تتصاعد نذر الانفلات الوبائي في بلدان القارة الأوروبية يوما بعد يوم، من روسيا إلى فرنساوألمانيا والنمسا، وصولا إلى الدول الاسكندنافية. وترتفع معدلات الإصابات والوفيات من جراء فيروس كورونا، بشكل قياسي لم يسبق تسجيل مثيلها طيلة نحو عامين منذ بدء ظهور الوباء وتفشيه في دول أوروبا والعالم. وكانت منظمة الصحة العالمية قد دقت ناقوس الخطر، محذرة قبل أيام من أن وتيرة انتقال عدوى كورونا في أوروبا "مقلقة جدا" في الوقت الحالي، مما قد يؤدي إلى تسجيل نصف مليون وفاة إضافية في القارة بحلول فبراير المقبل. ويرجع خبراء صحيون الارتفاع الكبير في الإصابات والوفيات خلال الأسابيع القليلة الماضية، في العديد من بلدان القارة الأوروبية، إلى بطء عمليات التطعيم نسبيا، إذ تظهر الأرقام الرسمية أن 70 في المئة فقط من السكان في ألمانيا، تلقوا كامل جرعات اللقاح. ويشيرون إلى أن معظم المصابين في وحدات العناية المركزة هم من غير الملقحين، فيما ترتفع أعدادهم بشكل مضطرد. فضلا عن أن التراخي والتهاون في إجراءات الوقاية، كالتباعد الاجتماعي وعدم ارتداء الكمامات، هي بدورها من مسببات هذه الموجة الوبائية الجديدة التي تلوح في الأفق الأوروبي. وتعليقا على الواقع الوبائي الخطير في البلدان الأوروبية، يقول الصحفي العراقي ماهر الحمداني، المقيم في ألمانيا، في حوار مع موقع "سكاي نيوز عربية": "ما يحدث في ألمانيا وغيرها من دول أوروبا، يمثل ارتفاعا خطيرا للغاية في مؤشرات التصاعد الوبائي البيانية". ويشير إلى أنه "تم تحطيم الأرقام القياسية في أعداد الإصابات والوفيات في العديد من الدول الأوروبية، والمفارقة أن هذا الارتفاع في وتيرة الإصابات يفوق عددها بمراحل ما قبل البدء بتلقيح المواطنين، مما يعني أن حملات التلقيح لم تسهم في خفض وتيرة الإصابات". ويضيف: "لكن ثمة من يرى في المقابل أنه رغم ارتفاع الإصابات، فإن الحالات الحرجة التي بحاجة للأسرة والأوكسجين والتنويم في أقسام العناية المركزة داخل المستشفيات والمراكز الصحية، قليلة، في حين أنها كانت كثيرة في السابق، رغم أن نسب الإصابات العامة كانت أقل بكثير من الحالية". ويعتبر الحمداني أن هذا "يكشف فعالية اللقاحات وإسهامها في الحد من مضاعفات الإصابة بالفيروس الفتاك، وإنقاذها أرواح الكثير من المصابين، حيث غالبا ما تكون الإصابات لدى الملقحين طفيفة وتختفي أعراضها بسرعة، على عكس غير المطعمين". وعما إذا كان هناك توجه نحو الإغلاق الأوروبي العام، يرد الحمداني بالقول: "يبدو أنه لن تكون هناك سياسات إغلاق في مختلف الدول الأوروبية، نظرا لانعكاساتها الاقتصادية الكارثية، فمثلا في ألمانيا ثمة إجماع سياسي على أنه لا عودة للإغلاقات، لما تسببت به سابقا من خسائر وأضرار اقتصادية فادحة، خاصة بعد تبعات الإغلاق الطويل نسبيا الذي حدث مرتين". وطبقت ألمانيا الإغلاق العام مرتين، من ديسمبر إلى مارس من بداية العام الجاري، ومن شهر مارس إلى يونيو خلال 2020. وعن "بديل الإغلاق" لمواجهة هذه الموجة الوبائية، يجيب الحمداني: "الآن يتم البحث عن حلول أخرى بعيدا عن الإغلاق الذي بات غير مطروح تماما على الأجندة، فالاقتصاد يجب ألا تتوقف دورته، لكن الحديث يتم عن تقييد حركة الناس وتشديد الإجراءات الوقائية، بحيث أن من تلقى التلقيح أو من أصيب وشفي من الفيروس، هو فقط من يسمح له بالخروج وارتياد الأماكن العامة وممارسة الحياة الطبيعية، مع ارتداء الكمامات ومراعاة التباعد". ويستطرد: "أما إذا كان الشخص غير ملقح ولم يصب سابقا بالفيروس، فحتى لو جاء بنتيجة فحص تثبت عدم الإصابة بالفيروس، لن يسمح له مثلا بدخول الأماكن الرسمية والعامة، والمشاركة في الحياة العامة". والوضع الوبائي الخطير هذا لا يقتصر على ألمانيا فقط، بل يشمل عموم بلدان القارة الأوروبية، كفرنسا والدول الاسكندنافية، كما يوضح الحمداني. ويتابع: "لكن اللافت أن حالة الهلع التي رافقت ظهور الفيروس عام 2020، تراجعت كثيرا الآن، فالناس تعرف طبيعة المرض وطرق الوقاية والمعالجة، وتقبل على أخذ اللقاحات ضده، وبالتالي فالحكومات الأوروبية أيضا تتصرف بروية وعدم ارتباك مع الوباء، وإن تصاعدت معدلات الإصابة مجددا". ويوضح أنه لهذا السبب فلن تتم العودة للإغلاق في عموم أوروبا، لكن هناك إعادة لفرض القيود وتشديدها، ففي فرنسا مثلا أعادوا فرض الكمامات على الأطفال في المدارس، مما مثل نكسة على صعيد التحرر من قيود مكافحة كورونا، لافتا إلى أن هذه التشديدات ستستمر على الأقل حتى نهاية مارس المقبل. ويكمل: "في الدول الاسكندنافية هناك أيضا تشديد للإجراءات، على وقع تصاعد الوضع الوبائي، لكن لغاية الآن لم نسمع مثلا عن اعتماد نظام الدوام الإلكتروني من المنازل بدلا من الحضوري، ولم نر إغلاق الحدود، ولا إغلاق القطاعات الاقتصادية كالمصانع والمعامل، فأقصى ما يتم اتخاذه هو تشديد الإجراءات الوقائية مع استمرار حياة الناس الطبيعية والخروج والاختلاط في سياق مراعاة ارتداء الكمامات، والمضي في إجراء الفحوص لكشف الإصابات والتلقيح". ويأتي كل ذلك وسط تحذيرات من أن فصل الشتاء الذي بات على الأبواب، والذي سيحمل معه موجة جديدة من الوباء في أوروبا، لا سيما وأن احتفالات أعياد الميلاد ورأس السنة، في حال عدم وضع ضوابط لها، ستسهم في انتشار واسع للمرض، وفق ما يحذر الخبراء الصحيون.