يستمر تعزيز التواصل حول المقاربة الوقائية الجديدة المرتكزة على اعتماد "جواز التلقيح" كوثيقة أساسية ورسمية ووحيدة للتنقل وولوج الأماكن العمومية، وسط انفتاح حول مختلف المواقف المتأرجحة بين مؤيد للقرار الحكومي والمعارض له، وفي وقت تسير حملة التطعيم بوتيرة تقرب المملكة من بلوغ "المناعة الجماعية".. وهو مشهد يقدم نموذجا خاصا وإضافيا على الطريقة المتفردة للمغرب في تدبير الاختلاف في أجواء "تدافع صحي" لا يلغى فيها صوت الآخر. فبينما يتجه المجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى عقد لقاء، بحر الأسبوع الجاري، مع مختلف الفاعلين الرسميين وغير الرسميين للتداول في الموضوع، وفق ما أكدته مصادر متطابقة، دخلت وزارة الداخلية على خط النقاش العمومي بخرجات لمسؤولين بها عملوا من خلالها على تقديم توضيحات أكثر حول دوافع إقرار هذه الآلية، شأنها في ذلك شأن وزارة الصحة التي كثفت، بدورها، من تنظيم اللقاءات التفاعلية عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي (فايسبوك)، للإجابة عن جميع التساؤلات التي تشغل بال المغاربة وتبديد الشكوك المتولدة لديهم بسبب نمو الإشاعات، المتكاثرة "صناعاتها" أخيرا في توجه مخدوم لتغليط الرأي العام. وكل هذا، بهدف قطع حبال الشكوك بيقين الأرقام والمعطيات الدقيقة حول دور هذه المقاربة الوقائية في تعبيد الطريق نحو انطلاقة اقتصادية واجتماعية جديدة، وما توفره من تحصين للمواطن في مواجهة أي موجة وبائية جديدة، التي تظهر المؤشرات المرصودة أنها في الطريق لاجتياح عدد من الدول، وقد لا يكون المغرب في منأى عنها. وهو ما أكد عليه في الخرجة التواصلية التي قامت بها الداخلية عبر القنوات العمومية، والتي استعرضت خلالها الصورة كاملة عن الدور الكبير لهذه العملية في التخلص من قيود "كورونا" نحو عودة شبه كاملة للحياة الطبيعية. فخلال حلوله ضيفا على نشرة الأخبار "المسائية" بالقناة الثانية، أمس، قال رشيد الخلفي، كاتب عام بالمديرية العامة للشؤون الداخلية بالوزارة، إن التعبئة غير المسبوقة التي تشهدها بلادنا في مواجهة (كوفيد-19) هي بفضل حكمة وتبصر وبعد نظر صاحب الجلالة الملك محمد السادس، منوها، في الآن ذاته، بتفاعل مختلف مكونات المجتمع المغربي مع القرارات المعتمدة من طرف السلطات العمومية حفاظا على الصحة العامة. وأشار إلى أن "جواز التلقيح" وثيقة رسمية معتمدة من طرف السلطات العمومية بموجب قرار حكومي يتوفر على كل المعطيات والعناصر القانونية اللازمة. وقدم شروحات في هذا الصدد انطلاقا من مستويين، الأول دستوري، والذي يحيل على أن الحق في الحياة والسلامة الصحية هي من الحقوق الأساسية المنصوص عليها في دستور المملكة، معززا توضيحه لهذه النقطة بما جاء في الفصل 21 منه، والذي ألزم السلطات العمومية بضمان حماية السكان وسلامة التراب الوطني، وكذلك ما تضمنه الفصل 31، الملزم للسلطات نفسها باتخاذ الإجراءات الكفيلة وتعبئة جميع الإمكانيات المتاحة لتيسير سبل استفادة المواطنين على قدم المساواة من الحق في العلاج والحق في العناية الصحية. أما في ما يخص المستوى القانوني، فأوضح رشيد الخلفي أن قرار الحكومة، الذي أعلن عنه ببلاغ، يستند إلى مبررات قانونية قوية يجسدها مرسوم بقانون المتعلق ب "الطوارئ الصحية"، مضيفا أنه نص تشريعي وصودق عليه في غرفتي البرلمان وبموجبه يحق للحكومة بل ويجب عليه، حفاظا على صحة المواطنين، أن تتخذ جميع الإجراءات اللازمة. وزاد مفسرا "هذا النص في مادته الثالثة يضع البلاغ كوسيلة للتعبير عن قرارات الحكومة.. فهذه الآلية وضعها المشرع، إلى جانب باقي الوسائل الأخرى وهي المراسيم والمناشير والقرارات التنظيمية والإدارية، تندرج في إطار السلطة التنظيمية للحكومة"، مبرزا أن آلية البلاغ حققت العديد من الأهداف، ومكنت الحكومة من التدخل الفوري والاستعجالي منذ بداية الجائحة من اتخاذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب. من جهته، أكد إبراهيم بستاوي، كاتب عام بمديرية الحريات والمجتمع المدني بوزارة الداخلية، أن تنزيل إلزامية الإدلاء ب "جواز التلقيح" جرى بطريقة سلسلة، مشيرا إلى أنه لم يتم الوقوف على ما من شأنه عرقلة السير العادي لهذه العملية. وذكر إبراهيم بستاوي، في فقرة "ضيف التحرير" على قناة (ميدي1. تي في)، أن الفضل في ذلك يعود إلى انخراط جميع الأطراف المتدخلة في الموضوع من مواطنين ومواطنات ومصالح أمنية وسلطات محلية، بالإضافة إلى باقي الفاعلين على مستوى المرافق العمومية وشبه العمومية أو الخاصة، مثيرا، في الوقت نفسه، التوافد الكبير للمواطنين على مراكز التلقيح، إذ أكد أن تجاوز عدد المستفيدين 24 مليونا، هو بمثابة فخر للمملكة التي أصبحت تتبوأ مكانة الريادة قاريا ومكانة مشرفة على مستوى باقي دول العالم. وأوضح أن هذا الإنجاز راجع إلى العناية الخاصة التي أولاها صاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى هذا الموضوع من خلال إعطاء جلالته تعليماته السامية إلى ضرورة وضع برنامج متكامل وملائم للتحصين من تداعيات الجائحة، وللسلطات العمومية بالعمل على تمكين المغاربة والأجانب من مجانية التطعيم في ظروف عالمية صعبة. وأكد أن الهدف الأساسي من هذه المقاربة الوقائية هو التصدي للتداعيات السلبية، التي خلفها الوباء، والتسريع في محاولة العودة إلى الحياة الطبيعية، سواء على مستوى الاقتصادي أو الاجتماعي، وزاد موضحا "الجواز يمكن من الشعور بالأمان الصحي الجماعي، إذ أن العديد من المواطنين يعتبرون أن التوفر عليه يمكن من الولوج إلى الأماكن العمومية دون التخوف من إمكانية التعرض للإصابة بالفيروس بنسبة كبيرة".