بدأ المطرب المغربي أحمد الغرباوي، حياته الفنية عازفا على آلة الكونترباص سنة1957، مع جوق المتنوعات الذي كان يرأسه عازف الكمان الشهير، الراحل أحمد الشجعي، وسنه لم يتجاوز 15 عاما.ورغم ميولاته الموسيقية، كان لديه إحساس بأن بداخله طاقة فنية كبيرة مصدرها صوته، الذي سمعه الإذاعي أحمد ريان بالصدفة، حين كان يترنم بكلمات شعبية للزجال عبد الكريم بوعلاقة، فاقترح عليه إتمام الأغنية وتسجيلها بصوته سنة 1953، لتكون أغنية "بيضة ومزيانة وخد وردي" أول قطعة يبدأ بها الغرباوي مساره الفني. سجل بعدها العديد من الأغاني العاطفية، نذكر منها أغنية "غريب" التي غناها رفقة العود فقط، إلا أن اسمه صار أكثر تداولا في الوسط الفني وبين الجمهور المغربي، بعد أن جرت إذاعة أغنية "ملهمتي" التي أهداها إياه مدير الإذاعة المصرية آنذاك، احمد رامي عام 1962. وكانت القصيدة مكونة من ثلاثين بيتا شعريا اختار منها عشرة أبيات فقط، وهي من أروع ما أبدعه الشاعر المصري احمد نديم، الذي كان مديرا لمدرسة المغرب العربي بالرباط، في الستينيات من القرن الماضي، زمن المنافسة الحادة والشريفة بين شباب الفن وكباره، الذين أغنوا ريبيرتوار الأغنية المغربية بمساهماتهم، التي ستظل خالدة على مر السنين. يقول الراحل في أحد تصريحاته "ل"ملهمتي" وقع خاص في تاريخي الفني، فهي التي حققت لي الانتشار الواسع، ومهدت لي طريق النجاح، في وقت كانت المنافسة بين الفنانين على أشدها". يضيف الغرباوي، "تزامنت "ملهمتي" العديد من الروائع المغربية، خصوصا "القمر الأحمر" التي لحنها الراحل عبد السلام عامر لعبد الهادي بلخياط، وأذيعت مع أغنيتي على أمواج الإذاعة الوطنية في برنامج خاص بالأغاني الجديدة، كان يعده الفنان الراحل احمد البيضاوي بداية الستينيات من القرن الماضي، كما كانت هذه الأغنية مرتبطة بتألق فريقي المفضل نادي "سطاد المغربي" الذي كان جمهوره يرددها في ملاعب كرة القدم، خصوصا في مباريات "سطاد المغربي". ويقول الفنان عبد الواحد التطواني، الذي كان مرشحا لأداء أغنية "ملهمتي"، بعدما أعدها الغرباوي، خصيصا له، ووعده بها، "وعدني الراحل الغرباوي ب "ملهمتي" وسجلها بصوته فأبدع". ويضيف التطواني "كان لأغنية "ملهمتي"، مكانة خاصة في نفس الغرباوي، الذي حقق معها انتشارا واسعا في وقت كانت المنافسة قوية جدا بين الكلمة الجادة واللحن المتقن، إذ تزامنت مع العديد من الروائع التي أبدعها عمالقة الفن المغربي في تلك الفترة". وكانت الحفلات التي كان يحييها الملك الراحل الحسن الثاني، محكا حقيقيا للغرباوي، إذ جعلته يتعرف على فناني مصر مثل عبد الحليم حافظ الذي ربطته به علاقة صداقة قوية، ومحمد عبد الوهاب وأم كلثوم، وفريد الأطرش، الذي كان يحلو للغرباوي ترديد أغانيه في حضرة الراحل الحسن الثاني الذي كان معروف عنه، تشجيع الفنانين المغاربة، إذ كان يمنحهم الفرصة لإظهار براعتهم أمام الفنانين المصريين، من خلال إعادة غناء بعض الأغاني لمحمد عبد الوهاب أو فريد الأطرش وسواهم من رواد الأغنية المصرية، وكان أن طلب الملك الراحل من الفنان، أن يغني لفريد الأطرش أغنية "أول همسة"، ما جعل الجميع يقفون مشدوهين على تفرد الغرباوي في الأداء، فضلا عن قوة صوته. طيلة مسيرته الفنية الطويلة لم يستطع الغرباوي تقديم أغان ناجحة بحجم أغنية "ملهمتي" التي اقترن اسمه بها، طيلة مسيرته الفنية، التي امتدت لأزيد من نصف قرن من الزمان، أبدع خلالها العديد من الأغاني التي ارتبطت بأذهان عشاقه، مثل أغاني "بلغوها" و"أماه"، و"أنا عبد الزين". رحل الغرباوي عن عالمنا مطلع سنة 2008 عن عمر يناهز الواحدة والسبعين. كرسه كله لخدمة الموسيقى والأغنية المغربية، تاركا لمحبيه والمعجبين بصوته وألحانه ريبيرتوارا فنيا تجاوز 450 أغنية.