عشت تفاصيل غريبة في حياتي المهنية، توالت في السنوات الأخيرة بطريقة تثير الحيرة، وتدفع إلى التساؤل عن مفهوم الاحتفال•• والخوف•• والفرح••• الاحتفال بعيد الميلاد شيء رائع ينتظره المرء كل سنة ليحس خلاله أنه وصل إلى سن معين، ومناسبة ليعيد خلالها شريط ذكرياته، ويستحضر مجموعة من الأشياء تركت بصماتها على ما مر من سنوات عمره••• لكني لم أعد أحتفل بعيد ميلادي منذ ست سنوات، ليس رغبة مني أو لامبالاة، لكن الأمر مرتبط بفعل الزمان وتداخل الأحداث• منذ ست سنوات لم أحتفل بعيد ميلادي، كما كنت في السابق، فلسوء حظي تزامن يوم عيد ميلادي مع أحداث تفجيرات الدارالبيضاء في 16 ماي 2003• أتذكر أنني كنت أتواجد حينها في بوزنيقة لتغطية المنتدى الدولي لشباب الألفية الثالثة، تلقيت اتصالا هاتفيا لحظات بعد تفجيرات "فندق فرح"، كنت أعتقد أن المتصلة ستهنئني بمناسبة عيد ميلادي، لكن نبرات صوتها، وحدة كلماتها، والتوتر والعصبية المنبعثة من خلف الهاتف المحمول، جعلت ابتسامتي تتحول إلى ذهول، وأنا أتلقى خبر التفجيرات، التي هزت الدارالبيضاء، وحولت سعادتي بتاريخ ميلادي إلى حزن على موت آخرين••• أصبح يوم 16 ماي في ما بعد بالنسبة لي يوم حيرة وارتباك، هل أحتفل فيه بعيد ميلادي؟ أم أتذكر فيه الأحداث الدامية على غرار باقي المغاربة؟••• ولغرابة الأقدار فإن هذا اليوم نفسه يتزامن مع ذكرى تأسيس الأمن الوطني أيضا، إضافة إلى ذكرى ولادتي، وظهوري إلى الوجود• وإذا كان تاريخ 16 ماي يذكرني بولادتي، مرفوقا بذكرى تفجيرات الدارالبيضاء، فإن وفاتي كانت وشيكة في تفجيرات حي الفرح في 10 أبريل 2007• مازلت أتذكر ذلك اليوم حين اتصل بي رئيس التحرير في وقت مبكر من ذاك الصباح، ليكلفني بتغطية تلك الأحداث، كان يوما مشحونا بالأحداث، وكنا نبحث عن آخر التطورات والمستجدات بخصوص الانتحاريين• وبعد الساعة السابعة مساء بدقائق، وفي لحظة استرخاء من تركيز يوم شاق ومتعب بدنيا ونفسيا، فوجئ الجميع بتسلل الانتحاري الثالث الذي من المفروض أن يكون البحث عنه في المنطقة المقابلة، وبثلاث خطوات سريعة تجاوز الحاجز الحديدي كما تجاوز ازدحام المتجمهرين قاصدا نفس المكان الذي كنت واقفا فيه قبل لحظات رفقة بعض الزملاء الصحفيين والمسؤولين الأمنيين• كانت فترة استرخاء تزامنت مع انصراف الطائرة المروحية وانكباب رجال الأمن على التحضير لاقتحام أحد المنازل بالجهة الموالية لحي الفرح، وإذا بالانفجاري يعيد سيناريوهات سابقيه حين انسل من بين الناس وفجر نفسه•• كانت لحظات رهيبة وأنا أعيش تفاصيل انشطار شخص كان حيا قبل لحظات، ليتحول إلى أشلاء، انشطر الشاب عموديا وأفقيا، لم أتمالك نفسي، فوجدتني أصرخ بهستيريا، التحق بي الزميل بهيئة التحرير، العربي رياض، الذي وجدني أبكي بجنون، فهدأ من روعي•• لم أصدق ما رأته عيني، خاصة حين اكتشفت أن الانتحاري الثالث قطع نفس المسار الذي أخذته رفقة مدير مكتب وكالة المغرب العربي للأنباء بالدارالبيضاء• ومن غرابة الأقدار كذلك أن النقطة التي اختارها الانتحاري الثالث لتفجير نفسه، هي نفس النقطة التي كنت موجودا بها، مع مجموعة من الزملاء الصحافيين والمسؤولين الأمنيين، لكن قبل التفجير بلحظات تلقيت اتصالا هاتفيا من هيئة التحرير، فابتعدت قليلا لمدهم بآخر المستجدات، وكل من كان يوجد هناك انشغل بأمر ما، أبعده عن الخطر، وكأنها لعبة الأقدار خلقت لنا أعذارا، للابتعاد عن الخطر دون أن ندري• وفي ما بعد حاولت أن أتكون في مجال تغطية الأحداث الإرهابية والوقوف على الإجراءات التي يجب اتخاذها في حالات مماثلة، خاصة تلك التي يكون فيها مركب الخوف أقوى، وأدركت بأنه كان علي اتخاذ مجموعة من الإجراءات في التغطيات السابقة•• وبالرغم من أني نجوت من الموت قبل أيام بحي الفرح، فقد توجهت إلى شارع مولاي يوسف لتغطية التفجيرات هناك لأن الواجب المهني يفرض علينا تأجيل الخوف، وتجميد المشاعر إلى حين الانتهاء من المهمة• علاقتي مع ثنائية الميلاد والوفاة المرتبطة بالتفجيرات الإرهابية، وبمفهوم كلمة >الفرح<، جعلت هذه الكلمة تفرغ من محتواها بالنسبة لي •••فرح عيد ميلادي••• فندق فرح••• حي الفرح، كانت علامات غيرت معنى الفرح بالنسبة لي، وأصبحت دافعا إلى التأمل في فعل الزمان وتأثيره على التواريخ والأمكنة والأسماء مع حفظ الألقاب•