ما يجمع بين المملكة المغربية وأشقائها في الخليج العربي فوق الوصف، فهو لا يستند إلى وحدة اللغة والدين، ولا إلى كثرة اللقاءات والخطب والشعارات كما قال جلالة الملك في الخطاب التاريخي الذي ألقاه جلالته يوم الأربعاء 20 أبريل 2016 خلال القمة المغربية الخليجية بالرياض، لهذا جاءت الدورة ال42 لاجتماع قمة المجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية المنعقدة خلال الأسبوع الماضي في الرياض، وكأنها امتداد لقمة 2016، طالما أن المغرب الغائب كان حاضرا عبر قضية وحدته الترابية، والدعم الخليجي الدائم. لقد جسدت قمة الرياض مضامين ما جاء في الخطاب الملكي التاريخي قبل خمسة أعوام، إذ قال جلالته آنذاك «توحدنا والحمد لله، روابط قوية، لا ترتكز فقط على اللغة والدين والحضارة، وإنما تستند أيضا، على التشبث بنفس القيم والمبادئ، وبنفس التوجهات البناءة». وتأكد أن العبرة ليست بكثرة الاجتماعات والخطابات كما قال جلالته «ولا بالقمم الدورية الشكلية، أو بالقرارات الجاهزة، غير القابلة للتطبيق، وإنما يتطلب العمل الجاد، والتعاون الملموس، وتعزيز التجارب الناجحة، والاستفادة منها، وفي مقدمتها التجربة الرائدة لمجلس التعاون لدول الخليج العربي». وجاءت برقيات الشكر والامتنان التي بعث بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى أشقائه أصحاب الجلالة والسمو قادة دول الخليج، لدعمهم الدائم للوحدة الترابية للمملكة، ومغربية الصحراء، وتجديدهم التأكيد على ذلك خلال اجتماع القمة المشار إليه، لتؤكد أن ما يجمع بين المغرب وأشقائه أكثر مما يمكن أن يتصوره من يغيظهم تشبث المغرب بهويته العربية والمكانة التي يحظى بها لدى الأشقاء، والاهتمام الذي يوليه الإخوة في خليج أمتنا العربية إلى المغرب الأقصى. إن المغرب وأشقاءه هناك لا يتعاملون بمنطق البعيد عن العين بعيد عن القلب، وهو نعبر عنه مرارا وتكرارا، إذ أكدنا «أن المغاربة تعاملوا مع أشقائهم بحب وإخلاص وتحلوا بالوفاء في أسمى تجلياته»، وبصراحة لا يرقى إليها الشك. ويبقى الخطاب الذي ألقاه صاحب الجلالة في القمة الخليجية المغربية المنعقدة في الرياض في أبريل 2016 خير دليل. فمثلما عبر عن ذلك صاحب الجلالة حين قال قبل أكثر من خمس سنوات إن «المغرب يعتبر دائما أمن واستقرار دول الخليج العربي، من أمن المغرب. ما يضركم يضرنا وما يمسنا يمسكم»، ونشعر من خلال ما دأب الأشقاء عليه وما عبروا عنه في القمة الأخيرة أنهم يعتبرون صيانة الوحدة الترابية لبلدنا صيانة لهم. إن الدعم والتآزر بين الأشقاء واجب، لكن الوجوب لا يلغي الشكر، للتمييز بين من معك ومن كان من المفروض أن يكون معك ولم يختر فقط الاصطفاف ضدك، بل يقود العداوات التي قال الزمن كلمته فيها، وجعله معزولا يكرر أسطوانته المشروخة. إن البرقيات الملكية تؤكد أن ثقافة الاعتراف من شيم المملكة المغربية، التي يجسد أبناء شعبها على أرض الواقع أن المغاربة على دين ملكهم. لا يرقى الشك بخصوص النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية إلى كوننا أصحاب الحق، إلا أن هذا لا يحول دون أن نكبر في الأشقاء والأصدقاء وقوفهم إلى جانبنا. إن حرارة المحبة والإخاء لا تشترط الجوار، وما يجمعنا ونحن في غرب الأمة العربية بالأشقاء هناك لا يخضع للمؤثرات، إذ لا تؤثر في حرارة رابطة الأخوة لا برودة الطقس ولا التغيرات المناخية ولا التقلبات بمختلف أنواعها. إن البرقيات الملكية تعبير صادق عن الوفاء المتبادل، بل هي قمة الوفاء، الذي يظل من سمات المغاربة المعتزين بانتمائهم وأصولهم، والذين لم ولن يغيرهم لا التاريخ ولا الجغرافيا ولا يتنكرون لمن مد لهم اليد وساهم معهم في صنع تاريخهم، أو صان حقهم. إنها الدروس والعبر التي يعجز بمن يعانون القصور عن فهمها، طالما أن النسيان والتناسي من شيمهم. أما المغرب الأصيل فلا تغرب عنه شمس الاعتراف.