بات لزاما علينا القطع مع كل السلوكات المتهورة، عسانا نقي أنفسنا وبلادنا مساوئ موجة ربما تكون الأعنف. لا أحد يزعم أن القضاء على فيروس كورونا المستجد «كوفيد »19 ممكن الآن، لكن فرص تجنب الإصابة به تتقوى، وبالتالي أصبح من الضروري أن نجدد جميعا العهد مع الالتزام بالتدابير الصحية، التي من بين أسباب تجنيب بلدنا الأسوأ، وتبقى ذات أهمية بالغة في زمن كورونا الذي طال بنا، إضافة إلى الإقبال على التلقيح. ما نحن مقبلون عليه لا يبعث على الارتياح، والتقليل من المخاطر مشروط بمراجعة سلوكنا والعودة إلى الرشد. دخلنا في الأيام الماضية مرحلة صعبة وقد يكون الآتي أصعب مما يمكن تصوره. ختمنا الأسبوع الأخير على إيقاع ارتفاع عدد حالات الإصابة. وصار تجاوزها عدد حالات الشفاء مألوفا، بل إنه فاقها حسب ما أعلنت عنه وزارة الصحة في اليومين الماضيين بشكل يثير القلق، فالحصيلة المسجلة يوم السبت تؤكد الارتفاع ب 526 حالة ) 734 إصابة بالفيروس مقابل 208 حالات شفاء(، وتواصل الارتفاع حسب ما جرى تعميمه أول أمس الأحد ب 407 حالات ) 532 مقابل 127 حالة شفاء(، علما أن الأرقام التي يعلن عنها يومي الأحد والاثنين تكون أقل بالنظر إلى تراجع الإقبال، فضلا عن التراجع الطبيعي عن الكشف الاضطراري للراغبين في السفر إلى الخارج بعد تعليق الرحلات العادية منذ أسابيع وتوقيف الاستثنائية منذ الخميس الماضي. وجرى في اليومين الماضيين، أيضا، الإعلان عن تسجيل حالتي وفاة )واحدة كل يوم(. موازاة مع ارتفاع عدد حالات الإصابة كان من الطبيعي تصاعد الحالات النشطة، إذ عادت لتتجاوز الثلاثة آلاف ) 3586 ( بعد أن أنهينا الأسبوع قبل الماضي بأقل من ألفي حالة ) 1555 ( وبعملية حسابية بسيطة يتضح أن عدد الحالات النشطة ازداد ب 2033 في ظرف أسبوع. إن ما سلف ذكره فالوضع بمثابة جرس إنذار، إذ يعيد إلى الواجهة التحذيرات المتكررة لأهل الاختصاص، الذين ظلوا يحذروننا من موجة جديدة بالنظر إلى ثلاثة عوامل أولا: ظهور متحور «أوميكرون » سريع الانتشار والذي جرى الإعلان عن ظهور أولى حالاته في المملكة في الأسبوع قبل الماضي ليرتفع في الأسبوع الماضي إلى 28 حالة وعشرات الحالات المشتبه فيها. ثانيا: استمرار التراخي في أوساط المواطنين رغم أن الوباء مازال بيننا ويوجه المزيد من الضربات ويفتك بالأرواح، إذ قضى في بلادنا منذ مارس 2020 حتى الآن على حوالي 15 ألف شخص. ثالثا: تراجع الإقبال على التلقيح رغم وفرة اللقاحات في بلادنا وتيسير العملية مقارنة مع انطلاق الحملة الوطنية للتلقيح التي توصف دوليا بكونها نموذجية. حسب وتيرة تصاعد عدد حالات الإصابة، وبالنظر إلى ما جرى التحذير منه على امتداد الأسابيع الماضية، وأيضا اللامبالاة التي تقابل بها التحذيرات، فإننا نوفر من خلال تصرفاتنا غير محسوبة العواقب كل شروط انتكاسة جديدة، قد تكون عواقبها صعبة علينا جميعا، وأصعب على وطننا. إن الجهود المبذولة منذ بداية الجائحة حتى الآن لا يمكن الاستهانة بها، وما يبذل في هذه المرحلة ليس أقل شأنا من السابق، فبعد الانعكاسات السلبية لحالة الطوارئ والحجر الصحي الذي يعد من بين إجراءاتها، التي أثرت سلبا على اقتصاد كل بلدان العالم، لم تتعامل بلادنا وهي تقاوم الأزمة الصحية بمنطق الربح والخسارة، بل إنها أعطت الأولوية للمواطنين وضحت بالاقتصاد عكس ما ارتكبته دول كثير من أخطاء بإعطائها الأولوية للاقتصاد فانهارت منظومتها الصحية. إن منطق الاهتمام بالإنسان ورفع أسهمه ما زال هو السائد، لذلك جرى اتخاذ إجراء تعليق حركة الطيران للحد من مخاطر توافد الأشخاص المصابين بمتحور «أوميكرون » وتنامي حالات الإصابة، رغم ما لذلك من انعكاسات سلبية على كثير من الأنشطة وعلى رأسها السياحة، التي تشهد نشاطا ملحوظا نهاية السنة. لا ريب أن الموجة الثالثة آتية، خاصة في ظل استمرار التراخي، وبالنظر إلى الحركة التي شهدها التنقل بين المدن والاكتظاظ الذي شهدته وسائل النقل العمومي طالما أننا في عطلة مدرسية بينية والخوف كل الخوف أن تكون أعنف من السابقتين وتؤثر على المنظومة الصحية الوطنية التي مازالت تقاوم.