاءمرشدات دينيات (أ ف ب) تساعد هذه الزيارات المرضى على تخطي معاناتهم النفسية مع المرض، وتدفع بهم إلى التحلي بالصبر والإيمان، مع مدهم بالدعم الروحي حتى لا تنسيهم معاناتهم اليومية مع المرض واجبهم تجاه الخالق. بمجرد ما وطأت أقدامهن باب مستشفى الأنكلوجيا بالرباط، حتى اتجه صوبهن بعض عمال المستشفى وبعض المرضى الذين كانوا خارج غرفهم، ممن سمحت لهم حالتهم الصحية بذلك من أجل الترويح عن أنفسهم، لإلقاء التحية، بعدها تحولت التحايا إلى لقاءات فردية داخل بهو المستشفى في الطابق السفلي بين هؤلاء المرضى وضيوف المستشفى، تمحورت حول السؤال عن أحوالهم الصحية والنفسية... إنهن المرشدات الدينيات، اللواتي اعتدن على زيارة هذا المستشفى بشكل مستمر كل أسبوع، من أجل تقديم الدعم النفسي والمعنوي لهذه الفئة من المرضى، وأحيانا أخرى الدعم المادي من خلال تبرعات المحسنين الذين يرافقونهم في مثل هذه الحالات، حتى يقفوا بأنفسهم على العملية. بعد هذه اللقاءات الفردية القصيرة، توجهت المرشدات إلى غرف المستشفى لزيارة باقي المرضى والجلوس إليهم، مستفسرات عن أحوالهم الصحية والمعنوية على الخصوص، كانت الابتسامة لا تفارق محياهن وهن يتحدثن إلى المرضى، محاولات جعلت هؤلاء يتفاءلون بالشفاء، والأكثر من ذلك إقناعهم بأن المرض امتحان من الله لعبده، ثم يعطينهم الأمل، كما يقدمن لهم مواعظ في إطار الإرشاد الديني، تتعلق بالذكر وعبادة المولى عز وجل، وعدم التقصير في ذلك بسبب المعاناة مع المرض، على اعتبار أن ذلك يخفف من معاناتهم. تقول فاطمة الزهراء الصالحي، مرشدة، خلال هذه الزيارة التي رافقتهن فيها "المغربية": "إن الهدف من هذه الزيارات هو مواساة المريض والرفع من معنوياته، وربطه بالأمل في الله وفي الشفاء، ومحاولة إخراجه من اليأس والتفكير في الموت". مرضى مُتخلى عنهم الصالحي وزميلاتها كن طوال الوقت يخترن الكلمات المناسبة يعززنها بأحاديث نبوية شريفة أو آيات قرآنية، تجعل من المريض يتجاوب معهن، وينصت إليهن بإمعان، ومنهم من يبادر إلى سرد قصته ومعاناته مع المرض، والبعد عن العائلة على الخصوص، فأغلبهم يتحدرون من مناطق ومدن بعيدة عن العاصمة، كما أن أغلبهم من الفقراء والمعوزين، لذا يصعب على عائلاتهم زيارتهم باستمرار نظرا لعدم توفر الإمكانيات المادية التي تسمح بذلك، لذا يجد المرضى في زيارة المرشدات الدينيات لهم بين الفينة والأخرى متنفسا يحاولون من خلاله تفريغ ما بدواخلهم من مآسي. يحكي ميلود، رجل في عقده السادس، يتحدر من ضواحي مدينة مكناس، أنه يرقد بهذا المستشفى منذ 9 أشهر تقريبا، وأن عائلته لا تزوره إلا نادرا لأنها من طبقة معوزة، بل إنه هو من غادر المستشفى في العيد من أجل قضاء القليل من الوقت معهم قبل أن يعود من جديد ليواصل العلاج. أجهش ميلود بالبكاء وهو يسرد قصة معاناته مع المرض طوال هذه الفترة التي قضاها بالمستشفى، وبُعده عن أبنائه الخمسة وزوجته، هنا تدخلت المرشدات، في محاولة منهن التخفيف عنه بعبارات ملؤها التفاؤل والأمل في الله عز وجل، إلى أن تمالك نفسه، واقتنع بأن المرض أيضا قضاء وقدر، وأنه لا يجب أن يقنط من رحمة الله، بعدها أخذ يدعو للمرشدات بأفضل ما في جعبته من دعوات الخير. ودّعت المرشدات الدينيات، ميلود، وقصدن غرفة ثانية كانت ترقد بها بعض نساء، كانت من بينهم امرأة بشوشة لا تتردد في إطلاق كلمات مازحة، من يراها للوهلة الأولى لا يظن أنها مريضة، لكنها كانت تحاول إخفاء معاناتها من خلال مزاحها مع رفيقاتها في الغرفة، لكن بمجرد حديثها عن عائلتها بإقليم الجديدة غالبتها الدموع، فهي اشتاقت إليهم بعد فترة من فراقهم، إلا أن الحديث عن الأمل في الشفاء، جعلها تعود للمزاح من جديد، لتغير جو الحزن الذي خيم للحظة قصيرة على المكان إلى جو السخرية والضحك. دعم مادي ومعنوي رغم أن الدعم المادي مرتبط بتبرعات المحسنين من المواطنات اللواتي يقصدن المساجد من أجل حضور جلسات الوعظ والإرشاد الديني، ولم يصل حد التبرعات الكبيرة للأغنياء، إلا أنه من وجهة نظر المرشدات يكفي إلى حد ما في مساعدة بعض المرضى المعوزين، خصوصا المتخلى عنهم من طرف أهاليهم بسبب عائق الفقر والحاجة، تقول الصالحي: "إن ما تقدمه هؤلاء النساء من المحسنين بالمساجد، يوزع على المرضى المحتاجين، من خلال تكليف امرأتين منهن ترافقننا إلى المستشفى وتقفن على العملية، ونحن نفضل أن نظل بعيدات عن هذه العملية حتى تكون الأمور واضحة للجميع". مشيرة إلى أن هذه التبرعات قد تكون نقدية أو على شكل ألبسة، أو مواد غذائية خلال شهر الصيام، أو مصاحف يجري توزيعها للمتعلمين منهم ممن يرغبون في الاستئناس بكلام الله من خلال تلاوة القرآن والذكر، للحيلولة دون التفكير في المرض والموت طوال الوقت بالمستشفى.