إذا قدر لك أن تزور بعض بلدان ما وراء البحر الأبيض المتوسط، ستشعر بمتعة لا تقاوم، خاصة وأنت تشاهد بنايات تاريخية تشهد على حضارة ضاربة في التاريخ في القارة العجوز.ونجحت الحكومات المحلية المتعاقبة على تسيير هذه المدن في أن تحافظ على هذا التراث. بل إن المس به يعد جريمة تقود صاحبها إلى السجن، لأن الأمر يتعلق بثقافة مشتركة، وملك جماعي يمنع الاقتراب منه. ولا يقع فقط في هذه الدول، لكن أيضا في عدد من البلاد العربية، كمصر، مثلا، حيث لا يمكنك أن تمر من أي شارع في القاهرة، إلا وتسحرك المناظر الجميلة لعمارات تعود إلى أكثر من قرنين، كما هو حال عمارة "يعقوبيان". ولسنا في حاجة إلى القول إن الاهتمام بالعمران في المغرب يستدعي أكثر من وقفة، فالعديد من البنايات تتهاوى أمام أعيننا، دون أن نحرك ساكنا، فها هو فندق لنكولن، بمدينة الدار البيضاء ينهار بالتقسيط، وفي كل مرة تبشرنا سلطات المدينة بحل وشيك لهذه المأساة العمرانية، بلا جدوى. فإذا مررت قرب هذا الفندق تشعر بخيبة أمل كبرى، وينتابك إحساس بالغبن على مصير هذه البناية، التي تحولت إلى أطلال شاهدة على الزمن العصيب، الذي تجتازه المدينة منذ سنوات. وحكاية فندق لنكولن، لمن لا يعرفها، تعود إلى منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، وتحديدا عام 1984، ففي هذه السنة تعرضت جدرانه لأول مرة للانهيار، وفي كل مرة يتهدم جزء منه، كانت السلطات تعد بحل المشكل، وخلفت الانهيارات، التي تعرض لها هذا الفندق لحد الساعة، ما يقارب 11 قتيلا. ويعد فندق لينكولن، الذي صممه المهندس الفرنسي، هيبير بريد، سنة1917، على مساحة تقدر بثلاثة آلاف متر مربع، أول بناية بشارع محمد الخامس، "شارع المحطة سابقا"، ويعتبر من بين أربعين معلمة مصنفة ضمن تراث فنون العمارة على مستوى جهة الدار البيضاء الكبرى. ويمكن القول إن السلطات العمومية في الدارالبيضاء لا تكره أن تستيقظ ذات يوم على خبر انهيار كلي لهذا الفندق، كي تتخلص من "صداع الرأس"، فقد عقدت عددا من اللقاءات والاجتماعات في وقت سابق للتدارس في أمر إصلاح هذا الفندق، الذي يقاوم، منذ سنوات الموت، وكانت هذه الاجتماعات تنتهي بوعود دون أن تنفذ على أرض الواقع، ليظل الحال على ما هو عليه، رغم التطمينات الكثيرة، التي تتحدث عن قرب طي هذه الصفحة. فالحصار المفروض على فندق لنكولن شل الحركة الاحتجاجية بشارع محمد الخامس، وزاد من حدة الضغط الذي يشهده هذا الشارع، سيما أثناء الذروة، إضافة إلى أن حافلات النقل الحضري اضطرت إلى تغيير مسارها، لأنها أصبحت ممنوعة من المرور من هذا الشارع، الذي أصبح يبدو وكأنه في قرية من المغرب العميق، وليس في مدينة تعد أكبر حاضرة في المغرب. وكل عشاق التراث العمراني ينتابهم حزن كبير على "لنكولن"، والبنايات الأخرى، التي بدأت تتآكل في المدينة، دون أن تتدخل أي جهة لإعادة الاعتبار لها، وكأن هناك رغبة في التخلص من هذا التراث، لفائدة بنيات لا تتوفر على أدنى حس جمال.